الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
أَصْحَابنَا، والمالكية، وَالشَّافِعِيَّة الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات وَبِالْعَكْسِ خلافًا للحنفية} - أَي: لمعظمهم -، {ولبعضهم} - أَي بعض الْحَنَفِيَّة - {فيهمَا} - أَي: أَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي لَيْسَ بِإِثْبَات، وَلَا عَكسه -.
فعلى الأول إِذا قَالَ: لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا درهما، كَانَ إِقْرَارا بِتِسْعَة، وَإِذا قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَليّ شَيْء إِلَّا درهما، كَانَ مقرا بدرهم.
وعَلى قَول الْحَنَفِيَّة فِي: لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا درهما، تِسْعَة من حَيْثُ أَن الدِّرْهَم الْمخْرج منفي بِالْأَصَالَةِ، لَا من حَيْثُ إِن الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي.
وَلَا يوجبون فِي: لَيْسَ لَهُ عَليّ شَيْء إِلَّا درهما شَيْئا؛ إِذْ المُرَاد (إِلَّا درهما) فَإِنِّي لَا أحكم عَلَيْهِ بِشَيْء، وَلَا إِقْرَار إِلَّا مَعَ حكم ثَابت.
إِذا علم ذَلِك فقد حكى الرَّازِيّ، وَطَائِفَة: الْخلاف عَن الْحَنَفِيَّة فِي أَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات، أَو لَا، وَأَن الِاتِّفَاق على أَن الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي، وَحكى الْخلاف فِي الْأَمريْنِ مَعًا الْقَرَافِيّ فَقَالَ: الْخلاف مَوْجُود عِنْدهم فيهمَا.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَلَا تعَارض بَين النقلين، فَإِن من حكى تَعْمِيم الْخلاف أَرَادَ مَا قَرَّرْنَاهُ من ثُبُوت الْوَاسِطَة بَين الْحكمَيْنِ، وَهُوَ عدم الْحكمَيْنِ بِنَاء على أَن تقَابل حكم الْمُسْتَثْنى والمستثنى مِنْهُ يُقَابل نقيضين عِنْدهم، حكم وَعدم حكم، وتقابل شدين عِنْد الْجُمْهُور، وَمن حكى الِاتِّفَاق فِي صُورَة الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات على أَنه أَرَادَ الِاتِّفَاق على أصل النَّفْي فِيهِ، لَا على أَن النَّفْي مُسْتَند للاستثناء كَمَا قرر، فَلَا يظْهر حِينَئِذٍ للْخلاف مَعَهم فِي الْإِثْبَات فَائِدَة. انْتهى.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: الِاتِّفَاق على إِثْبَات نقيض مَا قبل الِاسْتِثْنَاء بعده فالجماهير يثبتون نقيض الْمَحْكُوم بِهِ، وَالْحَنَفِيَّة يثبتون نقيض الحكم فَيكون مَا بعد الِاسْتِثْنَاء غير مَحْكُوم عَلَيْهِ.
قَالَ فِي " جمع الْجَوَامِع ": الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات وَبِالْعَكْسِ خلافًا لأبي حنيفَة.
قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ فِي " شَرحه ": الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات، وَمن الْإِثْبَات نفي، هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور، وَخَالف أَبُو حنيفَة فيهمَا كَمَا حَكَاهُ الْهِنْدِيّ، وَتَبعهُ المُصَنّف، لَكِن الرَّازِيّ فِي " المعالم " جعل الْخلاف فِي الأولى فَقَط، وَحكى الِاتِّفَاق على أَن الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي.
اسْتدلَّ لقَوْل الْجُمْهُور، فَقَالَ ابْن مُفْلِح: لنا اللُّغَة، وَأَن قَول الْقَائِل: لَا إِلَه إِلَّا الله، تَوْحِيد، وتبادر فهم كل من سمع لَا عَالم إِلَّا زيد، وَلَيْسَ لَك على شَيْء إِلَّا دِرْهَم، إِلَى علمه، وَإِقْرَاره.
فَإِن قيل: فَلَو قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَليّ، أَو عِنْدِي عشرَة إِلَّا خَمْسَة، قيل: لنا وللشافعية خلاف.
وَقيل: لَا يلْزمه شَيْء؛ لِأَن قَصده نفي الْخَمْسَة، وَإِلَّا لأتى بِكَلَام الْعَرَب لَيْسَ لَهُ عَليّ إِلَّا خَمْسَة.
وَقيل: يلْزمه خَمْسَة؛ لِأَنَّهُ إِثْبَات من نفي؛ لِأَن التَّقْدِير: لَيْسَ لَهُ عَليّ عشرَة، لَكِن خَمْسَة.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: لَا يلْزمه شَيْء عِنْد الْأَكْثَر. انْتهى.
قَالُوا: لَو كَانَ لزم من قَوْله عليه السلام: " لَا صَلَاة إِلَّا بِطهُور " ثُبُوتهَا بِالطَّهَارَةِ، وَمثله:" لَا نِكَاح إِلَّا بولِي "، و " لَا تَبِيعُوا الْبر بِالْبرِّ إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء ".
رد: لَا يلْزم؛ لِأَنَّهُ اسْتثِْنَاء من غير الْجِنْس، وَإِنَّمَا سبق لبَيَان اشْتِرَاط الطّهُور للصَّلَاة، وَلَا يلْزم من وجود الشَّرْط وجود الْمَشْرُوط.
وَقَالَ فِي " الرَّوْضَة ": هَذِه صِيغَة الشَّرْط ومقتضاها نَفيهَا عِنْد نَفيهَا، ووجودها عِنْد وجودهَا لَيْسَ منطوقا، بل من الْمَفْهُوم، فنفي شَيْء لانْتِفَاء شَيْء لَا يدل على إثْبَاته عِنْد وجوده، بل يبْقى كَمَا قبل النُّطْق بِخِلَاف لَا عَالم إِلَّا زيد.
قَالَ بعض أَصْحَابنَا: جعله الْمُثبت من قَاعِدَة الْمَفْهُوم لَيْسَ بجيد، وَكَذَا جعله ابْن عقيل فِي " الْفُصُول " فِي قَول أَحْمد: كل شَيْء يُبَاع قبل قَبضه إِلَّا مَا كَانَ مَأْكُولا.
وَقد احْتج القَاضِي على أَن النِّكَاح لَا يفْسد بِفساد الْمهْر بقوله: " لَا نِكَاح إِلَّا بولِي، وشاهدي عدل "، قَالَ: فَاقْتضى الظَّاهِر صِحَّته، وَلم يفرق.
قَالَ أَصْحَابنَا: هَذِه دلَالَة ضَعِيفَة.
فَإِن قيل: فِيهِ إِشْكَال سوى ذَلِك، وَهُوَ أَن المُرَاد النَّفْي الْأَعَمّ، أَي: لَا صفة للصَّلَاة مُعْتَبرَة إِلَّا صفة الطَّهَارَة، فنفي الصِّفَات الْمُعْتَبرَة وَأثبت الطَّهَارَة.