الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {وَهُوَ قَطْعِيّ كرهن مصحف عِنْد ذمِّي، وظني كشفعة ذمِّي، وَنفي الْفَخر الْقطعِي} .
مِثَال الْقطعِي: مَا احْتج بِهِ الإِمَام أَحْمد فِي رهن الْمُصحف عِنْد الذِّمِّيّ بنهيه صلى الله عليه وسلم َ -
عَن السّفر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو مَخَافَة أَن تناله أَيْديهم فَهَذَا قَاطع، وَكَذَلِكَ الْأَمْثِلَة الْمُتَقَدّمَة فَإِنَّهَا قَطْعِيَّة.
والقطعي كَون التَّعْلِيل بِالْمَعْنَى، وَكَونه أَشد مُنَاسبَة للفرع قطعيين.
وَمِثَال الظني: مَا احْتج بِهِ الإِمَام أَحْمد فِي أَنه لَا شُفْعَة لذِمِّيّ على مُسلم، بقوله
صلى الله عليه وسلم َ -: فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": " وَإِذا لقيتموهم فِي طَرِيق فاضطروهم إِلَى أضيقه " فَهَذَا مظنون.
وَكَذَا شَهَادَة الْكَافِر، وَإِيجَاب الْكَفَّارَة فِي قتل الْعمد، وَيَمِين الْغمُوس على مَا يَأْتِي بعد هَذَا.
وَزعم أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ الْفَخر إِسْمَاعِيل من أَصْحَابنَا فِي جدله أَنه لَيْسَ فِيهِ قَطْعِيّ؛ لاحْتِمَال أَن يكون المُرَاد فِي مَفْهُوم الْمُوَافقَة غير مَا عللوه بِهِ.
وَالْأَكْثَر على خِلَافه.
قَوْله: {وَإِذا ردَّتْ شَهَادَة فَاسق فكافر أولى، فظني وَقيل: فَاسد} .
تقدم حد الْقطعِي، وَأما الظني فَهُوَ مَا إِذا كَانَ التَّعْلِيل فيهمَا ظنيا، وَكَونه أَشد مُنَاسبَة للفرع ظنيا، فَإِن كَانَا قطعيين فقطعي وَإِن كَانَ أَحدهمَا ظنيا فظني.
مِثَال الظني قَوْلهم: إِذا ردَّتْ شَهَادَة الْفَاسِق فالكافر أولى برد شَهَادَته؛ إِذْ الْكفْر فسق وَزِيَادَة، فَهُوَ ظَنِّي على الصَّحِيح، اخْتَارَهُ الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة "، والطوفي فِي " مُخْتَصره "، و " شَرحه "، وَابْن الْحَاجِب
وَغَيرهم؛ لِأَنَّهُ وَاقع فِي مَحل الِاجْتِهَاد، إِذْ يجوز أَن يكون الْكَافِر عدلا فِي دينه فيتحرى الصدْق، وَالْأَمَانَة، وَلِهَذَا قُلْنَا: إِن الْكَافِر الْعدْل فِي دينه يَلِي مَال وَلَده على الصَّحِيح من الْوَجْهَيْنِ، بِخِلَاف الْمُسلم الْفَاسِق، فَإِن مُسْتَند قبُول شَهَادَته الْعَدَالَة، وَهِي مفقودة، فَهُوَ فِي مَظَنَّة الْكَذِب؛ إِذْ لَا وازع لَهُ عَنهُ، فَهَذَا ظَنِّي غير قَاطع.
وَقيل: فَاسد، ذكره ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله "؛ لِأَن التَّعْلِيل بِكَوْن الْكَافِر أولى بِالرَّدِّ مَرْدُود لما تقدم.
قَوْله: {وَكَذَا إِيجَاب كَفَّارَة فِي قتل عمد، وَيَمِين غموس} ، يَعْنِي: أَن ذَلِك ظَنِّي، واختصاص قتل الْعمد بِسُقُوط الْكَفَّارَة دون الْخَطَأ إِنَّمَا كَانَ ذَلِك لمسقط مُنَاسِب وَهُوَ عظم الذَّنب، فَهُوَ أعظم من أَن يكفر، كاليمين الْغمُوس، وَهِي الْيَمين الكاذبة؛ لِأَنَّهَا أعظم من أَن تكفر، وَلذَلِك سميت غموسا؛ لِأَنَّهَا تغمس صَاحبهَا فِي النَّار، بِخِلَاف بَقِيَّة الْأَيْمَان، فَإِن الْحَالِف لم يتَعَمَّد الْكَذِب فِيهَا حَتَّى يحصل لَهُ ذَلِك، فَهَذَا أَيْضا ظَنِّي غير قَاطع.
وَقيل: فَاسد، ذكره ابْن مُفْلِح، وَعند الإِمَام الشَّافِعِي تجب الْكَفَّارَة فِي قتل الْعمد، وَالْيَمِين الْغمُوس، وَقَالَهُ أَصْحَابه.
وَقَالُوا: إِن الْكَفَّارَة شرعت للرجز لَا للجبر، وزجر الْمُتَعَمد أَحَق من الْمُخطئ.
قَوْله: {وَإِذا جَازَ السّلم مُؤَجّلا فحال أولى لبعده من الْغرَر وَهُوَ الْمَانِع فَاسد} .
مَفْهُوم الْمُوَافقَة إِمَّا قَاطع كآية التأفيف، وَنَحْوهَا، أَو ظَنِّي، ثمَّ الظني إِمَّا صَحِيح وَاقع فِي مَحل الِاجْتِهَاد كرد الشَّهَادَة، وَوُجُوب الْكَفَّارَة كَمَا ذكر، أَو فَاسد، كَقَوْلِه: إِذا جَازَ السّلم مُؤَجّلا فَهُوَ حَال أجوز لبعده من الْغرَر؛ إِذْ الْمُؤَجل على غرر، هَل يحصل أَو لَا يحصل؟ وَالْحَال مُتَحَقق الْحُصُول فِي الْحَال فَهُوَ أولى بِالصِّحَّةِ، لَكِن هَذَا مَرْدُود بِأَن الْغرَر فِي الْعُقُود مَانع من الصِّحَّة لَا مُقْتَض لَهَا.
وَالْحكم إِنَّمَا يثبت لوُجُود مقتضيه ومصححه، لَا لانْتِفَاء مانعه؛ إِذْ قد سبق أَن الْمَانِع يلْزم من وجوده الْعَدَم، وَلَا يلْزم من عَدمه وجود وَلَا عدم، والمقتضى لصِحَّة السّلم هُوَ الارتفاق بالأجل على مَا قرر فِي كتب الْفُرُوع: كالأجل فِي الْكِتَابَة، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْحَال، وَالْغرر مَانع لَهُ، لكنه احْتمل فِي الْمُؤَجل رخصَة وتحقيقا للمقتضي وَهُوَ الارتفاق. وَالله أعلم.
وَعند الشَّافِعِي وَأَصْحَابه يَصح؛ لِأَن بيع مَا فِي الذِّمَّة لَهُ فَوَائِد، جوز السّلم لأَجلهَا، وَتلك مَوْجُودَة فِي الْحَال، كَمَا فِي الْمُؤَجل مَعَ كَونه أقل خطرا وغررا.
قَوْله: {وَإِن خَالف فمفهوم مُخَالفَة وَيُسمى دَلِيل الْخطاب} .
قد تقدم أَن الْمَفْهُوم نَوْعَانِ: مَفْهُوم مُوَافقَة تقدّمت أَحْكَامه، وَمَفْهُوم مُخَالفَة، وَهُوَ أَن الْمَسْكُوت مُخَالف فِي الحكم، وَيُسمى هَذَا النَّوْع دَلِيل الْخطاب، وَإِنَّمَا سمى بذلك؛ لِأَن دلَالَته من جنس دلالات الْخطاب، أَو لِأَن الْخطاب دَال عَلَيْهِ، أَو لمُخَالفَته منظوم الْخطاب.
وَمِنْهُم من يُسَمِّيه لحن الْخطاب.
وَقَوله: {وَشَرطه أَن لَا تظهر أَوْلَوِيَّة وَلَا مُسَاوَاة} ، أَي: يشْتَرط فِي الْعَمَل بِمَفْهُوم الْمُخَالفَة وَهُوَ إِثْبَات خلاف الْمَذْكُور للمسكوت شُرُوط بَعْضهَا رَاجع للمسكوت، وَبَعضهَا للمذكور.
فَمن الأول مَا بَدَأَ بِهِ ابْن الْحَاجِب، وَابْن مُفْلِح، وَغَيرهمَا، وتابعناهم أَن لَا تظهر فِيهِ أَوْلَوِيَّة بالحكم من الْمَذْكُور، وَلَا مُسَاوَاة، فَإِن كَانَ كَذَلِك كَانَ حِينَئِذٍ مَفْهُوم الْمُوَافقَة - كَمَا سبق - لَا مَفْهُوم الْمُخَالفَة.
{و} من الثَّانِي أَن {لَا} يكون {خرج مخرج الْغَالِب} ، أَي: لَا يكون ذكر لكَونه الْغَالِب عَادَة، فَأَما إِن جرى على الْغَالِب فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر مَفْهُومه، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم من نِسَائِكُم} [النِّسَاء: 23] فتقييد تَحْرِيم الربيبة بِكَوْنِهَا فِي حجره لكَونه الْغَالِب، فَلَا يدل على حل الربيبة الَّتِي لَيست فِي حجره عِنْد جَمَاهِير الْعلمَاء، مِنْهُم الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم.
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا} [الْمَائِدَة: 95]، {فَإِن خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا} [الْبَقَرَة: 229] ، وَقَوله:" أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا " وَنَحْوه.
قَالَ الْآمِدِيّ: وَلَا خرج مخرج الْغَالِب اتِّفَاقًا.
وَقَالَ دَاوُد: إِنَّه شَرط فِي تَحْرِيم الربيبة، وَمِمَّنْ قَالَ بذلك أَيْضا عَليّ بن أبي طَالب، نَقله عَنهُ ألكيا الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه.
{وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَهُ مَفْهُوم} تَرْجِيحا لما اسْتَقر بِهِ اللَّفْظ على أكثريته الْعُرْفِيَّة. وَقَالَ: الْمَفْهُوم من مقتضيات اللَّفْظ فَلَا يسْقطهُ مُوَافقَة الْغَالِب.
وَقد قَالَ مَالك بِاعْتِبَارِهِ فَلم يحرم الربيبة الْكَبِيرَة وَقت التَّزَوُّج بأمها فِي قَوْله لَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيست فِي حجره، وَقَالَ بِهِ عَليّ رضي الله عنه فِيمَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره.
وَقَالَ ابْن عبد السَّلَام: الْقَاعِدَة تَقْتَضِي الْعَكْس، وَهُوَ أَن الْوَصْف إِذا خرج مخرج الْغَالِب يكون لَهُ مَفْهُوم بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن غَالِبا؛ وَذَلِكَ لِأَن
الْوَصْف الْغَالِب على الْحَقِيقَة تدل الْعَادة على ثُبُوته لَهَا عِنْد ذكر اسْمه، فَذكره لَهُ إِنَّمَا هُوَ ليدل على سلب الحكم عَمَّا عداهُ؛ لانحصار غَرَضه فِيهِ، ذكره السُّيُوطِيّ فِي شرح منظومته " جمع الْجَوَامِع "، فَليُرَاجع ويكمل.
وَقَالَ الْمجد فِي " المسودة ": يظْهر أَنه من مسالك التَّأْوِيل فيخف على المتأول مَا يبديه من الدَّلِيل العاضد.
قَوْله: {فعلى الأول لَا يعم} ، وَهُوَ القَوْل بِأَن من شَرطه أَن لَا يكون خرج مخرج الْغَالِب فَإِنَّهُ لَا يعم، وَلِهَذَا احْتج الْعلمَاء من أَصْحَابنَا وَغَيرهم لداود على اخْتِصَاص تَحْرِيم الربيبة بِالْحجرِ لِلْآيَةِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ لَا حجَّة فِيهَا؛ لخروجها على الْغَالِب.
وَقَالَ الْمُوفق فِي " الْمُغنِي ": تجوز خطْبَة مُسلم على ذمِّي، فَقيل لَهُ النَّهْي على الْغَالِب، فَقَالَ: هُوَ خَاص بِالْمُسلمِ وإلحاق غَيره بِهِ إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَ مثله.