الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ حسن وَوجه كَونه أبعد مِمَّا قبله؛ لِأَنَّهُ يلْزم أَن لَا تجب الشَّاة كَمَا تقدم، وكل فرع استنبط من أصل يبطل بِبُطْلَانِهِ كَمَا تقدم.
قَوْله: {وَمِنْه تأويلهم} قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -
[فِيمَا] روه أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن ماجة، وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عَائِشَة:{" أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل "} ، وَفِي رِوَايَة:" بَاطِل، بَاطِل، بَاطِل "{على الصَّغِيرَة، وَالْأمة، وَالْمُكَاتبَة} .
وَوجه بعده: أَن الصَّغِيرَة لَيست بِامْرَأَة
فِي لِسَان الْعَرَب، وَقد ألزموا بِسُقُوط هَذَا التَّأْوِيل على مَذْهَبهم؛ فَإِن الصَّغِيرَة لَو زوجت نَفسهَا كَانَ العقد عِنْدهم صَحِيحا لَكِن يتَوَقَّف على إجَازَة الْوَلِيّ، قَالَه الْبرمَاوِيّ.
فَلَمَّا ألزموا بذلك فروا إِلَى حمله على الْأمة فألزموا بِبُطْلَانِهِ بقوله
عَلَيْهِ السَّلَام: " فلهَا الْمهْر " وَمهر الْأمة إِنَّمَا هُوَ لسَيِّدهَا، فَفرُّوا من ذَلِك إِلَى حمله على الْمُكَاتبَة، فَقيل لَهُم: هُوَ أَيْضا بَاطِل؛ لِأَن حمل صِيغَة الْعُمُوم الصَّرِيحَة، وَهِي أَي الْمُؤَكّدَة بِمَا مَعهَا فِي قَوْله:" أَيّمَا " على صُورَة نادرة لَا تخطر بالبال غَالِبا وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى المخاطبين فِي غَايَة الْبعد.
قَالَ ابْن مُفْلِح: حملوه على الصَّغِيرَة وَالْأمة، وَالْمُكَاتبَة، وباطل لمصيره إِلَيْهِ غَالِبا لاعتراض الْوَلِيّ إِن تزوجت بِغَيْر كُفْء؛ لِأَنَّهَا مالكة لبعضها فَكَانَ كَبيع مَالهَا فالصغيرة لَا تسمى امْرَأَة ونكاحها مَوْقُوف عِنْدهم، وَمهر الْأمة للسَّيِّد، وَالْمُكَاتبَة نادرة فأبطلوا ظُهُور قصد التَّعْمِيم لظُهُور (أَي) مُؤَكدَة ب (مَا) ، وتكرير لفظ الْبطلَان، وَحمله على نَادِر يعد كاللغز، وَلَيْسَ مثل هَذَا من كَلَام الْعَرَب، وَلَا يجوز.
[و] معنى كَلَام أَصْحَابنَا، وَقَالَهُ الْآمِدِيّ. لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء بِحَيْثُ لَا يبْقى إِلَّا النَّادِر مَعَ إِمْكَان قصد النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - منع اسْتِقْلَال الْمَرْأَة فِيمَا يَلِيق بمحاسن الْعَادَات، وَهُوَ النِّكَاح. انْتهى.
قَوْله: {و} من تأويلهم: {" لَا صِيَام لمن لم يبيت الصّيام من " اللَّيْل "} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن ماجة عَن ابْن عمر على خلاف
فِي رَفعه وَوَقفه، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَائِشَة، حملوه {على} صَوْم {الْقَضَاء وَالنّذر} بِنَاء مِنْهُم على مَذْهَبهم فِي صِحَة الْفَرْض بنية من النَّهَار.
قَالَ ابْن الْحَاجِب: فجعلوه كاللغز، أَي: فِي حملهمْ الْعَام على صُورَة نادرة، فَإِن ثَبت مَا ادعوهُ من الحكم بِدَلِيل كَمَا قَالُوا فليطلب لهَذَا الحَدِيث تَأْوِيل قريب غير هَذَا مثل نفي الْكَمَال.
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: وَهُوَ أقرب من التَّأْوِيل السَّابِق.
قَالَ الكوراني: فَإِن قيل: إِنَّمَا حملوه على هَذَا لِأَنَّهُ ثَبت بِالدَّلِيلِ صِحَة الصَّوْم بنية النَّهَار فَيجب ذَلِك التَّأْوِيل. قُلْنَا: يحمل على نفي الْفَضِيلَة الَّذِي هُوَ معنى قريب؛ لِأَن [لَا] النافية ترد كثيرا لنفي الْفَضِيلَة كَمَا ذَكرُوهُ فِي قَوْله: " لَا صَلَاة لمن يقْرَأ بِأم الْكتاب ". انْتهى.
قَوْله: {و} من تأويلهم حَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، وَابْن حبَان من حَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا أَنه قَالَ:{" ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه "} وَهُوَ يرْوى بِالرَّفْع على
الْمَحْفُوظ، وَبِه ينتهض اسْتِدْلَال من اسْتدلَّ على أَنه يحل بِذَكَاة أمه إِذا لم يقدر على ذبحه، وَهُوَ مَذْهَبنَا، وَمذهب الشَّافِعِي، وَأَصْحَابه، وَغَيرهم.
وَعند الْحَنَفِيَّة تجب ذَكَاة الْجَنِين مُطلقًا، ويروون الحَدِيث بِنصب ذَكَاة أمه على تَقْدِير كذكاة أمه، فنصب على إِسْقَاط الْخَافِض، وعَلى هَذَا يحملون رِوَايَة الرّفْع على حذف مُضَاف، أَي: مثل ذَكَاة أمه، ويوجهون النصب بتوجيه آخر، وَهُوَ أَنه مَنْصُوب على الْمَفْعُول الْمُطلق الْمُبين للنوع، وَالْعَامِل فِيهِ ذَكَاة الأول، وَالْخَبَر مَحْذُوف، أَي: وَاجِبَة، أَو لَازِمَة، أَو نَحْو ذَلِك.
لَكِن الْجُمْهُور وهموا رِوَايَة النصب، وَقَالُوا: الْمَحْفُوظ الرّفْع كَمَا قَالَه الْخطابِيّ وَغَيره، إِمَّا لِأَن ذَكَاة الأول خبر مقدم، وذكاة الثَّانِي هُوَ الْمُبْتَدَأ، أَي: ذَكَاة أم الْجَنِين ذَكَاة لَهُ، وَإِلَّا لم يكن للجنين مزية، وَحَقِيقَة الْجَنِين مَا كَانَ فِي الْبَطن [وذبحه فِي الْبَطن] لَا يُمكن فَعلم أَنه لَيْسَ المُرَاد أَنه يذكى كذكاة أمه، بل إِن ذَكَاة أمه ذَكَاة لَهُ [و] كَافِيَة عَن تذكيته.
وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: " ذَكَاة الْجَنِين فِي ذَكَاة أمه "، وَفِي رِوَايَة:" بِذَكَاة " فالنصب إِن ثَبت فَهُوَ على حذف هَذَا الْخَافِض، لَا على حذف الْكَاف كَمَا زَعَمُوا.
قَالَ ابْن عمرون: تقديرهم حذف الْكَاف لَيْسَ بِشَيْء؛ لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ جَوَاز قَوْلك: زيد عمرا، أَي: كعمرو.
وَأَيْضًا فَحذف حرف الْخَفْض من غير سبق فعل يدل على التَّوَسُّع فِيهِ، وعَلى تَقْدِير صِحَة النصب فَيجوز أَن يكون على الظَّرْفِيَّة، أَي: وَقت ذَكَاة أمه فَحذف الْمُضَاف، وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه، وَهَذَا دَلِيل للْجَمَاعَة؛ لِأَن الثَّانِي إِنَّمَا يكون وقتا للْأولِ، إِذا أغْنى الْفِعْل الثَّانِي عَن الأول ويرجح هَذَا التَّقْدِير مُوَافَقَته لرِوَايَة الرّفْع.
قَوْله: وَمِنْه تأويلهم قَوْله تَعَالَى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الْأَنْفَال: 41] فِي آيتي الْفَيْء وَالْغنيمَة على الْفُقَرَاء مِنْهُم دون الْأَغْنِيَاء؛ لِأَن الْمَقْصُود دفع الْخلَّة، وَلَا خلة مَعَ الْغنى فعطلوا لفظ الْعُمُوم مَعَ ظُهُور أَن الْقَرَابَة هِيَ سَبَب استحقاقهم وَلَو مَعَ الْغنى لتعظيمها وتشريفها مَعَ إِضَافَته بلام التَّمْلِيك،
وَلَا يلْزمنَا نَحن، والمالكية، وَالشَّافِعِيَّة ذَلِك فِي الْيَتِيم للْخلاف فِيهِ.
فَإِن عللوا بالفقر وَلم تكن قرَابَة عطلوا لفظ ذِي الْقُرْبَى، وَإِن اعتبروهما مَعًا فَلَا يبعد، وغايته تَخْصِيص عُمُوم، كَمَا فعله الشَّافِعِي فِي أحد الْقَوْلَيْنِ فِي تَخْصِيص الْيَتَامَى بذوي الْحَاجة، لَكِن هُوَ أنزل من صَنِيع الشَّافِعِي فِي الْيَتَامَى من وَجْهَيْن، أَحدهمَا: أَنه زِيَادَة، وَأَبُو حنيفَة يَرَاهَا نسخا، والنسخ لَا يكون بِالْقِيَاسِ، واستنباط الْمَعْنى بِخِلَاف مَا قَالَ الشَّافِعِي فِي الْيَتَامَى فَإِنَّهُ لَا يرى الزِّيَادَة نسخا.
وَالثَّانِي: أَن لفظ الْيَتِيم مَعَ قرينَة إِعْطَاء المَال مشْعر بِالْحَاجةِ فاعتباره مَأْخُوذ من نفس الْآيَة، واليتيم إِذا تجرد عَن الْحَاجة غير صَالح للتَّعْلِيل بِخِلَاف الْقَرَابَة فَإِنَّهَا مُنَاسبَة للإكرام بِاسْتِحْقَاق خمس الْخمس.
قَوْله: {وَتَأْويل الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة: " من ملك ذَا رحم محرم فَهُوَ حر " على عمودي نسبه} . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد،
وَالنَّسَائِيّ، وَابْن ماجة، وَالطَّبَرَانِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: لَا نعرفه مُسْندًا إِلَّا من حَدِيث حَمَّاد عَن قَتَادَة عَن الْحسن، وَتكلم فِيهِ غير وَاحِد من الْحفاظ.
وَرُوِيَ من قَول عمر وَمن قَول الْحسن، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مُنكر.
فعلى تَقْدِير صِحَّته حمله بعض الشَّافِعِيَّة على الْأُصُول وَالْفُرُوع؛ لِأَن مَذْهَب الشَّافِعِي اخْتِصَاص الْعتْق بذلك، لَا مُطلق الرَّحِم، وَنَقله الْآمِدِيّ، وَتَبعهُ ابْن مُفْلِح عَن الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة.
وَإِنَّمَا كَانَ بَعيدا لصرفه اللَّفْظ الْعَام على بعض مدلولاته من غير دَلِيل.
قَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره: لعُمُوم اللَّفْظ وَظُهُور قَصده للتّنْبِيه على حُرْمَة الْمحرم وصلته.
قَالَ الكوراني: فَإِن قلت: فَمَا وَجه مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي إِذا لم يكن هَذَا التَّأْوِيل صَحِيحا عنْدكُمْ؟
قلت: لما دلّ الدَّلِيل على أَن الرّقّ لَا يَزُول إِلَّا بِالْعِتْقِ قَاس عتق الْأُصُول وَالْفُرُوع على وجوب النَّفَقَة؛ إِذْ لَا تجب عِنْده إِلَّا لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوع، أَو بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح الْوَارِد فِي مُسلم:" لَا يُجزئ ولد وَالِده إِلَّا أَن يجده عبدا فيشتريه فيعتقه " أَي: بِنَفس الشِّرَاء وَقد وَافقه الْخصم على هَذَا، وبالآية الْكَرِيمَة فِي عتق الْوَلَد وَهِي قَوْله تَعَالَى:{وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون} [الْأَنْبِيَاء: 26] وَجه الدّلَالَة أَنه تَعَالَى أبطل إِثْبَات الولدية بِإِثْبَات الْعُبُودِيَّة فَعلم أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ. انْتهى.
قَالَ الْبرمَاوِيّ عَن أصل الْحمل: لَكِن لَيْسَ للشَّافِعِيّ احْتِيَاج إِلَى هَذَا الْحمل لثُبُوت الحكم، إِنَّمَا لَهُ أَدِلَّة أُخْرَى مَشْهُورَة فِي الْفُرُوع، مَعَ ضعف الحَدِيث من الأَصْل فَلَيْسَ هَذَا الْحمل بمرضي عِنْد الحذاق.
تَنْبِيه: عِنْد الْعلمَاء أَمَاكِن كَثِيرَة من الْأَحَادِيث تأولت بتآويل غير مرضية يطول الْكتاب بذكرها.