الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلوات المذكورة لمشقة عارضة ذلك اليوم: من مرض غالب، أو برد شديد، أو وحل، ونحو ذلك، ويدل على ذلك قول ابن عباس لما سئل عن علة هذا الجمع قال:((لئلا يحرج أمته))، وهذا جواب عظيم، سديد، شافٍ. والله أعلم)) (1). وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حمنة بنت جحش لما كانت مستحاضة بتأخير الظهر وتعجيل العصر، وتأخير المغرب وتعجيل العشاء (2)، وهذا هو الجمع الصوري (3). والمرض المبيح للجمع هو ما يلحقه به بتأدية كل صلاة في وقتها مشقة وضعف، والمريض مخير في جمع التقديم والتأخير على حسب ما يكون أيسر له، فإن استوى عنده الأمران فالتأخير أولى (4). والله الموفق (5).
6 - الجمع في المطر الذي تحصل به المشقة على الناس
؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر)). وفي لفظ: ((في غير خوف ولا
(1) تعليق الإمام ابن باز على فتح الباري لابن حجر، 2/ 24.
(2)
أبو داود، برقم 287، والترمذي، برقم 128، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، برقم 188، وقد تقدم تخريجه في صلاة المريض، وفي الطهارة في أحكام المستحاضة.
(3)
وقال ابن قدامة، رحمه الله:((وقد روي عن أبي عبد الله أنه قال في حديث ابن عباس: هذا عندي رخصة للمريض والمرضع)) وقال ابن قدامة أيضًا: ((وكذلك يجوز الجمع للمستحاضة، ولمن به سلسل البول، ومن في معناهما)) المغني لابن قدامة، 3/ 135 - 136، وانظر: الشرح الكبير المطبوع مع المقنع والإنصاف، 5/ 90.
(4)
انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 135 - 136 والشرح الكبير المطبوع مع المقنع، والإنصاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 5/ 90، والكافي لابن قدامة، 1/ 460 - 462، وفتاوى ابن تيمية،
1/ 233، 22/ 292، و24/ 14، 29.
(5)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((
…
فلهذا كان مذهب الإمام أحمد وغيره من العلماء كطائفة من أصحاب مالك وغيره: أنه يجوز الجمع بين الصلاتين إذا كان عليه حرج، فيجمع بينهما المريض، وهو مذهب مالك وطائفة من أصحاب الشافعي
…
)) مجموع فتاوى شيخ الإسلام،1/ 433،وانظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 2/ 398 - 400،وانظر: التمهيد لابن عبد البر،12/ 211 - 214.
سفر))، فسئل لِمَ فعل ذلك؟ قال:((أراد أن لا يحرج أمته)) (1). قال المجد ابن تيمية رحمه الله: ((وهذا يدل بفحواه على الجمع للمطر، والخوف، والمرض، وإنما خولف ظاهر منطوقه في الجمع لغير؛ للإجماع؛ ولأخبار المواقيت، فيبقى فحواه على مقتضاه، وقد صح الحديث في الجمع للمستحاضة، والاستحاضة نوع مرض)) (2).
وقال العلامة الألباني رحمه الله عن قول ابن عباس رضي الله عنهما: ((في غير خوف ولا مطر)) ((
…
يشعر أن الجمع في المطر كان معروفًا في عهده صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن كذلك لما كان ثمة فائدة من نفي المطر كسبب مبرر للجمع فَتَأمَّل)) (3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن قول ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا:((من غير خوف ولا مطر))، ((ولا سفر)):((والجمع الذي ذكره ابن عباس لم يكن بهذا ولا هذا، وبهذا استدل أحمد به على الجمع لهذه الأمور بطريق الأولى؛ فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى، وهذا من باب التنبيه بالفعل؛ فإنه إذا جمع يرفع الحرج الحاصل بدون الخوف، والمطر، والسفر، فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يرفع، والجمع لها أولى من الجمع لغيرها)) (4).
وقد جاء في الجمع بسبب المطر آثار (5) عن الصحابة والتابعين، فعن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم)) (6).
وعن هشام بن عروة أن أباه عروة، وسعيد بن المسيب، وأبا بكر بن
(1) مسلم، برقم 705، وتقدم تخريجه في صلاة المريض.
(2)
المنتقى من أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم، باب جمع المقيم لمطر أو غيره، 2/ 4.
(3)
إرواء الغليل، 3/ 40.
(4)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 24/ 76.
(5)
انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 132.
(6)
موطأ الإمام مالك، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، برقم 5، 1/ 145، والبيهقي، 3/ 168، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 41، برقم 583.
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة إذا جمعوا بين الصلاتين، ولا ينكرون ذلك)) (1).
وعن موسى بن عقبة أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة إذا كان المطر، وأن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبا بكر بن عبد الرحمن، ومشيخة ذلك الزمان كانوا يصلون معهم ولا ينكرون ذلك)) (2)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:((فهذه الآثار تدل على أن الجمع للمطر من الأمر القديم المعمول به بالمدينة زمن الصحابة والتابعين، مع أنه لم ينقل أن أحدًا من الصحابة والتابعين أنكر ذلك فعلم أنه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك، لكن لا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع إلا للمطر، بل إذا جمع لسبب هو دون المطر مع جمعه أيضًا للمطر، كان قد جمع من غير خوف ولا مطر، كما أنه إذا جمع في السفر، وجمع في المدينة كان قد جمع في المدينة من غير خوف ولا سفر، فقول ابن عباس: جمع من غير كذا ولا كذا ليس نفيًا منه للجمع بتلك الأسباب، بل إثبات منه؛ لأنه جمع بدونها، وإن كان قد جمع بها أيضًا)) (3). والله أعلم (4)،قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((والمطر المبيح للجمع هو ما يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه، وأما الطل والمطر الخفيف الذي لا يبل الثياب، فلا يبيح، والثلج كالمطر في ذلك؛ لأنه في
(1) البيهقي في الكبرى، 3/ 168، وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل، 3/ 40.
(2)
البيهقي في السنن الكبرى،3/ 168،وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل،3/ 40.
(3)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 24/ 83.
(4)
يذكر بعض الفقهاء عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة. قالوا: رواه النجَّاد بإسناده، وذكر الألباني في إرواء الغليل، 3/ 39 أنه ضعيف جدًّا. رواه الضياء المقدسي، أما النجاد الذي عُزي إليه الحديث فله مسند، وكتاب كبير في السنن، ولم يعثر الألباني إلى على أجزاء يسيرة من أحاديث ولم يجد الحديث فيها فلعله في الأجزاء المفقودة. الإرواء 3/ 40.