الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَو جَازَ لم يكن صلى الله عليه وسلم َ - مُبينًا، وَقد قَالَ تَعَالَى:{لتبين للنَّاس} [النَّحْل: 44] عرُوض بقوله: {تبيانا لكل شَيْء} [النَّحْل: 89] ثمَّ عليه السلام مُبين لَهما.
قَوْله: {وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا عَاما من وَجه، خَاصّا من وَجه تَعَارضا وَطلب الْمُرَجح} .
مَا تقدم فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا فِي حكم الْعَام وَالْخَاص إِذا كَانَا مقترنين أَو غير مقترنين، وَالْكَلَام هُنَا إِذا كَانَ كل مِنْهُمَا عَاما من وَجه، خَاصّا من وَجه.
مِثَاله: قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -: " من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فَليصل إِذا ذكرهَا " مَعَ قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -: "
لَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس "، فَالْأول خَاص فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة الْفَائِتَة، عَام فِي الْوَقْت، وَالثَّانِي عَكسه؛ لِأَنَّهُ عَام فِي الْمَكْتُوبَة والنافلة، خَاص فِي الْوَقْت.
مثله قَوْله
صلى الله عليه وسلم َ -: " من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ " مَعَ قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -: "
نهيت عَن قتل النِّسَاء " فَالْأول عَام فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء، خَاص فِي الْمُرْتَدين، وَالثَّانِي
خَاص فِي النِّسَاء عَام فِي الحربيات والمرتدات.
إِذا علم ذَلِك فَالصَّحِيح أَنَّهُمَا يتعادلان؛ لعدم أَوْلَوِيَّة أَحدهمَا بِالْعَمَلِ بِهِ دون الآخر، وَيطْلب الْمُرَجح من خَارج، وَقد يرجح الأول بِقِيَام الْقَرِينَة على اخْتِصَاص الثَّانِي بِسَبَبِهِ، وَهُوَ الحربيات.
{وَعند الْحَنَفِيَّة الْمُتَأَخر نَاسخ} ، تابعت فِي ذَلِك التَّاج السُّبْكِيّ فِي " جمع الْجَوَامِع " لَكِن قَالَ الزَّرْكَشِيّ شَارِحه: وَمَا حَكَاهُ عَن الْحَنَفِيَّة من أَن الْمُتَأَخر نَاسخ، فَهُوَ قِيَاس مَا تقدم عَنْهُم، لَكِن لم أَجِدهُ صَرِيحًا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. انْتهى.
قَوْله: {وَقيل لَا يخصص الْكتاب بِالْكتاب وَلَا السّنة بِالسنةِ} . هَذَا القَوْل عَائِد إِلَى أصل الْمَسْأَلَة، وَهُوَ مَا إِذا ورد عَام وخاص.
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْعلمَاء أَن الْكتاب يخص بِالْكتاب، وَأَن السّنة تخص بِالسنةِ، وَهُوَ من تَخْصِيص قَطْعِيّ الْمَتْن بقطعيه.
مِثَاله قَوْله تَعَالَى: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} [الْبَقَرَة: 228] فَخص عُمُومه بالحوامل فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} [الطَّلَاق: 4] وَخص أَيْضا عُمُومه فِي الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا بقوله تَعَالَى فِي غير الْمَدْخُول بهَا: {تمَسُّوهُنَّ فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها} [الْأَحْزَاب: 49] .
وَنَحْوه قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ} الْآيَة [الْبَقَرَة: 234]، خص بقوله تَعَالَى:{وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى:{وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} [الْبَقَرَة: 221] بقوله تَعَالَى: {وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ} [الْمَائِدَة: 5] كَمَا تقدم فِي بحث الْمَسْأَلَة.
والمخالف فِي مَسْأَلَة تَخْصِيص الْكتاب بِالْكتاب بعض الظَّاهِرِيَّة، وتمسكوا بِأَن التَّخْصِيص بَيَان للمراد بِاللَّفْظِ فَلَا يكون إِلَّا بِالسنةِ؛ لقَوْله تَعَالَى:{لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} [النَّحْل: 44] وَمَا ذكر من الْأَمْثِلَة يجوز أَن يكون التَّخْصِيص فِيهِ بِالسنةِ، كَمَا فِي حَدِيث أبي السنابل بن بعكك مَعَ سبيعة الأسْلَمِيَّة حِين قَالَ: مَا أَنْت بناكح حَتَّى تمر عَلَيْك أَرْبَعَة أشهر