الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
{يَسْتَحِيل تَحْرِيم معرفَة الله تَعَالَى إِلَّا على تَكْلِيف الْمحَال} ، وَذَلِكَ لتوقفه على مَعْرفَته وَهُوَ دور، {وَمَا حسن، أَو قبح لذاته كمعرفته وَالْكفْر وَنَحْوه يجوز نسخ وُجُوبه وتحريمه عِنْد من نفى الْحسن والقبح ورعاية الْحِكْمَة فِي أَفعاله، وَمن أثْبته مَنعه، ذكره الْآمِدِيّ وَغَيره.
وَقَالُوا: يجوز نسخ جَمِيع التكاليف، وَمنعه الْغَزالِيّ، وَابْن حمدَان، وَلم يقعا إِجْمَاعًا.
وَقَالَ الْمجد: يجوز نسخهَا كلهَا سوى معرفَة الله تَعَالَى على أصل أَصْحَابنَا وَأهل الحَدِيث خلافًا للقدرية} .
أما تَحْرِيم معرفَة الله تَعَالَى فمستحيل عِنْد الْعلمَاء إِلَّا على القَوْل بتكليف الْمحَال، وَذَلِكَ لتوقفه على مَعْرفَته، وَهُوَ دور.
وَقد تقدم من شَرط الْمَنْسُوخ أَن يكون مَا يجوز أَن يكون مَشْرُوعا، وَأَن لَا يكون اعتقادا، فَلَا يدْخل النّسخ التَّوْحِيد بِحَال؛ لِأَن الله تَعَالَى بأسمائه وَصِفَاته لم يزل وَلَا يزَال.
وَكَذَلِكَ مَا علم أَنه متأبد وَنَحْو ذَلِك تقدم.
وَأما مَا قبح وَحسن لذاته كمعرفة الله تَعَالَى، وَتَحْرِيم الْكفْر، وَالظُّلم، وَالْكذب، والقبائح الْعَقْلِيَّة، وشكر الْمُنعم، فَهَل يجوز نسخ وُجُوبه وتحريمه أم لَا؟
فَمن نفى الْحسن والقبح، ورعاية الْحِكْمَة فِي أَفعاله يجوز نسخ ذَلِك وَمن أثبت ذَلِك منع النّسخ، ذكره الْآمِدِيّ وَغَيره؛ لِأَن الْمُقْتَضى لِلْحسنِ والقبح حِينَئِذٍ صِفَات وَأَحْكَام لَا تَتَغَيَّر بِتَغَيُّر الشَّرَائِع فَامْتنعَ النّسخ لِاسْتِحَالَة الْأَمر بالقبيح، وَالنَّهْي عَن الْحسن.
وَأما من نفى ذَلِك - وَهُوَ الصَّحِيح - فَإِنَّهُ يجوز نسخ هَذِه الْأُمُور لقَوْل الله تَعَالَى: {يمحوا الله مَا يَشَاء وَيثبت} [الرَّعْد: 39]، وَقَوله تَعَالَى:{وَيفْعل الله مَا يَشَاء} [إِبْرَاهِيم: 27] .
وَاخْتلف أَيْضا فِي جَوَاز نسخ جَمِيع التكاليف، فَقَالَ الْآمِدِيّ، وَغَيره: يجوز، وَهُوَ الَّذِي نَصره ابْن الْحَاجِب وَغَيره، وَاخْتَارَهُ أَصْحَاب الشَّافِعِي.
قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ: ذهب أَصْحَابنَا إِلَى أَن كل حكم شَرْعِي يقبل النّسخ.
وَقيل للْقَاضِي أبي يعلى: لَو جَازَ النّسخ لجَاز فِي اعْتِقَاد التَّوْحِيد! فَقَالَ: التَّوْحِيد مصلحَة لجَمِيع الْمُكَلّفين فِي جَمِيع الْأَوْقَات، وَلِهَذَا لَا يجوز الْجمع بَين إِيجَابه وَالنَّهْي عَن مثله فِي الْمُسْتَقْبل بِخِلَاف الْفِعْل الشَّرْعِيّ، وَمَعْنَاهُ لِابْنِ عقيل.
قَالَ الْمجد فِي " المسودة ": وَيجوز نسخ جَمِيع التكاليف سوى معرفَة الله تَعَالَى على أصل أَصْحَابنَا، وَسَائِر أهل الحَدِيث خلافًا للقدرية فِي قَوْلهم:[الْعِبَادَات] مصَالح، فَلَا يجوز رَفعهَا.
وَقَالَهُ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي " اللمع ".
ورد الْقَرَافِيّ كَلَام أبي إِسْحَاق، ورد على الْقَرَافِيّ ابْن قَاضِي الْجَبَل.
قَالَ ابْن عقيل: وَإِن قُلْنَا بالمصالح فَلَا يمْتَنع لعلمه أَن التكاليف تفسدهم وكجنون بَعضهم وَمَوته وكنسخه مِنْهَا بِحَسب الْأَصْلَح.
قَالَ الْآمِدِيّ: وَبعد تَكْلِيف العَبْد بهَا اخْتلفُوا فِي جَوَاز نسخ جَمِيع التكاليف.
وَاسْتدلَّ لجَوَاز النّسخ بِأَن جَمِيع التكاليف أَحْكَام فَكَمَا جَازَ نسخ بَعْضهَا جَازَ نسخ جَمِيعهَا.
وَخَالف الْغَزالِيّ، وَابْن حمدَان - من أَصْحَابنَا - والمعتزلة فمنعوا نسخ جَمِيع التكاليف لتوقف الْعلم بذلك الْمَقْصُود مِنْهُ بِتَقْدِير وُقُوعه على معرفَة النّسخ والناسخ، وَهِي من التكاليف فَلَا يَتَأَتَّى نسخهَا.
قُلْنَا: لَا نسلم ذَلِك؛ لِأَن بحصولها يَنْتَهِي التَّكْلِيف بهَا فَيصدق أَنه لم ينتف تَكْلِيف، وَهُوَ الْقَصْد بنسخ جَمِيع التكاليف.
قَالَ الْمحلي: فَلَا نزاع فِي الْمَعْنى. انْتهى.
وَاتَّفَقُوا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة على عدم الْوُقُوع، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الْجَوَاز الْعقلِيّ.