الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِذا علم ذَلِك فَالصَّحِيح أَنه يُفِيد ذَلِك نطقا عِنْد القَاضِي، والموفق، وَالْمجد، والرازي، وَأَتْبَاعه، وَغَيرهم.
وَعند الْغَزالِيّ، وَبَعض الْفُقَهَاء إِنَّمَا يفِيدهُ من الْمَفْهُوم.
والصيغة الثَّانِيَة: قَوْلنَا: الْعَالم زيد، وَزيد الْعَالم، إِذا جعلت اللَّام للْحَقِيقَة، أَو للاستغراق لَا للْعهد.
وَالْحكم فيهمَا كالصيغ الَّتِي قبلهَا، وَكَذَلِكَ قَوْله: تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم؛ لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى ضمير عَائِد إِلَى الصَّلَاة، وفيهَا اللَّام.
وَبِه احْتج أَصْحَابنَا، وَأَصْحَاب الشَّافِعِي على تعْيين لَفْظِي التَّكْبِير، وَالتَّسْلِيم بقوله صلى الله عليه وسلم َ -: "
تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم ".
وَمنعه الْحَنَفِيَّة لمنعهم المفاهيم.
ورد: بِأَن التَّعْيِين مُسْتَفَاد من الْحصْر الْمَدْلُول عَلَيْهِ بالمبتدأ وَالْخَبَر، فَإِن التَّحْرِيم منحصر فِي التَّكْبِير: كانحصار زيد فِي صداقتك إِذا قلت: صديقي زيد
.
وَأما إِذا كَانَ الْخَبَر نكرَة، نَحْو: زيد قَائِم، فَالْأَصَحّ أَنَّهَا لَا تفِيد الْحصْر، كَمَا فِي الحَدِيث:" الصّيام جنَّة "، فَإِنَّهُ لَا يمْنَع أَن غَيره أَيْضا جنَّة، وَلِهَذَا جَاءَ:" فليتق النَّار وَلَو بشق تَمْرَة ".
وَقيل: يفِيدهُ.
فَقيل: نطقا.
وَقيل: فهما، كَمَا فِي الَّتِي قبلهَا.
فَحصل الْحصْر بِالنَّفْيِ وَنَحْوه، وبالاستثناء التَّام، والمفرغ، وَسَوَاء كَانَ النَّفْي ب (مَا) أَو (لَا) أَو (لَيْسَ) أَو (لم) أَو (إِن) أَو (أما) ، وَهُوَ فِي معنى النَّفْي، كَقَوْلِه تَعَالَى:{فَهَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ} [الْأَحْقَاف: 35]، و {يَأْبَى الله إِلَّا أَن يتم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ} [التَّوْبَة: 32] ، وَلذَا قُلْنَا فِي الْمَتْن بِنَفْي وَنَحْوه، وَسَوَاء كَانَت أَدَاة الِاسْتِثْنَاء (إِلَّا) أَو غَيرهَا نَحْو: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَمَا لي سوى الله،
(رضيت بك اللَّهُمَّ رَبًّا فَلَنْ أرى
…
أدين إِلَهًا غَيْرك الله وَاحِدًا)
وَمَا قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا، وَمَا رَأَيْت إِلَّا زيدا، وَنَحْوه، وَهُوَ وَاضح.
وَقد اعْترف أَكثر منكري الْمَفْهُوم كالباقلاني، وَالْغَزالِيّ بِاعْتِبَار الْمَفْهُوم هُنَا، وأصر الْحَنَفِيَّة على نفيهم.
وَالصَّحِيح أَن الدّلَالَة هُنَا بالمنطوق بِدَلِيل مَا لَو قَالَ: مَاله عَليّ إِلَّا دِينَار كَانَ ذَلِك إِقْرَارا بالدينار، وَلَو كَانَ بِالْمَفْهُومِ لم يُؤَاخذ بِهِ لعدم اعْتِبَار الْمَفْهُوم فِي الأقارير، وَبِذَلِك صرح ابْن الْقطَّان فِي نَحْو:" لَا نِكَاح إِلَّا بولِي "، و " لَا صِيَام لمن لم يبيت الصّيام من اللَّيْل " فَقَالَ: إِن النَّفْي وَالْإِثْبَات كِلَاهُمَا بالمنطوق، وَلَيْسَ أَحدهمَا بِالْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّك لَو قلت: لَا تعط زيدا شَيْئا إِلَّا إِن دخل الدَّار، كَانَ الْعَطاء وَالْمَنْع مَنْصُوصا عَلَيْهِمَا.
وَمن جزم بِأَنَّهُ مَنْطُوق أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي " الملخص ".
وَرجحه الْقَرَافِيّ فِي " الْقَوَاعِد ".
وَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْمَفْهُوم تبعا للمشهور فِي كتب الْأُصُول.
وَمن الْحصْر أَيْضا: الْحصْر بضمير الْفَصْل، نَحْو: زيد هُوَ الْعَالم، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:{إِن شانئك هُوَ الأبتر} [الْكَوْثَر: 3]، {فَالله هُوَ الْوَلِيّ} [الشورى: 9] ذكره البيانيون.
قَالَ ابْن الْحَاجِب: صَار إِلَيْهِ بعض الْعلمَاء لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: قَوْله تَعَالَى: {وَإِن جندنا لَهُم الغالبون} [الصافات: 173] فَإِنَّهُ لم يسق إِلَّا للإعلام بِأَنَّهُم الغالبون دون غَيرهم، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى:{وَأَن المسرفين هم أَصْحَاب النَّار} [غَافِر: 43]، و {إِن الله هُوَ الغفور الرَّحِيم} [الشورى: 5] .
وَالثَّانِي: أَنه لم يوضع للإفادة، وَلَا فَائِدَة فِي مثل قَوْله تَعَالَى:{وَلَكِن كَانُوا هم الظَّالِمين} [الزخرف: 76] سوى الْحصْر.
ويفيد الِاخْتِصَاص الْحصْر أَيْضا وَهُوَ تَقْدِيم الْمَعْمُول.
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} [الْفَاتِحَة: 5]