الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} {التَّخْصِيص الْمُنْفَصِل} )
مَا تقدم من الْكَلَام هُوَ فِي التَّخْصِيص بالمتصل، وَالْكَلَام الْآن فِي التَّخْصِيص بالمنفصل.
وَالْفرق بَينهمَا أَن الْمُتَّصِل لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ، بل يكون مُتَعَلقا بِاللَّفْظِ الَّذِي فِيهِ الْعَام، والمنفصل عَكسه.
قَوْله: {مِنْهُ الْحس} .
يجوز التَّخْصِيص بالحس، أَي: الْمُشَاهدَة، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَأُوتِيت من كل شَيْء} [النَّمْل: 23]، {تدمر كل شَيْء} [الْأَحْقَاف: 25] فَنحْن نشاهد أَشْيَاء كَثِيرَة لم تؤتها بلقيس كملك سُلَيْمَان، وَنحن نشاهد أَشْيَاء كَثِيرَة لم تدمرها الرّيح كالسموات، وَالْجِبَال، وَغَيرهَا.
وَنَحْوه قَوْله تَعَالَى: {مَا تذر من شَيْء أَتَت عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم}
[الذاريات: 42]، {يَجِيء إِلَيْهِ ثَمَرَات كل شَيْء} [الْقَصَص: 57] فَإنَّا نشاهد أَشْيَاء لم تجعلها كالرميم، وَأَن مَا فِي أقْصَى الْمغرب والمشرق لم يجب إِلَيْهِ.
وَاعْلَم أَن هُنَا ثَلَاثَة أَشْيَاء:
الأول: أَن هَذِه الْأَمْثِلَة لَا تتَعَيَّن أَن تكون من الْعَام الْمَخْصُوص بالحس، فقد يدعى أَنَّهَا من الْعَام الَّذِي أُرِيد بِهِ الْخُصُوص.
الثَّانِي: أَن مَا كَانَ خَارِجا بالحس قد يدعى أَنه لم يدْخل حَتَّى يخرج، كَمَا يَأْتِي نَظِيره فِي التَّخْصِيص بِالْعقلِ، فَلْيَكُن هَذَا على الْخلاف الَّذِي هُنَاكَ.
الثَّالِث: يؤول التَّخْصِيص بالحس إِلَى أَن الْعقل يحكم بِخُرُوج بعض الْأَفْرَاد بِوَاسِطَة الْحس، فَلم يخرج عَن كَونه خَارِجا بِالْعقلِ فليكونا قسما وَاحِدًا، وَإِن اخْتلف طَرِيق الْحُصُول.
قَوْله: {وَالْعقل أَيْضا} من المخصصات الْمُنْفَصِلَة.
الْعقل ضَرُورِيًّا كَانَ أم نظريا، فالضروري كَقَوْلِه تَعَالَى:
{الله خَالق كل شَيْء} [الرَّعْد: 16] ، فَإِن الْعقل قَاض بِالضَّرُورَةِ أَنه لم يخلق نَفسه الْكَرِيمَة، وَلَا صِفَاته.
والنظري كتخصيص قَوْله تَعَالَى: {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمرَان: 97] فَإِن الْعقل بنظره اقْتضى عدم دُخُول الطِّفْل، وَالْمَجْنُون بالتكليف بِالْحَجِّ؛ لعدم فهمهما، بل هما من جملَة الغافلين الَّذين هم غير مخاطبين بخطاب التَّكْلِيف.
قَالَ بعض أَعْيَان الشَّافِعِيَّة: لَا خلاف فِي ذَلِك.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: نعم، منع كثير من الْعلمَاء أَن مَا خرج من الْأَفْرَاد بِالْعقلِ من بَاب التَّخْصِيص، وَإِنَّمَا الْعقل اقْتضى عدم دُخُوله فِي لفظ الْعَام، وَفرق بَين عدم دُخُوله فِي لفظ الْعَام، وَبَين خُرُوجه بعد أَن دخل.
وَمَا ذَكرُوهُ هُوَ ظَاهر نَص الشَّافِعِي فِي " الرسَالَة "، فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَاب: مَا نزل من الْكتاب عَاما يُرَاد بِهِ الْعَام الَّذِي لم يدْخلهُ خُصُوص: قَوْله تَعَالَى: {الله خَالق كل شَيْء} ، {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها وَيعلم مستقرها ومستودعها} [هود: 6] قَالَ: فَهَذَا عَام لَا خَاص فِيهِ، فَكل
شَيْء من سَمَاء وَأَرْض، وَذي روح وَشَجر وَغير ذَلِك فَالله تَعَالَى خالقه، وكل دَابَّة فعلى الله رزقها، وَيعلم مستقرها ومستودعها. انْتهى.
فَجعله الشَّافِعِي مِمَّا لم يدْخلهُ تَخْصِيص، وَمَا ذَاك إِلَّا لِأَن مَا اقْتضى الْعقل عدم دُخُوله لم يدْخل، فَكيف يُقَال دخل ثمَّ خرج؟
قَالَ الْبرمَاوِيّ: نعم اخْتلف فِي أَن هَذَا الْخلاف هَل هُوَ معنوي، أَو لَفْظِي لَا فَائِدَة فِيهِ؟ وَبِالثَّانِي قَالَ الباقلاني، وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَابْن الْقشيرِي، وَالْغَزالِيّ، وألكيا، وَغَيرهم، وَوَافَقَهُمْ الْقَرَافِيّ، والتاج السُّبْكِيّ، وَغَيرهم - وَهُوَ الَّذِي صححناه فِي الْمَتْن -.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الْخلاف لَفْظِي عِنْد التَّحْقِيق، وَيشْهد لَهُ قَول الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور: أَجمعُوا على صِحَة دلَالَة الْعقل على خُرُوج شَيْء
عَن حكم الْعُمُوم، وَاخْتلفُوا فِي تَسْمِيَته تَخْصِيصًا، وَمن قَالَ بِالْأولِ قَالَ: لِأَن الْعَام الْمَخْصُوص بِدَلِيل الْعقل على قَول من يجوز تَخْصِيصه بِهِ، يَقُول هُوَ حَقِيقَة بِلَا خلاف كَمَا قَالَه الصفي الْهِنْدِيّ.
قَالَ بَعضهم: أَو يكون عِنْدهم من الْعَام الَّذِي أُرِيد بِهِ الْخُصُوص فيظنه الْخلاف فِي أَنه هَل يكون حَقِيقَة أَو مجَازًا.
وَجعل أَبُو الْخطاب مَأْخَذ الْخلاف فِي كَون الْعقل مُخَصّصا أَو لَا، التحسين والتقبيح العقليين، فَإِن صَحَّ ذَلِك كَانَ هَذَا أَيْضا من فَائِدَة الْخلاف، لَكِن استدركه عَلَيْهِ الْأَصْفَهَانِي والنقشواني بِمَا فِيهِ نظر.