الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا نسي صلاة الحضر فذكرها في السفر فعليه أن يصليها صلاة حضر تامة من غير قصر إجماعًا؛ لأن الصلاة تعيَّن عليه فعلها أربعًا، فلم يجز له النقصان من عددها؛ ولأنه إنما يقضي ما فاته وقد فاته أربعٌ، وأما إن نسي صلاة السفر فذكرها في الحضر، فقال الإمام أحمد: عليه الإتمام احتياطًا، وبه قال الأوزاعي، وداود، والشافعي في أحد قوليه، وقال مالك والثوري وأصحاب الرأي: يصليها صلاة سفر؛ لأنه إنما يقضي ما فاته، ولم يفته إلا ركعتان (1)، والله عز وجل أعلم (2). وإن نسيها في سفر وذكرها فيه أو ذكرها في سفر آخر قضاها مقصورة؛ لأنها وجبت في السفر وفُعلت فيه (3).
سادسًا: مسافة قصر الصلاة في السفر:
قال البخاري رحمه الله: ((بابٌ: في كم يقصرُ الصلاة، وسمَّى النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وليلة سفرًا، وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يقصران ويفطران في أربعة برد وهي ستة عشر فرسخًا)) (4)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ((قوله: بابٌ في كم
(1) المغني لابن قدامة، 3/ 141 - 142، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 5/ 53 - 54، وحاشية الروض المربع لابن قاسم، 2/ 387.
(2)
اختار العلامة محمد بن صالح العثيمين أن الراجح فيمن نسي صلاة سفر فذكرها في حضر صلاها قصرًا؛ لأنها صلاة وجبت عليه في سفر وصلاة السفر مقصورة فلا يلزمه إتمامها، وعلى هذا فللمسألة أربع صور:
1 -
ذكر صلاة سفر في سفر، يقصر.
2 -
ذكر صلاة حضر في حضر، يتم.
3 -
ذكر صلاة سفر في حضر، يقصر على الصحيح.
4 -
ذكر صلاة حضر في سفر، يتم. انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين،4/ 517 - 519 و5/ 542 - 543.
(3)
المغني لابن قدامة، 3/ 142.
(4)
البخاري، كتاب التقصير، باب: في كم يقصر الصلاة؟ قبل الحديث رقم 1086، قال الحافظ ابن حجر عن أثر بن عمر وابن عباس:((وصله ابن المنذر من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح: أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك)) فتح الباري، 2/ 566، وقال الألباني عن أثر ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما: ((صحيح
…
وصله البيهقي في سننه، 3/ 137: إن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما كانا يصليان ركعتين ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك وإسناده صحيح)). إرواء الغليل، 3/ 17.
يقصر الصلاة؟ يريد بيان المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر، ولا يسوغ له في أقل منها
…
وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام وأورد ما يدل على اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة)) (1). وقول البخاري رحمه الله: ((وسمى النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وليلة سفرًا)). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((والمعنى سمى مدة اليوم والليلة سفرًا، كأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب)) (2)، قلت: وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة)) (3)، وفي لفظ لمسلم:((لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو محرم منها)). وفي لفظ: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم)). وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم))، وفي لفظ:((لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا مع ذي محرم)). وفي لفظ لمسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم)) (4). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا إلا ومعها أبوها، أو ابنها، أو زوجها، أو أخوها، أو ذو محرم منها)) (5).
ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) (6).
(1) فتح الباري، 2/ 566.
(2)
المرجع السابق، 2/ 566.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، بابٌ: في كم يقصر الصلاة، برقم 1088، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، برقم 1339.
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، بابٌ: في كم يقصر الصلاة، برقم 1086، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره برقم 1338.
(5)
مسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، برقم 1341.
(6)
متفق عليه: البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، برقم 5233، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره، برقم 1341.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ((فإن حُمل اليوم المطلق أو الليلة المطلقة على الكامل: أي يوم بليلته، أو ليلة بيومها قل الاختلاف واندرج في الثلاث فيكون أقل المسافة يومًا وليلة)) (1)،وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما من قوله:((لا تقصر إلى عرفة وبطن نخلة، واقصر إلى عسفان (2)، والطائف، وجدة، فإذا قدمت على أهل أو ماشية فأتمَّ)) (3).
والخلاصة أن الجمهور من أهل العلم على أن مسافة السفر التي تقصر فيها الصلاة أربعة بُرُد، والبريد مسيرة نصف يوم، وهو أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، فإذا كانت مسافة سفر الإنسان ستة عشر فرسخًا أو ثمانية وأربعين ميلاً فله أن يقصر عند الجمهور (4)، وهذا هو الأحوط للمسلم، وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول (5): ((الأولى في هذا أن ما يعد سفرًا تلحقه أحكام السفر: من قصر وجمع، وفطر، وثلاثة أيام للمسح على الخفين؛ لأنه يحتاج إلى الزاد والمزاد: أي ما يعد سفرًا وما لا فلا، ولكن إذا عمل المسلم
(1) فتح الباري، 2/ 566.
(2)
عسفان: منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة. معجم البلدان، 4/ 121.
(3)
البيهقي في السنن الكبرى، 3/ 137،وابن أبي شيبة في مصنفه واللفظ له، 2/ 445، قال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 14:((وإسناده صحيح)).
(4)
المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر إذا خرج عن جميع بيوت قريته من الأمور التي اختلف فيه العلماء حتى حكاه ابن المنذر وغيره فيها نحوًا من عشرين قولاً، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن العلماء تنازعوا هل يختص القصر بسفر دون سفر، أو يجوز في كل سفر، واختار أن أظهر الأقوال أنه يجوز في كل سفر قصيرًا كان أو طويلاً، كما قصر أهل مكة خلف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومنى، وبين مكة وعرفة نحو بريد: أربعة فراسخ، ولكن لابد أن يكون ذلك مما يعد سفرًا مثل: أن يتزود له، ويبرز للصحراء، وتنازع العلماء في قصر أهل مكة، فقيل: كان ذلك لأجل النسك، وقيل: كان ذلك لأجل السفر، وكلا القولين قال به بعض أصحاب أحمد، والقول الثاني هو الصواب، وهو أنهم قصروا لأجل سفرهم؛ ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة وكانوا محرمين، والقصر معلق بالسفر وجودًا وعدمًا. انظر مجموع فتاوى ابن تيمية، 24 - 11 - 41. والمغني لابن قدامة، 3/ 105 - 109، وفتح الباري لابن حجر، 2/ 566 - 568.
(5)
سمعته منه أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 457.
بقول الجمهور وهو أنَّ ما يُعدُّ سفرًا هو يومين قاصدين (1)، أما البريد والفراسخ الثلاثة فلا تعد عندهم سفرًا، فلو عمل الإنسان بهذا القول فهذا حسن من باب الاحتياط؛ لئلا يتساهل الناس فيصلوا قصرًا فيما لا ينبغي لهم ذلك؛ لكثرة الجهل، وقلة البصيرة، ولا سيما عند وجود السيارات؛ فإن هذا قد يفضي إلى التساهل حتى يفطر في ضواحي البلد، واليومان هما سبعون كيلو أو ثمانون كيلو تقريبًا)) (2).
وقال شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله تعالى: ((وقال بعض أهل العلم إنه يحدد بالعُرف ولا يحدد بالمسافة المقدرة بالكيلوات، فما يُعدُّ سفرًا في العُرف يسمى سفرًا، وما لا فلا (3)، والصواب ما قرره جمهور أهل
(1) اليومان القاصدان هما أربعة برد، والبريد مسيرة نصف يوم، ومعنى القاصدين: أي لا يسير فيها الإنسان ليلاً ونهارًا سيرًا بحتًا، ولا يكون كثير النزول والإقامة، والبريد قدروه بأربعة فراسخ، فتكون أربعة برد ستة عشر فرسخًا، والفرسخ قدروه بثلاثة أميال، فتكون ثمانية وأربعين ميلاً، والميل المعروف ألف وستمائة متر، فتكون الأربعة برد =76.8 كيلو تقريبًا، وقيل: 80.64 كيلو، وقيل: 72، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: والميل المعروف = كيلو وستين في المائة. انظر: الشرح الممتع،4/ 496، تيسير العلام للبسام،1/ 273،والفتح الرباني للبنا، 5/ 108.
(2)
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما تقدم أنه لا حدّ للسفر بالمسافة بل كل ما يعد سفرًا يتزود له ويبرز للصحراء فهو سفر، ورجحه العلامة ابن عثيمين، بل واختاره ابن قدامة في المغني. انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 109، ومجموع فتاوى ابن تيمية،24/ 11 - 135،ومجموع فتاوى ابن عثيمين،15/ 252 - 451، والاختيارات للسعدي، ص65.
(3)
ذكر ابن تيمية رحمه الله: أن حد السفر الذي علق عليه الشارع الفطر، والقصر اضطرب الناس فيه، فقيل: ثلاثة أيام، وقيل يومين، وقيل أقل من ذلك، حتى قيل: ميل، والذين حددوا ذلك بالمسافة، منهم من قال: ثمانية وأربعون ميلاً، ومنهم من قال: ستة وأربعون، وقيل: خمسة وأربعون، وقيل: أربعون، فالذين قالوا ثلاثة أيام، احتجوا بحديث يمسح المسافر ثلاثة أيام، وحديث لا تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم
…
والذين قالوا: يومين اعتمدوا على قول ابن عمر وابن عباس. مجموع الفتاوى، 24/ 38 - 40. وذكر ابن تيمية أيضًا أن ابن حزم قال:((لم نجد أحدًا يقصر في أقل من ميل)). فتاوى ابن تيمية، 24/ 41.
وعن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين)) مسلم، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 691، وقوله:((ثلاثة أميال أو فراسخ)) شك من الراوي، وقال الظاهرية: مسافة القصر ثلاثة أميال، وأجيب عليهم بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به على الثلاثة الأميال، نعم يحتج به على التحديد بالثلاثة الفراسخ إذ يحتج به على الثلاثة الأميال، نعم يحتج به على التحديد بالثلاثة الفراسخ إذ الأميال داخلة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطًا. انظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 567، وسبل السلام للصنعاني، 3/ 134، وسمعت هذا المعنى من شيخنا ابن باز أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 457. وقال ابن قدامة في المغني، 3/ 108: ((يحتمل أنه أراد إذا سافر سفرًا طويلاً قصر إذا بلغ ثلاثة أميال، كما قال في لفظه الآخر ((إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة أربعًا وبذي الحليفة ركعتين)) وقال الصنعاني في سبل السلام،3/ 133: ((المراد من قوله إذا خرج: إذا كان قصده مسافة هذا القدر لا أن المراد أنه كان إذا أراد سفرًا طويلاً فلا يقصر إلا بعد هذه المسافة)).