الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: بَاب الْبَيَان)
تقدم أَن للمجمل تعريفات وتقسيمات فَخذ ضدها فِي الْمُبين، فَإِن قلت: الْمُجْمل مَا تردد بَين محتملين فَأكْثر على السوَاء فَقل: الْمُبين مَا نَص على معنى معِين من غير إِبْهَام.
وَإِن قلت: الْمُجْمل مَا لَا يفهم مِنْهُ عِنْد الْإِطْلَاق معنى معِين، فَقل: الْمُبين مَا فهم مِنْهُ عِنْد الْإِطْلَاق معنى معِين من نَص، أَو ظُهُور بِالْوَضْعِ، أَو بعد الْبَيَان، وَكَذَا سَائِر التعريفات الصَّحِيحَة.
قَوْله: {وَيكون فِي مُفْرد، ومركب، وَقَول، وَفعل سبق إِجْمَال أم لَا} .
كَمَا أَن الْمُجْمل منقسم إِلَى مُفْرد ومركب، كَذَلِك الْمُبين يَنْقَسِم إِلَى مُفْرد ومركب.
قَالَ الْآمِدِيّ فِي " مُنْتَهى السول ": والمبين نقيض الْمُجْمل، وَيكون فِي
مُفْرد ومركب، وَفِي فعل سبق إِجْمَال، أَو لم يسْبق. انْتهى.
قَوْله: {سبق إِجْمَال أم لَا} ، يَعْنِي: أَن الْفِعْل يكون بَيَانا ابْتِدَاء من غير أَن يسْبقهُ إِجْمَال، وَيكون بَيَانا بعد الْإِجْمَال.
فَإِن الْبَيَان من حَيْثُ هُوَ يكون تَارَة ابْتِدَاء وَيكون تَارَة بعد الْإِجْمَال، وَقد وَقع هَذَا، وَهَذَا وَهُوَ وَاضح.
قَالَ الْعَضُد: وَقد يكون فِيمَا لَا يسْبق فِيهِ إِجْمَال كمن يَقُول ابْتِدَاء: {وَالله بِكُل شَيْء عليم} الْآيَة [الْبَقَرَة: 282] .
قَوْله: {وَالْبَيَان يُطلق على التَّبْيِين، وَهُوَ الْمَدْلُول} .
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: الْبَيَان الْمُتَعَلّق بالتعريف والإعلام بِمَا لَيْسَ بمعرف، وَلَا مَعْلُوم؛ لِأَنَّهُ مصدر (بيّن)، يُقَال: بَين تبيينا وبيانا، كَمَا يُقَال: كلم تكليما وكلاما، وَهُوَ عبارَة عَن الدّلَالَة. انْتهى.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَاعْلَم أَن الْبَيَان يُطلق تَارَة على فعل الْمُبين، وَهُوَ التَّبْيِين كالسلام بِمَعْنى التَّسْلِيم، وَالْكَلَام بِمَعْنى التكليم، فَهُوَ اسْم مصدر لَا مصدر؛ لعدم جَرَيَانه على الْفِعْل. انْتهى.
إِذا علم ذَلِك فَلهُ ثَلَاثَة إطلاقات:
أَحدهَا: يُطلق على التَّبْيِين، وَهُوَ فعل الْمُبين الَّذِي هُوَ التَّعْرِيف والإعلام.
الثَّانِي: يُطلق على مَا حصل بِهِ التَّبْيِين، وَهُوَ الدَّلِيل.
الثَّالِث: يُطلق على مُتَعَلق التَّبْيِين وَمحله، وَهُوَ الْمَدْلُول، وَهُوَ الْمُبين - بِفَتْح الْيَاء -.
{فبالنظر إِلَى} الْإِطْلَاق {الأول قَالَ} أَبُو الْخطاب {فِي " التَّمْهِيد ": إِظْهَار الْمَعْلُوم للمخاطب} مُنْفَصِل عَمَّا يشكل، {وإيضاحه} لَهُ.
{وَمَعْنَاهُ فِي وَاضح} ابْن عقيل {وَلم يقل للمخاطب} .
{و} قَالَ {أَبُو بكر} عبد الْعَزِيز، وَأَبُو الْفرج الْمَقْدِسِي، {وَابْن عقيل - أَيْضا - والصيرفي: إِخْرَاج الْمَعْنى من حيّز الْإِشْكَال إِلَى حيّز التجلي} ، وَهُوَ للصيرفي، وَتَبعهُ عَلَيْهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَأَبُو الطّيب،
والآمدي، وَابْن الْحَاجِب، إِلَّا أَنهم زادوا: والوضوح تَأْكِيدًا وتقريرا.
قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى: هَذَا الْحَد قَاصِر؛ لِأَنَّهُ لَا يدْخل فِيهِ إِلَّا مَا كَانَ مُشكلا، ثمَّ أظهر، وَأما مَا بَينه من القَوْل كَقَوْلِه تَعَالَى:{هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام} [النَّحْل: 116] فَهُوَ لم يكن مُشكلا.
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: رُبمَا ورد من الله تَعَالَى بَيَان لما لم يخْطر ببال أحد.
وَأَيْضًا فَفِي التَّعْبِير بالحيز وَهُوَ حَقِيقَة فِي الْأَجْسَام يجوز إِطْلَاقه فِي الْمعَانِي وَنَحْوه التجلي.
وَأجِيب عَن الأول بِأَن السَّامع لما يرد من الْمُبين بِمَنْزِلَة من أشكل عَلَيْهِ الحكم فِي ذَلِك إِذا لم يكن عِنْده علم من ذَلِك [كَذَا] أجَاب بِهِ القَاضِي عبد الْوَهَّاب، لَكِن فِي تَسْمِيَته عدم الْعلم إشْكَالًا تجوز، على أَن هَذَا فرع عَن تَسْمِيَة إِيرَاد مَا كَانَ وَاضحا من الِابْتِدَاء بَيَانا، وَقد لَا يختاره
الصَّيْرَفِي، ويخص الْبَيَان بِمَا سبق إِشْكَال فبينه.
وَاعْتَرضهُ ابْن السَّمْعَانِيّ بِأَن لفظ الْبَيَان أظهر من لفظ إِخْرَاج الشَّيْء إِلَى آخِره، وَقد يمْنَع ذَلِك.
وَعَن الثَّانِي بِأَن الْمجَاز بِالْقَرِينَةِ يدْخل فِي التعاريف، كَمَا صرح بِهِ الْغَزالِيّ وَغَيره على مَا تقدم فِي الْحُدُود.
{و} بِالنّظرِ {إِلَى} الْإِطْلَاق {الثَّانِي قَالَ التَّمِيمِي، وَأكْثر الأشعرية} ، والمعتزلة:{هُوَ الدَّلِيل} ؛ لصِحَّة إِطْلَاقه عَلَيْهِ لُغَة وَعرفا مَعَ عدم مَا سبق، وَالْأَصْل الْحَقِيقَة.
لَكِن زَاد التَّمِيمِي على ذَلِك: الْمظهر للْحكم.
ورده القَاضِي أَبُو يعلى بالمجمل.
قَالَ أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد ": لَهُ أَن يَقُول الْمُجْمل لَيْسَ دَلِيلا.