الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - يُبَكّر إلى الجمعة
؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)) (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من اغتسل يوم الجمعة ثم راح)) يدل على أن الغسل المستحب للجمعة أوله طلوع الفجر، وآخره الرواح إلى الجمعة، فإن اغتسل قبل دخول يوم الجمعة لم يأت بسنة الغسل، كما لو اغتسل بعد صلاة الجمعة، وبهذا قال مالك، والشافعي، وأحمد، وأكثر العلماء (2). وقوله صلى الله عليه وسلم:((غسل الجنابة)) قيل: المراد تعميم الجسد بالغسل كما يعمه بغسل الجنابة، فيكون المعنى: اغتساله للجمعة كاغتساله للجنابة في المبالغة وتعميم البدن بالماء، وهذا قول أكثر الفقهاء من الشافعية وغيرهم.
وقيل: المراد به غسل الجنابة حقيقة، وأنه يستحب لمن له زوجة أو مملوكة أن يطأها يوم الجمعة ثم يغتسل؛ لأنه أغض لبصره (3).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ثم راح فكأنما قرب بدنة)) المراد راح في الساعة الأولى، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:((ومن راح في الساعة الثانية)) وقد صرح الإمام مالك في روايته للحديث بذكر الساعة الأولى، وقد اختلف العلماء في المراد بهذه الساعة، فقيل: المراد بها الساعة التي بعد زوال الشمس؛ لأن حقيقة الرواح إنما تكون بعد الزوال، والغدوّ يكون قبله، كما قال الله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 881، ومسلم، برقم 850، وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجمعة.
(2)
انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن رجب، 8/ 89.
(3)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن رجب، 8/ 90.
الرّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} (1)، وهذا قول مالك وأكثر أصحابه،
ووافقهم طائفة من الشافعية على ذلك. وعلى هذا تكون الساعات أجزاء من الساعة السادسة بعد الزوال. وقيل: المراد بالساعات من أول النهار، وأولها من طلوع الفجر، وهو ظاهر مذهب الشافعي، وأحمد.
وقيل: أول الساعات من طلوع الشمس، ذُكِرَ عن الثوري، وأبي حنيفة، ورجحه الخطابي وغيره؛ لأن ما قبله وقت للسعي إلى صلاة الفجر، ورجح هذا القول عبد الملك بن حبيب المالكي، وهؤلاء حملوا الساعات على ساعات النهار المعهودة، وهو الظاهر المتبادر إلى الفهم؛ فإن ظاهر الحديث يدل على تقسيم نهار الجمعة إلى اثنتي عشرة ساعة مع طول النهار وقصره، ولا يكون المراد به الساعات المعروفة من تقسيم الليل والنهار إلى أربع وعشرين ساعة؛ فإن ذلك يختلف باختلاف طول النهار وقصره، ويدل على هذا حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة [فيها ساعة] لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله شيئاً إلا آتاه الله إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر)) (2).
وأما ذكر الرواح فيجاب عنه بجوابين:
الأول: أنه لما كان آخر الساعات بعد الزوال هو رواح حقيقي سُميت كلها رواحاً، كما يسمى الخارج للحج والجهاد: حاجّاً وغازياً قبل تلبسه بالحج والغزو؛ لأن أمره ينتهي إلى ذلك.
الثاني: أن الرواح أريد به هنا القصد والذهاب مع قطع النظر عن كونه قبل الزوال أو بعده؛ فإن الرواح والغدو عند العرب يستعملان في السير
(1) سورة سبأ، الآية:12.
(2)
النسائي، برقم 1387، والسنن الكبرى للنسائي، 1/ 526، وأبو داود، برقم 1048، وتقدم تخريجه في ساعة الجمعة.