الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: فصل)
إِذا كَانَ الْمُجْمل مَعْلُوما، فَهَل يجوز أَن يكون الْبَيَان أَضْعَف دلَالَة مِنْهُ، أَو لَا بُد من التَّسَاوِي، أَو لَا بُد أَن الْبَيَان أقوى؟ على ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهَا: أَنه يجوز أَن يكون الْبَيَان أَضْعَف دلَالَة من الْمُبين، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَعَلِيهِ أَصْحَابنَا، وَالْأَكْثَر.
قَالَ أَبُو الْخطاب: قَالَه الْأَكْثَر، وَنَقله الباقلاني عَن الْجُمْهُور أَيْضا، وَاخْتَارَهُ هُوَ، والرازي، وَأَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ.
قَالَ ابْن مُفْلِح: لنا تَبْيِين السّنة لمجمل الْقُرْآن. انْتهى.
قلت: وَقد تقدم مِثَال ذَلِك، وَهُوَ كثير جدا، تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي - اخْتَارَهُ الْكَرْخِي -: أَنه لَا بُد من الْمُسَاوَاة فَلَا يبين الأضعف عِنْده.
قَالَ الْهِنْدِيّ: وَلَا يتَوَهَّم فِي حق أحد أَنه ذهب إِلَى اشْتِرَاط أَنه كالمبين فِي قُوَّة الدّلَالَة، فَإِنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لما كَانَ بَيَانا لَهُ، بل كَانَ هُوَ مُحْتَاج إِلَى بَيَان آخر، نَقله الْبرمَاوِيّ عَنهُ.
وَالْقَوْل الثَّالِث: لَا بُد وَأَن يكون الْبَيَان أقوى دلَالَة من الْمُبين، اخْتَارَهُ الْآمِدِيّ، وَابْن حمدَان فِي " مقنعه "، وَابْن الْحَاجِب، وَهُوَ الَّذِي قواه شراحه.
قَالَ الكوراني فِي " شرح جمع الْجَوَامِع ": الْحق أَن الْبَيَان يجوز أَن يكون مظنونا، والمبين مَعْلُوما.
لنا: أَن الْبَيَان كالتخصيص فَكَمَا يجوز تَخْصِيص الْقطعِي بالظني كَخَبَر الْوَاحِد وَالْقِيَاس، فَكَذَلِك يجوز بَيَان الْمَعْلُوم، أَي مَا كَانَ مَتنه قَطْعِيا بالمظنون؛ لِأَن الْبَيَان يتَوَقَّف على وضوح الدّلَالَة [لَا] على قَطْعِيَّة الْمَتْن.
هَذَا ظَاهر كَلَامه فِي " الْمَحْصُول ".
وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام: أَن الْمُبين إِن كَانَ عَاما، أَو مُطلقًا اشْترط أَن يكون بَيَانه أقوى؛ لِأَنَّهُ يرفع الْعُمُوم الظَّاهِر، وَالْإِطْلَاق، وَشرط الرافع أَن يكون أقوى.
وَأما الْمُجْمل فَلَا يشْتَرط أَن يكون بَيَانه أقوى، بل يحصل بِأَدْنَى دلَالَة؛ لِأَن الْمُجْمل لما كَانَ مُحْتملا لمعنيين على السوَاء، فَإِذا انْضَمَّ إِلَى أحد الِاحْتِمَالَيْنِ أدنى مُرَجّح كَفاهُ. انْتهى.
وَنصر الْعَضُد اخْتِيَار ابْن الْحَاجِب، ثمَّ قَالَ: هَذَا كُله فِي الظَّاهِر، وَأما الْمُجْمل فَيَكْفِي فِي بَيَانه أدنى دلَالَة، وَلَو مرجوحا؛ إِذْ لَا تعَارض. انْتهى.
قَالَ ابْن مُفْلِح: وَسبق تَخْصِيص الْعَام، وَتَقْيِيد الْمُطلق، وَيعْتَبر كَون الْمُخَصّص، والمقيد أقوى عِنْد الْقَائِل بِهِ، وَإِلَّا لزمَه تَقْدِيم الأضعف أَو التحكم، وَاخْتَارَ الْآمِدِيّ وَغَيره هَذَا التَّفْصِيل وَأَحْسبهُ اتِّفَاقًا. انْتهى.
قَوْله: {وَلَا تعْتَبر مُسَاوَاة الْبَيَان للمبين فِي الحكم، قَالَه فِي " التَّمْهِيد " وَغَيره خلافًا لقوم} .
قَالَ ابْن مُفْلِح: لَا تعْتَبر مُسَاوَاة الْبَيَان للمبين فِي الحكم، قَالَه فِي " التَّمْهِيد " وَغَيره لتَضَمّنه صفته وَالزَّائِد بِدَلِيل خلافًا لقوم.
فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة غير الْمَسْأَلَة الَّتِي قبلهَا؛ لِأَن الأولى فِي ضعف الدّلَالَة وقوتها، وَهَذِه فِي مُسَاوَاة الْبَيَان للمبين فِي الحكم وَعَدَمه.
قَالَ الطوفي فِي " شَرحه ": " لما ذكر الْمَسْأَلَة الَّتِي قبل هَذِه وَذكر الْخلاف الَّذِي فِيهَا، وَاعْلَم أَن هَذِه لَيست مَسْأَلَة الْمُخْتَصر؛ لِأَن الْكَلَام فِي تَبْيِين الْأَقْوَى بالأضعف من جِهَة الدّلَالَة، وَمَسْأَلَة الْمُخْتَصر - أَي: مُخْتَصره - و " الرَّوْضَة " ممثلة بتبيين الْقُرْآن بِخَبَر الْوَاحِد، وَذَلِكَ أَضْعَف فِي الرُّتْبَة لَا فِي الدّلَالَة، وَلَا يلْزم من ضعف الرُّتْبَة ضعف الدّلَالَة لجَوَاز أَن يكون
الأضعف رُتْبَة أقوى دلَالَة، كتخصيص عُمُوم الْقُرْآن بِخَبَر الْوَاحِد؛ لِأَنَّهُ أخص فَيكون أدل.
فحاصل هَذَا أَن الضعْف إِن كَانَ فِي الدّلَالَة لم يجز تَبْيِين الْقوي بالضعيف لما سبق، وَإِن كَانَ فِي الرُّتْبَة جَازَ إِذا كَانَ أقوى دلَالَة. انْتهى.
وَهَذَا الْبَحْث الَّذِي ذكره إِنَّمَا هُوَ فِي قُوَّة الرُّتْبَة وضعفها، وَالْأولَى، فِي قُوَّة الدّلَالَة وضعفها، وَقُوَّة الرُّتْبَة وضعفها قد يكون ضعفها مَوْجُودا لَكِن دلالتها قَوِيَّة، هَذَا مُرَاده قد بَينه، لَكِن مَسْأَلَة صَاحب " التَّمْهِيد " إِنَّمَا هِيَ فِي الحكم فَليعلم ذَلِك.
قَوْله: {لَا يُؤَخر الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة إِلَّا على تَكْلِيف الْمحَال} ، فَمن أجَاز تَكْلِيف الْمحَال أجَاز تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة، وَمن مَنعه مَنعه.
وَصورته: أَن يَقُول: صلوا غَدا، ثمَّ لَا يبين لَهُم فِي غَد كَيفَ يصلونَ، أَو آتوا الزَّكَاة عِنْد رَأس الْحول، ثمَّ لَا يبين لَهُم عِنْد رَأس الْحول كم يؤدون، وَلَا لمن يؤدون، وَنَحْو ذَلِك.
لِأَنَّهُ تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق، والتفريع على امْتِنَاعه، هَذَا هُوَ الرَّاجِح عِنْد الْعلمَاء خلافًا للمعتزلة؛ لِأَن الْعلَّة فِي عدم وُقُوع التَّأْخِير عَن وَقت الْعَمَل أَن الْإِتْيَان بالشَّيْء مَعَ عدم الْعلم بِهِ مُمْتَنع، فالتكليف بذلك تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إِن منعنَا التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق فَلَا يجوز تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة، وَإِلَّا جَازَ، وَلَكِن لم يَقع. انْتهى.
{قَالَ الشَّيْخ} تَقِيّ الدّين: {ولمصلحة هُوَ الْبَيَان الْوَاجِب، أَو الْمُسْتَحبّ كتأخيره} للأعرابي {الْمُسِيء فِي صلَاته إِلَى ثَالِث مرّة} ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يجب لخوف فَوَات الْوَاجِب الْمُؤَقت فِي وقته.
تَنْبِيه: ترددوا فِي المُرَاد بِوَقْت الْحَاجة، هَل هُوَ وَقت الْفِعْل أَو وَقت تضييقه بِحَيْثُ لَا يُمكن معاودته للْفِعْل كالظهر مثلا، هَل يجب بَيَانهَا بِمُجَرَّد دُخُول الْوَقْت، أَو لَا يجب إِلَّا إِذا ضَاقَ وَقتهَا.
صرح أَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ فِي " الْمُعْتَمد "، وَغَيره بِالثَّانِي، والباقلاني بِالْأولِ وَاسْتشْكل تَعْلِيلهم الْمَنْع فِي أصل الْمَسْأَلَة بِأَنَّهُ من التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق.
وَيُمكن جَوَابه بِأَنَّهُ لما دخل الْوَقْت تعلق الطّلب بِهِ، فَكيف يطْلب مِنْهُ مَا لَا علم لَهُ بِهِ.
قَوْله: {وَيجوز تَأْخِيره عِنْد أَحْمد، وَالشَّافِعِيّ، والأشعري، وَأكْثر أَصْحَابهم، وَبَعض الْحَنَفِيَّة، والمالكية} ، فَمن أَصْحَابنَا ابْن حَامِد، وَالْقَاضِي، وَأَبُو الْخطاب، وَابْن عقيل، والحلواني، ِ
والموفق، وَابْن حمدَان، والطوفي، وَغَيرهم.
وَحَكَاهُ ابْن عقيل عَن جُمْهُور الْفُقَهَاء، وَذكره الْمجد عَن أَكثر أَصْحَابنَا فَهُوَ جَائِز، وواقع مُطلقًا، سَوَاء كَانَ الْمُبين ظَاهرا يعْمل بِهِ كتأخير بَيَان التَّخْصِيص، وَبَيَان التَّقْيِيد، وَبَيَان النّسخ أَو لَا؟ كبيان الْمُجْمل.
{وَعنهُ لَا} يجوز تَأْخِيره. {اخْتَارَهُ أَبُو بكر} عبد الْعَزِيز غُلَام الْخلال، {والتميمي} من أَصْحَابنَا، وَدَاوُد وَأَصْحَابه، وَأكْثر الْمُعْتَزلَة، نَقله ابْن مُفْلِح.
وَنقل عَن أبي إِسْحَاق، وَأبي
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
حَامِد المروزيين، والصيرفي، والدقاق، وَهُوَ قَول كثير من الْحَنَفِيَّة، فَلَا يَقع مُجملا إِلَّا وَالْبَيَان مَعَه، وَكَذَا غير الْمُجْمل.
وَنقل الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق أَن الْأَشْعَرِيّ نزل بالصيرفي ضيفا فناظره فَلم يزل بِهِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي، {وَأَجَازَهُ} ، أَي: التَّأْخِير {أَكثر الْحَنَفِيَّة فِي الْمُجْمل} ، فَيجوز تَأْخِير بَيَان الْمُجْمل دون غَيره، وَنقل عَن الصَّيْرَفِي.
قَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ: هُوَ عِنْدِي مَذْهَب أَصْحَابنَا؛ لأَنهم
يجْعَلُونَ الزِّيَادَة على النَّص نسخا إِذا تراخت عَنهُ فَلَا يجيزونها إِلَّا بِمثل مَا يجوز بِهِ النّسخ، وَلَو جَازَ عِنْدهم تَأْخِير الْبَيَان فِي مثله لما كَانَت الزِّيَادَة نسخا، بل بَيَانا. انْتهى.
{و} أجَازه {أَبُو زيد} الدبوسي {إِن لم يكن تبديلا وَلَا تغييرا} ، حَكَاهُ ابْن السَّمْعَانِيّ عَنهُ، فَقَالَ: قَالَ أَبُو زيد: إِن بَيَان الْمُجْمل إِن لم يكن تبديلا، وَلَا تغييرا جَازَ مُقَارنًا وطارئا، وَإِلَّا فَيجوز مُقَارنًا لَا طارئا، ثمَّ ذكر أَن الِاسْتِثْنَاء من بَيَان التَّغْيِير.
{و} أجَازه {قوم فِي الْخَبَر} ، لَا الْأَمر وَالنَّهْي، حَكَاهُ أَبُو إِسْحَاق.
{و} أجَازه {بعض الْمُعْتَزلَة} فِي الْأَمر وَالنَّهْي، لَا الْخَبَر كالوعد والوعيد عكس الَّذِي قبله، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَن الْكَرْخِي، وَبَعض الْمُعْتَزلَة.
وَمنع السَّمْعَانِيّ ذَلِك عَن الْكَرْخِي.
{و} أجَازه {الجبائي وَابْنه، وَعبد الْجَبَّار فِي النّسخ} دون غَيره، حَكَاهُ أَبُو الْحُسَيْن عَنْهُم فِي " الْمُعْتَمد "، وَظَاهره أَن النّسخ دَاخل فِي مَحل الْخلاف، لَكِن قَالَ بَعضهم: إِنَّه يجوز تَأْخِير النّسخ اتِّفَاقًا، وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام الباقلاني،
وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَصرح بِهِ ابْن برهَان، وَالْغَزالِيّ، وَغَيرهمَا.
{و} أجَازه {أَبُو الْحُسَيْن فِيمَا لَيْسَ لَهُ ظَاهر كالمشترك} دون مَاله ظَاهر كالعام وَالْمُطلق والمنسوخ فَإِنَّهُ يجوز تَأْخِير بَيَانه التفصيلي دون الإجمالي، فَإِن الإجمالي يشْتَرط وجوده عِنْد الْخطاب؛ حَتَّى يكون مَانِعا من الْوُقُوع فِي الْخَطَأ فَيُقَال: هَذَا الْعَام مُرَاد بِهِ خَاص، وَهَذَا الْمُطلق مُرَاد بِهِ مُقَيّد، وَهَذِه النكرَة مُرَاد بهَا معِين، أَو هَذَا الحكم سينسخ.
أما الْبَيَان التفصيلي فَلَيْسَ ذكره مَعَ الْخطاب شرطا، نقل هَذَا الْمَذْهَب الرَّازِيّ، وَأَتْبَاعه عَن أبي الْحُسَيْن.
{و} أجَاز {بَعضهم فِي الْعُمُوم} ، يَعْنِي: جوز بعض الْعلمَاء تَأْخِير بَيَان الْعُمُوم دون غَيره، فَإِنَّهُ قبل الْبَيَان مَفْهُوم بِخِلَاف الْمُجْمل؛ لِأَنَّهُ قبل الْبَيَان غير مَفْهُوم، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَجها للشَّافِعِيَّة، وَحَكَاهُ ابْن برهَان عَن عبد الْجَبَّار.