الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِذا لم يقل أحد إِنَّه حجَّة، فَكيف يخص بِهِ؟ وَلَكِن قد ذكر الْخلاف فِي ذَلِك، لَكِن الْخلاف فِيمَا إِذا كَانَ الرَّاوِي صحابيا أقوى مِمَّا إِذا كَانَ غير صَحَابِيّ.
قَوْله: {وبقضايا الْأَعْيَان} ، أَعنِي يخص الْعَام بقضايا الْأَعْيَان، هَذِه الْمَسْأَلَة أَخَذتهَا من كَلَام ابْن مُفْلِح خَاصَّة فَإِنَّهُ قَالَ: يخص الْعُمُوم بقضايا الْأَعْيَان ثمَّ قَالَ: وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا - يَعْنِي الْمجد إِلَى آخِره - وَابْن مُفْلِح أَخذهَا من كَلَام الْمجد فِي " المسودة ".
وَمعنى ذَلِك أَن يرد مَعنا حكم عَام، ثمَّ ترد مَعنا قَضِيَّة عين مُخَالفَة لذَلِك الْعَام فَهَل يخص الْعَام ذَلِك.
مِثَاله: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
نهى عَن لبس الْحَرِير للرِّجَال، ثمَّ أذن فِي لبسه لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَالزُّبَيْر بن الْعَوام؛ لقمل كَانَ بهما وإذنه لَهما فِي
ذَلِك قَضِيَّة عين فَهَل ذَلِك مُخَصص للْعُمُوم أم لَا؟
قَوْله: {وبالقياس} ، أَي: يخص الْعَام بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحدهمَا: أَن يكون قَطْعِيا، فَإِن كَانَ الْقيَاس قَطْعِيا خص بِهِ الْعَام قطعا، قَالَه الأبياري فِي " شرح الْبُرْهَان "، وَغَيره فَقَالَ: الْقيَاس الْقطعِي يجوز التَّخْصِيص بِهِ بِلَا خلاف، وَذَلِكَ فِيمَا إِذا كَانَ حكم الأَصْل الَّذِي يسْتَند إِلَيْهِ الْفَرْع مَقْطُوعًا بِهِ، وعلته منصوصة، أَو مجمعا عَلَيْهَا، وَهِي مَوْجُودَة فِي الْفَرْع قطعا، وَلَا فَارق قطعا، فَهَذَا النَّوْع من الْقيَاس لَا يتَصَوَّر فِيهِ الْخلاف. انْتهى.
قلت: ظَاهر كَلَام كثير من الْعلمَاء إِجْرَاء الْخلاف فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَن يكون ظنيا، وَهُوَ مَحل الْخلاف، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة، والأشعري، وَأكْثر أَصْحَابنَا، وَالْأَكْثَر، مِنْهُم: أَبُو هَاشم وَأَبُو الْحُسَيْن {جَوَاز التَّخْصِيص بِهِ} ، نَقله الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب عَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة، وتبعهما ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله " على ذَلِك.
وَقَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: تَنْبِيه فِي مَأْخَذ الْمَسْأَلَة من كَلَام الإِمَام أَحْمد، فَإِن الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب حكياه عَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة، أَعنِي التَّخْصِيص، قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة الْحسن بن ثَوَاب: حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ -
لَا ترده الْأَمْثِلَة، وَظَاهره أَن الْقيَاس لَا يرد الظَّاهِر.
قَالَ ابْن عقيل: هَذَا من كَلَام لَا يمْنَع؛ لِأَن التَّخْصِيص لَيْسَ برد، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان، وتمسكوا للتخصيص بِرِوَايَة بكر بن مُحَمَّد: إِذا قذف زَوجته بعد الثَّلَاث وَله مِنْهَا ولد يُرِيد نَفْيه: يُلَاعن. فَقيل لَهُ: أَلَيْسَ يَقُول الله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} [النُّور: 6] ، وَهَذِه لَيست زَوْجَة، فاحتج بِأَن الرجل يُطلق ثَلَاثًا، وَهُوَ مَرِيض فترثه؛ لِأَنَّهُ فر من الْمِيرَاث، وَهَذَا فار من الْوَلَد.
قَالَ القَاضِي: فقد عَارض الظَّاهِر بِضَرْب من الْقيَاس.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: قلت: لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيص للْعُمُوم، وَإِنَّمَا عَارض الظَّاهِر الْمَفْهُوم؛ لِأَن تَخْصِيص الحكم بالأزواج يَنْفِيه عَمَّن سواهن.
وَنقل الْمَيْمُونِيّ فِي الرجل يُزَوّج ابْنَته وَهِي كَبِيرَة أحب إِلَيّ أَن يستأمرها فَإِن زَوجهَا من غير أَن يستأمرها جَازَ النِّكَاح، وَهَذَا للْأَب خَاصَّة.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: قلت: كَأَنَّهُ خص قَوْله: " لَا تنْكح الْبكر حَتَّى تستأذن ". انْتهى.
وَعند ابْن سُرَيج، والطوفي من أَصْحَابنَا يخص الْقيَاس الْجَلِيّ دون غَيره.
وَقَالَهُ جمَاعَة من أَصْحَاب الشَّافِعِي، مِنْهُم: ابْن مَرْوَان.
وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير الْجَلِيّ والخفي، فَقيل: الْجَلِيّ قِيَاس الْعلَّة، والخفي قِيَاس الشّبَه، وَسَيَأْتِي بيانهما فِي الْقيَاس.
وَقيل: الْجَلِيّ مَا تتبادر علته إِلَى الْفَهم عِنْد سَماع الحكم، كتعظيم الْأَبَوَيْنِ عِنْد سَماع قَوْله تَعَالَى:{فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} [الْإِسْرَاء: 23] .
وَقيل: الْجَلِيّ مَا ينْقض قَضَاء القَاضِي بِخِلَافِهِ، والخفي خِلَافه. نقل عَن الْإِصْطَخْرِي.
وَقيل غير ذَلِك، وَيَأْتِي بَيَان ذَلِك فِي الْقيَاس.
وَقَالَ ابْن أبان: يخص بِالْقِيَاسِ إِن كَانَ الْعَام مُخَصّصا فَقَالَ: إِن خص الْعَام بِغَيْر الْقيَاس جَازَ تَخْصِيصه بِالْقِيَاسِ، وَإِلَّا فَلَا.
وَنَقله ابْن برهَان فِي " وجيزه " عَن أَصْحَاب أبي حنيفَة.
قَالَ الطوفي: وَحكي عَن أبي حنيفَة، وَعند الْحَنَفِيَّة يخص بِالْقِيَاسِ إِن كَانَ الْعَام مُخَصّصا بمجمع عَلَيْهِ.
قَالَ ابْن مُفْلِح: وَعند الْحَنَفِيَّة إِن كَانَ خص بِدَلِيل مجمع عَلَيْهِ جَازَ.
وَأخرج الأبياري فِي " شرح الْبُرْهَان " وَغَيره من مَحل الْخلاف كَمَا تقدم لَفظه كَامِلا.
وَعند الْكَرْخِي يجوز التَّخْصِيص بِالْقِيَاسِ إِن كَانَ الْعَام مُخَصّصا بمنفصل وَإِلَّا فَلَا.
وَعند الْآمِدِيّ إِن ثبتَتْ الْعلَّة بِنَصّ أَو إِجْمَاع جَازَ التَّخْصِيص بِهِ، وَإِلَّا فَلَا.
زَاد ابْن الْحَاجِب فِي " مُخْتَصره ": أَو كَانَ الأَصْل مُخَصّصا خصص الْعَام بِهِ وَإِلَّا فَالْمُعْتَبر الْقَرَائِن فِي الوقائع فَإِن ظهر تَرْجِيح خَاص، وَإِلَّا فَالْخَبَر.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: لكنه آيل إِلَى اتِّبَاع أرجح الظنين، فَإِن تَسَاويا فالوقف.
وَهَذَا رَأْي الْغَزالِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: إِن تَفَاوتا، أَي: الْعَام وَالْقِيَاس فِي إِفَادَة. الظَّن رجحنا الْأَقْوَى، وَإِلَّا توقفنا.
واعترف الإِمَام فِي أثْنَاء الْمَسْأَلَة بِأَنَّهُ حق.
وَكَذَا قَالَ الْأَصْفَهَانِي إِنَّه حق وَاضح.
وَكَذَا الْهِنْدِيّ فِي أثْنَاء الْمَسْأَلَة، وَاسْتَحْسنهُ الْقَرَافِيّ.
وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: إِنَّه مَذْهَب جيد.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: لَكِن جعل هَذَا مذهبا فِي الْمذَاهب فِي الْمَسْأَلَة لَا يَسْتَقِيم فَإِنَّهُ أَمر كلي لَا تعلق لَهُ بِخُصُوص الْمَسْأَلَة، وَلَا أحد يُنَازع فِيمَا قَرَّرَهُ من أرجح الظنين وَلَا فِي الْوَقْف عِنْد الاسْتوَاء، فَتَأَمّله.
وَمنعه ابْن حَامِد، وَابْن الْجَوْزِيّ، وَجمع مُطلقًا، مِنْهُم: أَبُو عَليّ الجبائي، وَطَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين، وَبَعض الشَّافِعِيَّة.
وَأطلق القَاضِي فِي " الْكِفَايَة " رِوَايَتَيْنِ، وَأطلق أَبُو إِسْحَاق ابْن شاقلا من أَصْحَابنَا وَجْهَيْن، ثمَّ حكى عَنهُ القَاضِي الْمَنْع، وجوازه إِن كَانَ الْمَقِيس عَلَيْهِ مخرجا من الْعُمُوم، كَقَوْل بعض الْعلمَاء.
قَالَ الْبرمَاوِيّ وَغَيره: وفيهَا قَول إِن كَانَ الْمَقِيس عَلَيْهِ مخرجا من عَام جَازَ التَّخْصِيص، وَإِلَّا فَلَا. انْتهى.
وَقوم فِي الْقُرْآن، أَي: منع قوم التَّخْصِيص بِالْقِيَاسِ فِي الْقُرْآن
خَاصَّة، وعزي إِلَى الْحَنَفِيَّة؛ لِأَن التَّخْصِيص عِنْدهم نسخ وَلَا ينْسَخ الْقُرْآن بِالْقِيَاسِ وَلَو كَانَ جليا.
ووقف القَاضِي أَبُو بكر ابْن الباقلاني، وَأَبُو الْمَعَالِي.
اسْتدلَّ للْأولِ بِأَن الْقيَاس خَاص لَا يحْتَمل التَّخْصِيص وَفِيه جمع بَينهمَا فَقدم.
وَادّعى بَعضهم إِجْمَاع الصَّحَابَة على ذَلِك، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ.
وَاسْتدلَّ للْمَنْع: لَو قدم التَّخْصِيص بِهِ لقدم الأضعف لما سبق فِي تَقْدِيم خبر الْوَاحِد على الْقيَاس.
رد بِمَا سبق فَإِن ذَلِك عِنْد إبِْطَال أَحدهمَا، والتخصيص إِعْمَال لَهما.
وألزم بَعضهم الْخصم تَخْصِيص الْكتاب بِالسنةِ وَالْمَفْهُوم لَهما.
قَالُوا: وَأجِيب بِمَا سبق فِي الْمَفْهُوم، وباستصحاب الْحَال.
رد: بِأَنَّهُ دَلِيل عِنْد عدم دَلِيل شَرْعِي.
وَاقْتصر فِي " التَّمْهِيد " على أَنه لَيْسَ دَلِيلا.
وَاحْتج الْحَنَفِيَّة بِمَا سبق فِي خبر الْوَاحِد.
وَاسْتدلَّ للْوَقْف بتعارض الْأَدِلَّة.
رد بِمَا سبق على أَنه خلاف الْإِجْمَاع.
وَاسْتدلَّ الْآمِدِيّ أَن الْعلَّة كَذَلِك كنص خَاص، وللمخالف الْمَنْع.
وَاسْتدلَّ: المستنبطة مرجوحة، أَو مُسَاوِيَة فَلَا تَخْصِيص، أَو راجحة وَوُقُوع وَاحِد من اثْنَيْنِ أقرب من وَاحِد معِين.
رد بلزومه فِي كل تَخْصِيص، وبأنها راجحة، أَو مُسَاوِيَة، وَالْجمع أولى.
قَوْله: {وَكَذَا صرف ظَاهر غير عَام إِلَى احْتِمَال مَرْجُوح بِقِيَاس} .
وَمعنى هَذَا الْكَلَام أَن يكون معنى اللَّفْظ مُحْتملا لشيئين وَهُوَ ظَاهر فِي أَحدهمَا مَرْجُوح فِي الآخر، لَكِن هُوَ مُوَافق للْقِيَاس فَهَل يصرف عَن الظَّاهِر إِلَى الِاحْتِمَال الْمَرْجُوح لأجل مُوَافقَة الْقيَاس؟ فِيهِ الْخلاف.