الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} {تَخْصِيص السّنة بِالْكتاب} )
وَهَذَا قَلِيل جدا حَتَّى إِن الْبَيْضَاوِيّ لم يذكرهُ وَابْن الْحَاجِب وَإِن ذكره لم يمثل لَهُ.
ومثاله قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -: " مَا أبين من حَيّ فَهُوَ ميت " رَوَاهُ ابْن ماجة، خص بقوله تَعَالَى:{وَمن أصوافها وأوبارها وَأَشْعَارهَا أثاثا ومتاعا إِلَى حِين} [النَّحْل: 80] .
وَمن أمثلته قَوْله صلى الله عليه وسلم َ - فِيمَا رَوَاهُ مُسلم عَن عبَادَة بن الصَّامِت: " خُذُوا عني، خُذُوا عني قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا الْبكر بالبكر: جلد مائَة وَنفي
سنة، وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ: جلد مائَة وَالرَّجم " فَإِن ذَلِك يَشْمَل الْحر وَالْعَبْد، فخصص بقوله تَعَالَى:{فَإِذا أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} [النِّسَاء: 25] .
وَمِنْه حَدِيث: " لَا يقبل الله صَلَاة أحدكُم حَتَّى يتَوَضَّأ " خص مِنْهُ الْمُتَيَمم بِآيَة التَّيَمُّم.
وَقد يمْنَع هَذَا من يرى أَن التَّيَمُّم يرفع الْحَدث.
وَمِنْه حَدِيث: " أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا الله " خص بقوله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة} [التَّوْبَة: 29] .
وَمِنْه حَدِيث: " إِن الله تجَاوز لأمتي مَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا " خص بقوله
تَعَالَى فِي سبق اللِّسَان بِالْيَمِينِ: {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} [الْبَقَرَة: 225] .
وَعَن أَحْمد: لَا تخصص السّنة بِالْكتاب، اخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَبَعض الشَّافِعِيَّة، وَبَعض الْمُتَكَلِّمين.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَهُوَ مُقْتَضى قَول مَكْحُول، وَيحيى بن أبي كثير [إِن] السّنة تقضي على الْكتاب، وَالْكتاب لَا يقْضِي على السّنة. قَالَ: وَهُوَ الْأَغْلَب على كَلَام الشَّافِعِي.
قَوْله: {ويخص الْكتاب بالمتواترة إِجْمَاعًا} ، حَكَاهُ ابْن مُفْلِح وَغَيره.
قَوْله: {وبخبر الْوَاحِد} ، أَي: يخص الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح. وَقَالَهُ أَحْمد، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ،
…
وأصحابهم، وَبَعض الْحَنَفِيَّة.
وَنَقله الْآمِدِيّ، وَابْن الْحَاجِب عَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة.
{وَعنهُ الْمَنْع، اخْتَارَهُ الْفَخر} إِسْمَاعِيل من أَصْحَابنَا، {وَغَيره} فَقَالَ: لَهُ ظُهُور واتجاه.
وَنَقله الْغَزالِيّ عَن الْمُعْتَزلَة، وَنَقله ابْن برهَان عَن طَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين وَالْفُقَهَاء.
قَالَ ابْن مُفْلِح: وَعند الْحَنَفِيَّة إِن كَانَ خص بِدَلِيل مجمع عَلَيْهِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ ابْن أبان: {إِن خص بقاطع جَازَ} تَخْصِيصه بعد ذَلِك بالآحاد؛ لِأَنَّهُ بعد التَّخْصِيص يكون مجَازًا فِي الْبَاقِي، أما قبله فحقيقة فِي الْأَفْرَاد.
وَقَالَ {الْكَرْخِي: إِن خص} قبل ذَلِك {بمنفصل جَازَ} أَن يخص بالآحاد، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ بالتخصيص بالمنفصل يصير مجَازًا عِنْده.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا القَوْل وَالَّذِي قبله مبنيان على القَوْل بِأَن دلَالَة الْعَام على كل فَرد من أَفْرَاده قطيعة.
{ووقف} القَاضِي أَبُو بكر ابْن {الباقلاني} : إِمَّا على معنى لَا نَدْرِي، وَإِمَّا على معنى تعَارض أَمريْن: دلَالَة الْعُمُوم على إثْبَاته، وَدلَالَة الْخُصُوص على نَفْيه؛ وَذَلِكَ لِأَن متن الْكتاب قَطْعِيّ وفحواه مظنون، وَخبر الْوَاحِد بِالْعَكْسِ فتعارضا، وَلَا مُرَجّح فالوقف، وَالله أعلم.
وَقيل: يجوز أَن يَقع التَّخْصِيص بذلك وَلَكِن مَا وَقع حَكَاهُ الباقلاني فِي " التَّقْرِيب "، وَهُوَ معنى قَوْلنَا:{وَقيل لم يَقع} .
وَاسْتدلَّ للْأولِ: بِأَنَّهُ إِجْمَاع الصَّحَابَة كَمَا خصوا {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} [النِّسَاء: 24] بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة: " لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا، وَلَا على خَالَتهَا " مُتَّفق عَلَيْهِ.