الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والله أعلم (1). قال الإمام الحافظ ابن المنذر رحمه الله: ((ويصلي صلاة الخوف في الحضر، يجعلهم طائفتين، فيصلي بالطائفة الأولى ركعتين، وينتظرهم في التشهد جالسًا، ويتمون لأنفسهم، وينصرفون، وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعتين، ويثبت جالسًا ويصلون لأنفسهم، فإذا جلسوا وتشهدوا سلم بهم، وإذا كانت صلاة المغرب صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعة على هذا المثال)) (2)، والله سبحانه وتعالى أعلم (3).
سادسًا: صلاة الخوف حال القتال والتحام الحرب
، قال الله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لله قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ
(1) وهل تفارق الإمام الطائفة الأولى في التشهد الأول أو في الركعة الثالثة على وجهين: أحدهما حين قيامه إلى الثالثة، وهو قول مالك والأوزاعي. والوجه الثاني تفارقه في التشهد، قيل وكلا الأمرين جائز. انظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف،5/ 131 - 132،والمغني،3/ 310،والكافي،1/ 473.
(2)
الإقناع للإمام ابن المنذر، 1/ 123.
(3)
وإذا صلى [الإمام] بالطائفة الثانية الركعة الثالثة وجلس للتشهد فإن الطائفة تقوم ولا تتشهد معه، ذكره القاضي؛ لأنه ليس بموضع تشهدٍ لها بخلاف الرباعية، ويحتمل أن تتشهد معه؛ لأنها تقضي ركعتين متواليتين على إحدى الروايتين، فيفضي إلى أن تصلي ثلاث ركعات بتشهد واحد، ولا نظير لهذا في الصلوات، فعلى هذا الاحتمال تتشهد معه التشهد الأول ثم تقوم كالصلاة الرباعية سواء)) المغني لابن قدامة، 3/ 310، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 5/ 129 - 130، والكافي، 1/ 473، وقال الإمام المرداوي:((فائدة: لا تتشهد الطائفة الثانية بعد ثالثة المغرب على الصحيح من المذهب؛ لأنه ليس محل تشهدها، وقيل: تتشهد معه، إن قلنا: تقضي ركعتين متواليتين؛ لئلا تصلي المغرب بتشهد واحد، قلت: فعلى الأول إن قلنا: تقضي ركعتين متواليتين يعايى بها، لكن يظهر بعد هذا أن يُقال: لا تتشهد بعد الثالثة، وإذا قضت تقضي ركعتين متواليتين، ويتصور في المغرب أيضًا ست تشهدات بأن يدرك المأموم الإمام في التشهد الأول، فيتشهد معه، ويكون على الإمام سجود سهو محله بعد السلام، فيتشهد معه ثلاث تشهدات، ثم يقضي فيتشهد عقب ركعة، وفي آخر صلاته، وسهو لما يجب سجوده بعد السلام، وبأن يسلم قبل إتمام صلاته، فيعايى بها)) الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 5/ 132 - 133.
رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ الله كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} (1). قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((لما أمر الله تعالى عباده بالمحافظة على الصلوات والقيام بحدودها، وشدد الأمر بتأكيدها ذكر الحال التي يشتغل الشخص فيها عن أدائها على الوجه الأكمل، وهي حال القتال والتحام الحرب، فقال: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} أي فصلوا على أي حال كان: رجالاً أو ركبانًا، يعني مستقبلي القبلة وغير مستقبليها (2)، كما قال مالك عن نافع: إن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها، ثم قال: فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالاً قيامًا على أقدامهم، أو ركبانًا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها، قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم))، ولفظ مسلم:((فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلّ راكبًا، أو قائمًا، تومئ إيماءً)) (3)، وفي حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرنة وعرفات فقال:((اذهب فاقتله)) قال فرأيته وقد حضرت صلاة العصر، فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت أمشي وأنا أصلي، وأومئ إيماءً نحوه
…
)) الحديث (4).
وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: ((باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماءً، وقال الوليد: ذكرت للأوزاعي صلاة شرحبيل بن السمط
(1) سورة البقرة، الآيتان: 238 - 239.
(2)
تفسير القرآن العظيم، ص197.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، باب قوله:{فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ} ، برقم 4535 [و942، 943]، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الخوف، برقم 306 - (839).
(4)
أحمد، 3/ 496، وأبو داود، كتاب صلاة السفر، باب صلاة الطالب، برقم 1249، قال الإمام الحافظ ابن كثير في تفسيره، ص197:((رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد)). وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 2/ 437:((وإسناده حسن)) وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص97، برقم 1249.
وأصحابه على ظهر الدابة، فقال: كذلك الأمر عندنا إذا تُخُوّفَ الفوت، واحتج الوليد بقول النبي صلى الله عليه وسلم:((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)) (1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه من أهل العلم يقول: إن المطلوب يصلي على دابته يومئ إيماءً، وإن كان طالبًا نزل فصلى على الأرض، قال الشافعي: إلا أن ينقطع عن أصحابه فيخاف عود المطلوب عليه، فيجزئه ذلك، وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل، بخلاف المطلوب، ووجه الفرق أن شدة الخوف في المطلوب ظاهرة؛ لتحقق السبب المقتضي لها، وأما الطالب فلا يخاف استيلاء العدو عليه، وإنما يخاف أن يفوته العدو، وما نقله ابن المنذر متعقب بكلام الأوزاعي؛ فإنه قيده بخوف الفوت ولم يستثنِ طالبًا من مطلوب)) (2)، ثم ذكر ابن حجر رحمه الله حديث عبد الله بن أنيس المتقدم وحسّن إسناده (3).
وقال البخاري رحمه الله تعالى: ((باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو. وقال الأوزاعي: إن كان تهيّأ الفتح وعقدوا على الصلاة صلوا إيماءً كل امرئ لنفسه، فإن لم يقدروا على الإيماء أخّروا الصلاة حتى ينكشف القتال، أو يأْمَنوا فيصلوا ركعتين، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا فلا يجزيهم التكبير ويؤخرونها حتى يأْمَنوا، وبه قال مكحول. وقال أنس بن مالك: حضرت عند مناهضة حصن تُستر (4) عند إضاءة الفجر - واشتد اشتعال القتال - فلم يقدروا على الصلاة، فلم نصلّ إلا بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى فَفُتِحَ لنا، وقال
(1) البخاري، كتاب صلاة الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب، قبل الحديث رقم 946، والحديث الذي احتج به الوليد، هو نفسه رقم 946، ورقم 4119.
(2)
فتح الباري، 2/ 436 - 437.
(3)
انظر: المرجع السابق، 2/ 437.
(4)
تستر: بلد معروف من بلاد الأهواز، وذكر خليفة أن فتحها كان في سنة عشرين في خلافة عمر رضي الله عنه، فتح الباري لابن حجر، 2/ 435.
أنس: وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها)) (1)،ثم ساق البخاري عن جابر بن عبد الله قال: جاء عمر يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش، ويقول: يا رسول الله، ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((وأنا والله ما صليتها بعد)) قال: فنزل إلى بطحان فتوضأ وصلى العصر بعدما غابت الشمس، ثم صلى المغرب بعدها)) (2).
مما تقدم من الأدلة على صلاة الخوف عند اشتداد الحرب اختلف العلماء على قولين:
1 -
قال جمهور العلماء: لا تؤخر الصلاة عند اشتداد الحرب والتحام القوم بعضهم ببعض، بل يصلون على حسب أحوالهم على أي صفة كانوا ولو ركعة واحدة إيماءً سواء كانوا مستقبلين القبلة أو مستدبرين، وسواء كانوا رجالاً على الأقدام أو ركبانًا على الخيل والإبل وغيرها، فقالوا تكون الصلاة على ما ورد به القرآن ووردت به الأحاديث، وأن الصلاة لا تؤخر، أما تأخير الصلاة يوم الخندق؛ فلأن صلاة الخوف لم تشرع بعد (3).
2 -
وذهب قوم من أهل العلم إلى أن صلاة الخوف في اشتداد القتال يجوز تأخيرها إلى الفراغ من التحام القتال إذا لم يستطع المجاهدون أن يعقلوا صلاتهم، وهذا أحد القولين في مذهب الإمام أحمد رحمه الله وغيره، واختاره البخاري، والأوزاعي، ومكحول، وهو الذي عمل به الصحابة رضي الله عنهم زمن عمر بن الخطاب في فتح تستر، وقد اشتهر ولم ينكر عليهم تأخير صلاة الفجر إلى أن
(1) البخاري، كتاب صلاة الخوف، باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو، قبل الحديث رقم 945.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب صلاة الخوف، باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو، برقم 945، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي العصر، برقم 631.
(3)
انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 316،والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 5/ 125، وزاد المعاد، 3/ 253، والكافي لابن قدامة، 1/ 425، ومنتهى الإرادات، 1/ 345، ونيل الأوطار، 2/ 631، ومنار السبيل، 1/ 185، والإقناع لابن المنذر، 1/ 122، والإقناع لطالب الانتفاع، للحجاوي، 1/ 288، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 2/ 415.
استتم الفتح ضحى فصلوها بعد ارتفاع الشمس (1)، ورجح شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله أنه يجوز تأخير الصلاة في حال المسايفة إلى أن يتمكن من فعلها، فسمعته يقول:((والصواب أن غزوة ذات الرقاع قبل الأحزاب، وأنه إذا اشتد الخوف أخّر الصلاة كما فعل الصحابة يوم تستر أخَّروا صلاة الفجر إلى الضحى لشدة الحرب)) (2).ورجح ذلك أيضًا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، وبيّن أنه يجوز تأخير الصلاة إذا اشتد الخوف بحيث لا يتدبر الإنسان ما يقول، وذكر أن تأخير صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ليس منسوخًا، بل هو محكم إذا دعت الضرورة القصوى إلى ذلك، بحيث لا يقر للمقاتلين قرار، ثم قال:((ونحن في هذا المكان لا ندركه وإنما يدركه من كان في ميدان المعركة)) (3)، قال ابن رشيد رحمه الله:((من باشر الحرب، واشتغال القلب، والجوارح، إذا اشتغلت عرف كيف يتعذر الإيماء)) (4).
(1) انظر فتح الباري، لابن حجر، 2/ 434 - 436، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص197 - 198، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، 4/ 374، والشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين، 4/ 585، وزاد المعاد، لابن القيم، 3/ 253، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/ 631.
(2)
سمعته أثناء تقريره على زاد المعاد، 3/ 253.
(3)
الشرح الممتع بتصرف يسير، 4/ 586.
(4)
نقلاً عن فتح الباري لابن حجر، 2/ 434.