الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {بَاب} )
{الْمُجْمل لُغَة الْمَجْمُوع} ، أَو الْمُبْهم، {أَو المحصل} .
قَالَ ابْن مُفْلِح: الْمُجْمل لُغَة الْمَجْمُوع من أجملت الْحساب.
وَقيل: أَو الْمُبْهم.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: هُوَ لُغَة من الْجمل، وَمِنْه قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -
عَن الْيَهُود: " جملوها "، أَي: خلطوها، وَمِنْه الْعلم الإجمالي لاختلاط الْمَعْلُوم بِالْمَجْهُولِ، وَهنا سمي مُجملا؛ لاختلاط المُرَاد بِغَيْرِهِ، أَو أجملت الْحساب جمعته، وأجملت حصلت
.
وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: الْمُجْمل أَصله من الْجمل وَهُوَ الْجمع، وَمن مَعَانِيه اللُّغَوِيَّة أَيْضا الْإِبْهَام، من أجمل الْأَمر، أَي: أبهمه، وَمِنْه التَّحْصِيل، من أجمل الشَّيْء حصله.
قَوْله: {وَاصْطِلَاحا: مَا تردد بَين محتملين فَأكْثر على السوَاء} .
قَالَه الطوفي فِي " مُخْتَصره "، لَكِن قَالَ: اللَّفْظ المتردد إِلَى آخِره فَيرد عَلَيْهِ الْأَفْعَال، نَحْو الْقيام من الرَّكْعَة الثَّانِيَة قبل التَّشَهُّد؛ لتردده بَين الْجَوَاز والسهو فَلذَلِك حذفتها ليدْخل الْإِجْمَال الْفعْلِيّ فَإِن الْمُجْمل يتَنَاوَل القَوْل وَالْفِعْل والمشترك والمواطئ.
وَاحْترز بقوله: (بَين محتملين) عَمَّا لَهُ محمل وَاحِد كالنص.
وَقَوله: على السوَاء، احْتِرَاز عَن الظَّاهِر، وَعَن الْحَقِيقَة الَّتِي لَهَا مجَاز.
{وَقيل: مَا لم تتضح دلَالَته} ، قَالَه ابْن الْحَاجِب، وَابْن مُفْلِح، والتاج السُّبْكِيّ فِي " جمع الْجَوَامِع ".
أَي: مَا لَهُ دلَالَة غير وَاضِحَة لِئَلَّا يرد عَلَيْهِ المهمل؛ لِأَنَّهُ يصدق عَلَيْهِ أَنه لم تتضح دلَالَته؛ إِذْ لَا دلَالَة فِيهِ، وَلَا اتضاح.
وَهُوَ يتَنَاوَل القَوْل وَالْفِعْل والمشترك والمتواطئ.
وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب، وَضعف تَفْسِيره بِاللَّفْظِ الَّذِي لَا يفهم مِنْهُ عِنْد الْإِطْلَاق شَيْء؛ لِأَنَّهُ يدْخل فِيهِ المهمل، والمستحيل، أَي: لِأَنَّهُ لَا يفهم من المهمل شَيْء، وَأما المستحيل فَلَيْسَ بِشَيْء.
وانتقد عَلَيْهِ بِأَن قَوْله: (عِنْد الْإِطْلَاق) يَقْتَضِي أَنه يفهم شَيْء عِنْد التَّقْيِيد فَلَا يدْخل المهمل، وَلَا المستحيل؛ لِأَنَّهُمَا لَا يفهم مِنْهُمَا شَيْء لَا عِنْد الْإِطْلَاق وَلَا عِنْد التَّقْيِيد.
قَالَ ابْن الْحَاجِب: وَلَا ينعكس، أَي: التَّعْرِيف لجَوَاز فهم أحد المحامل مِنْهُ على الْجُمْلَة، وَهُوَ أحد هذَيْن فيفهم انْتِفَاء غَيرهمَا.
وَلِأَن ذَلِك قد يكون فِي الْفِعْل كَمَا تقدم.
{و} قَالَ أَبُو الْخطاب {فِي " التَّمْهِيد ": مَا أَفَادَ جملَة من الْأَشْيَاء} .
قد يعْتَرض عَلَيْهِ بِأَن الْأَشْيَاء قد يكون بَعْضهَا أظهر من بعض وَهِي جملَة.
{و} قَالَ القَاضِي {فِي " الْعدة ": مَا لَا يفهم مَعْنَاهُ من لَفظه} .
قد يرد عَلَيْهِ المهمل، وَقد يُجَاب بِأَن المهمل مَا [لَيْسَ] لَهُ معنى.
{و} قَالَ الْمُوفق {فِي " الرَّوْضَة ": مَا لَا يفهم مِنْهُ عِنْد الْإِطْلَاق معنى} .
وَمرَاده معنى معينا، وَإِلَّا بَطل بالمشترك فَإِنَّهُ يفهم معنى غير معِين، والمشترك من جملَة الْمُجْمل.
{وَقَالَ} أَبُو مُحَمَّد {الْجَوْزِيّ} فِي " الْإِيضَاح ": {مَا لَا يفهم مِنْهُ مُرَاد الْمُتَكَلّم} ، فَهُوَ حسن ومعانيها مُتَقَارِبَة.
قَوْله: {وَحكمه التَّوَقُّف على الْبَيَان} الْخَارِجِي، فَلَا يجوز الْعَمَل بِأحد محتملاته إِلَّا بِدَلِيل خَارج من لَفظه لعدم دلَالَة لَفظه على المُرَاد وَامْتِنَاع التَّكْلِيف بِمَا لَا دَلِيل عَلَيْهِ.
قَوْله: {وَيكون فِي الْكتاب وَالسّنة فِي الْأَصَح} ، الْمُخَالف فِي ذَلِك دَاوُد الظَّاهِرِيّ. قَالَ بَعضهم: لَا نعلم أحدا قَالَ بِهِ غَيره، فالحجة عَلَيْهِ من الْكتاب وَالسّنة لَا يُحْصى وَلَا يعد، وإنكاره مُكَابَرَة.
قَالَ دَاوُد: الْإِجْمَال بِدُونِ الْبَيَان لَا يُفِيد، وَمَعَهُ تَطْوِيل، وَلَا يَقع فِي كَلَام البلغاء فضلا عَن الله، وَسيد الْأَنْبِيَاء.
وَالْجَوَاب: أَن الْكَلَام إِذا ورد مُجملا، ثمَّ بَين وَفصل أوقع عِنْد النَّفس من ذكره مُبينًا ابْتِدَاء.
وَأجَاب فِي " الْمَحْصُول " عَن هَذَا السؤل بِأَن الله يفعل مَا يَشَاء، وَلَا يخفى أَنه لَيْسَ بِجَوَاب؛ لِأَن قَوْله: مَعَ الْبَيَان تَطْوِيل بِلَا فَائِدَة يكون مُسلما عِنْد الْمُجيب، وَلَا يرضى بِهِ عَاقل فضلا عَن مُحَقّق فَاضل، قَالَه الكوراني.
قَوْله: {وَفِي مُفْرد} يكون الْمُجْمل تَارَة فِي الْمُفْرد، وَتارَة فِي الْمركب، فالمفرد كالقرء المتردد بَين الطُّهْر وَالْحيض، وَالْعين المترددة بَين الباصرة وَالْجَارِيَة والنقد والربئية وَعين الْمِيزَان وَغَيرهَا، حَتَّى عد ذَلِك إِلَى قريب
الثَّلَاثِينَ، أَو أَزِيد، وَالْمُخْتَار، وَنَحْوهَا؛ إِذْ أَصله مختير، فَإِن فتحت الْيَاء كَانَ اسْم مفعول، وَإِن كسرتها كَانَ اسْم فَاعل.
وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ الْيَاء حرف عِلّة متحرك وَمَا قبله مَفْتُوح فيقلب ألفا فَلَمَّا قلب ألفا حصل الْإِجْمَال؛ لاحْتِمَال أَن يكون اسْم فَاعل، وَذَلِكَ حكم مُخْتَار وَنَحْوه فقسه على ذَلِك.
قَالَ العسكري: ويتميز بِحرف الْجَرّ تَقول: هَذَا مُخْتَار لكذا فِي الْفَاعِل ومختار من كَذَا فِي الْمَفْعُول، وَالْفرق بَين هَذَا وَبَين الْقُرْء أَن الْإِجْمَال طَرَأَ على هَذَا بِاعْتِبَار الإعلال وَالْعَمَل التصريفي، والقرء مُجمل من حَيْثُ وَضعه مَعَ أَن كلا مِنْهُمَا إجماله من حَيْثُ هُوَ مُفْرد.
وَحَاصِله: أَن الْمُجْمل أَعم من الْمُشْتَرك؛ لِأَن الْمُجْمل يَشْمَل مَا احْتمل مَعْنيين سَوَاء وَاللَّفْظ فيهمَا حَقِيقَة أَو مجَازًا، أَو أَحدهمَا حَقِيقَة وَالْآخر مجَاز مسَاوٍ للْحَقِيقَة، فَلذَلِك يدْخل فِيهِ مَا كَانَ صَالحا لمتماثلين بِوَجْه من الْوُجُوه كالنور لِلْعَقْلِ، وللشمس والجسم للسماء وَالْأَرْض، وَالرجل لزيد وَعَمْرو، قَالَه الْغَزالِيّ، وَفِيه نظر.
وَأما الْمركب فكثير، فَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{أَو يعفوا الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} [الْبَقَرَة: 237] هَل هُوَ الزَّوْج أَو الْوَلِيّ؟ فَيحْتَمل أَن يكون الْوَلِيّ؛
لِأَنَّهُ الَّذِي يعْقد نِكَاح الْمَرْأَة؛ لِأَنَّهَا لَا تزوج نَفسهَا، وَيحْتَمل أَن يكون الزَّوْج؛ لِأَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ دوَام العقد والعصمة، فَوَقع الِاخْتِلَاف فِي بَيَانه، فَالَّذِي قَالَه الإِمَام أَحْمد، وَأَبُو حنيفَة، وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد إِنَّه الزَّوْج.
وَقَالَهُ كثير من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه الْأَب، وَهُوَ قَول مَالك، وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم، وَقَالَهُ جمع من التَّابِعين، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين، لَكِن قَالَ أَبُو حَفْص: رَجَعَ الإِمَام أَحْمد عَن هَذِه الرِّوَايَة.