الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِثَال ذَلِك قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -: "
إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث ". رَوَاهُ الْأَرْبَعَة، وَصَححهُ ابْن حبَان، وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ، وَغَيره.
خص بمفهومه وَهُوَ مَا لم يبلغ قُلَّتَيْنِ عُمُوم قَوْله
صلى الله عليه وسلم َ -: " المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء إِلَّا مَا غلب على رِيحه، أَو طعمه، أَو لَونه ". رَوَاهُ ابْن ماجة، وَالْبَيْهَقِيّ، فَإِنَّهُ أَعم من الْقلَّتَيْنِ ودونهما فَتَصِير القلتان فِي الحَدِيث الأول تنجسهما مَخْصُوص بالتغيير بِالنَّجَاسَةِ، وَيبقى مَا دونهمَا ينجس بِمُجَرَّد الملاقاة فِي غير الْمَوَاضِع المستثناة بِدَلِيل آخر.
قَوْله: {وَخَالف القَاضِي، وَأَبُو الْخطاب أَيْضا، والمالكية، وَابْن حزم} ، وَغَيرهم، فَقَالُوا: لَا يخص الْعُمُوم بِمَفْهُوم الْمُخَالفَة.
اسْتدلَّ للْأولِ: أَنه خَاص، وَفِيه جمع بَينهمَا فَكَانَ أولى.
قَالُوا: الْعَام مجمع على دلَالَته.
رد: بِالْمَنْعِ، ثمَّ الْفَرْض أَن الْمَفْهُوم حجَّة، فَإِن كَانَت صُورَة السُّكُوت أولى بالحكم من الْمَنْطُوق فَهُوَ التَّنْبِيه، وَهُوَ أولى من الْمَفْهُوم أَو اقْتضى الْقيَاس استواءهما فَهُوَ أولى من الْمَفْهُوم كنهيه عَن بيع الطَّعَام مَعَ نَهْيه
عَن بيع مَا لم يقبض، وَقَوله فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين والسلعة قَائِمَة. ذكر ذَلِك القَاضِي.
وَفِي " الْوَاضِح ": نَهْيه عَن بيع الطَّعَام مَعَ الْحَاجة إِلَيْهِ تَنْبِيه على غَيره فَقدم والتحالف مَعَ تلف السّلْعَة أولى؛ لِإِمْكَان الدّلَالَة على صدق أَحدهمَا بِقِيمَتِهَا الشاهدة بِالثّمن لمثلهَا.
قَالَ بعض أَصْحَابنَا: وَيجب أَن يخرج فِي تَقْدِيم الْقيَاس على الْمَفْهُوم وَجْهَان كتخصيص الْمَفْهُوم بِالْقِيَاسِ، بل أولى، وَصرح القَاضِي بِأَن تَقْدِيم الْقيَاس مَأْخُوذ من تَقْدِيمه على الْعُمُوم، وَقَالَهُ فِي " التَّمْهِيد ".
وَفِي الْقيَاس من " الْوَاضِح ": لَا عدَّة على ذِمِّيَّة قبل الدُّخُول قِيَاسا على المؤمنة تَقْدِيمًا لَهُ على الْمَفْهُوم، قَالَ: وَلم يذكر الله قذف المحصنين من الرِّجَال، فَنظر القائسون إِلَى الْمَعْنى.
وَمِنْه قِيَاس عبد على أمة فِي تنصيف الْحَد.
وقاس الْجُمْهُور اسْتِعْمَال آنِية ذهب وَفِضة فِي غير أكل وَشرب عَلَيْهِمَا، وَغير الْحجر عَلَيْهِ فِي الِاسْتِجْمَار، وَالظفر على الشّعْر فِي الْإِحْرَام.
قَالَ بعض أَصْحَابنَا: تَخْصِيص الْعُمُوم بِالْمَفْهُومِ إِنَّمَا هُوَ فِي كلامين منفصلين من مُتَكَلم وَاحِد، أَو فِي حكم الْوَاحِد، ككلام الله وَرَسُوله، لَا فِي كَلَام وَاحِد مُتَّصِل، وَلَا متكلمين يجب اتِّحَاد مقصودهما، كبينة شهِدت أَن جَمِيع الدَّار لزيد، وَأُخْرَى أَن الْموضع الْفُلَانِيّ مِنْهَا لعَمْرو، فَإِنَّهُمَا يتعارضان فِي ذَلِك الْموضع.
قَالَ: وَغلط بعض النَّاس، فَجمع بَينهمَا؛ لِأَنَّهُ من بَاب الْعَام وَالْخَاص كَمَا غلط بَعضهم فِي كَلَام مُتَكَلم مُتَّصِل.
قَوْله: {وبالإجماع، أَي: بدليله} . يخص الْعَام بِالْإِجْمَاع.
وَالْمرَاد بِدَلِيل الْإِجْمَاع لَا أَنه نَفسه مُخَصص؛ لِأَنَّهُ لَا يعْتَبر زمن الْوَحْي؛ إِذْ الْإِجْمَاع لَا بُد لَهُ من دَلِيل يسْتَند إِلَيْهِ، وَإِن لم نعرفه.
ومثاله: قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} [النُّور: 4] خص بِالْإِجْمَاع على أَن العَبْد الْقَاذِف يجلد على النّصْف من الْحر.
لَكِن قَالَ الْبرمَاوِيّ: فِي التَّمْثِيل بذلك نظر؛ لاحْتِمَال أَن يكون التَّخْصِيص بِالْقِيَاسِ، ثمَّ قَالَ: فَإِن قيل لم لَا تَقولُونَ بِأَن الْإِجْمَاع يكون نَاسِخا على معنى أَنه يتَضَمَّن نَاسِخا؟
فَجَوَابه: أَن سَنَد الْإِجْمَاع قد يكون مِمَّا لَا ينْسَخ بِهِ، فَلَيْسَ فِي كل إِجْمَاع تضمن لما يسوغ النّسخ بِهِ، وَأما التَّخْصِيص فَلَمَّا كَانَ من الْبَيَان كَانَ كل دَلِيل مُخَصّصا بِهِ. انْتهى.
وَجعل بعض الْعلمَاء من أَمْثِلَة الْمَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله
…
... كُنْتُم تعلمُونَ} [الْجُمُعَة: 9] خص بِالْإِجْمَاع على عدم وجوب الْجُمُعَة على العَبْد وَالْمَرْأَة.