الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِن قيل: رجم الْمُحصن إِنَّمَا أَخذ من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت فِي مُسلم مَرْفُوعا: " خُذُوا عني، خُذُوا عني، قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا: الْبكر بالبكر جلد مائَة، وتغريب عَام، وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة وَالرَّجم ".
قيل: النّسخ بالشيخ وَالشَّيْخَة، والْحَدِيث مُقَرر أَنه لم ينْسَخ.
وَضعف بِأَن التأسيس أرجح من التَّأْكِيد، وَبِأَن الحَدِيث إِنَّمَا ورد مُبينًا للسبيل فِي {أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا} فَهُوَ إِمَّا مُسْتَقل، أَو مُبين للسبيل لَا مُتَعَلق بِآيَة الرَّجْم.
الرَّابِع: مَا نسخ حكمه ورسمه وَبَقِي حكم النَّاسِخ لَا رسمه، كَحَدِيث عَائِشَة فِي الْعشْر رَضعَات، فَإِن الْخمس حكمهَا بَاقٍ دون لَفظهَا، وَأما قَول عَائِشَة: (فَتوفي النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
وَهن مِمَّا يُتْلَى فِي الْقُرْآن) فمؤول كَمَا قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: بِأَن مرادها يُتْلَى حكمه، أَو أَن من لم يبلغهُ نسخ تِلَاوَته يتلوه، وَهُوَ مَعْذُور.
وَإِنَّمَا أول بذلك لإِجْمَاع الصَّحَابَة على تَركهَا من الْمُصحف حِين جمعُوا الْقُرْآن، وَأجْمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ بعدهمْ.
الْخَامِس: مَا
نسخ رسمه وَبَقِي حكمه، وَلَكِن لَا يعلم ناسخه، فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " من حَدِيث أنس: أَنه كَانَ فِي الْقُرْآن: " لَو أَن لِابْنِ آدم وَاديا
من ذهب لابتغى أَن يكون لَهُ ثَان، وَلَا يمْلَأ فَاه إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ ". رَوَاهُ أَحْمد، وَقَالَ: كَانَ هَذَا قُرْآنًا فنسخ خطه.
قَالَ ابْن عبد الْبر فِي " التَّمْهِيد ": قيل: إِنَّه من سُورَة ص، لَكِن ورد فِي رِوَايَة: لَا نَدْرِي أَشَيْء نزل، أَو شَيْء كَانَ يَقُوله.
ويمثل لَهُ - أَيْضا - بِمَا فِي البُخَارِيّ فِي السّبْعين الَّذين قتلوا ببئر مَعُونَة وَنزل فيهم: " بلغُوا قَومنَا بِأَنا قد لَقينَا رَبنَا فَرضِي عَنَّا وأرضانا ". قَالَ أنس: فقرأنا فيهم قُرْآنًا. وَذكره ثمَّ رفع بعده.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمثل هَذَا كثير؛ وَلِهَذَا قيل فِي سُورَة الْأَعْرَاف: إِنَّهَا كَانَت نَحْو الْبَقَرَة، وَكَذَا سُورَة الْأَحْزَاب، كَمَا تقدم.
وَلَكِن مثل بَعضهم بذلك مَا نسخ لَفظه وَبَقِي حكمه.
السَّادِس: نَاسخ صَار مَنْسُوخا، وَلَيْسَ بَينهمَا لفظ متلو، كَالْإِرْثِ
بِالْحلف والنصرة نسخ بالتوارث بِالْإِسْلَامِ وَالْهجْرَة، ثمَّ نسخ التَّوَارُث بذلك.
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: وَهَذَا يدْخل فِي النّسخ من وَجه، قَالَ: وَعِنْدِي أَن الْقسمَيْنِ الْأَخيرينِ فِي إدخالهما فِي النّسخ تكلّف.
الثَّالِثَة: تَمْثِيل مَا نسخ تِلَاوَته وَبَقِي حكمه بالشيخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا، اسْتشْكل من حَيْثُ يلْزم من ذَلِك أَن يثبت قُرْآن بالآحاد، وَأَن ذَلِك الْقُرْآن نسخ حَتَّى لَو أنكرهُ شخص كفر، وَمن أنكر مثل هَذَا لَا يكفر، وَإِذا لم تثبت قرآنيته لم يثبت نسخ قُرْآن.
بل يجْرِي هَذَا الِاعْتِرَاض فِي مِثَال مَا نسخ حكمه وَبَقِي تِلَاوَته، ونسخهما مَعًا؛ وَذَلِكَ لِأَن نسخ الْمُتَوَاتر بالآحاد لَا يجوز كَمَا يَأْتِي.
وَأجَاب الْهِنْدِيّ: عَن أصل السُّؤَال بِأَن التَّوَاتُر إِنَّمَا هُوَ شَرط فِي الْقُرْآن الْمُثبت بَين الدفتين، أما الْمَنْسُوخ فَلَا، سلمنَا لَكِن الشَّيْء قد يثبت ضمنا بِمَا لَا يثبت بِهِ أَصله كالنسب بِشَهَادَة القوابل على الْولادَة، وَقبُول الْوَاحِد فِي [أَن] أحد المتواترين بعد الآخر وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَجَوَاب آخر، وَهُوَ: أَن الصَّدْر الأول يجوز أَن يَقع فِيهِ التَّوَاتُر ثمَّ يَنْقَطِع فِيهِ التَّوَاتُر فَيصير آحادا، فَمَا رُوِيَ لنا بالآحاد إِنَّمَا هُوَ حِكَايَة عَمَّا كَانَ مَوْجُودا بِشُرُوطِهِ فَتَأَمّله. انْتهى.
الرَّابِعَة: وَقع إِشْكَال فِي قَول عمر رضي الله عنه: لَوْلَا أَن يَقُول النَّاس: زَاد عمر فِي كتاب الله لكتبتها كَمَا هُوَ ظَاهر اللَّفْظ فَهُوَ قُرْآن متلو، وَلَكِن لَو كَانَ متلوا لوَجَبَ على عمر الْمُبَادرَة لكتابتها؛ لِأَن مقَال النَّاس لَا يصلح مَانِعا من فعل الْوَاجِب.
قَالَ السُّبْكِيّ: وَلَعَلَّ الله أَن ييسر علينا حل هَذَا الْإِشْكَال، فَإِن عمر رضي الله عنه إِنَّمَا نطق بِالصَّوَابِ، ولكنانتهم فهمنا.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: لَكِن تَأْوِيله بِأَن مُرَاده لكتبتها منبها على أَنَّهَا نسخت تلاوتها ليَكُون فِي كتَابَتهَا فِي محلهَا أَمن من نسيانها بِالْكُلِّيَّةِ، لَكِن قد تكْتب من غير بَيِّنَة فَيَقُول النَّاس: زَاد عمر، فَتركت كتَابَتهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ من دفع أعظم المفسدتين بأخفهما. انْتهى.
قلت: وَيُمكن أَن يُقَال: إِن هَذَا مِمَّا نسخ رسمه وَبَقِي حكمه، وَلَكِن عمر رضي الله عنه لشدَّة حرصه على إِظْهَار الْأَحْكَام هم بِأَن يَكْتُبهَا خوفًا
من أَن ينسى حكمهَا لكَونهَا غير مَكْتُوبَة وَنسخ رسمها فيضلوا بترك فَرِيضَة لَا سِيمَا وَالزِّنَا مِمَّا يتواهن النَّاس ويتساهلون فِيهِ وَالله أعلم، وَلذَلِك وَالله أعلم بدلت الْيَهُود ذَلِك مَعَ كَونه فِي التَّوْرَاة، وَلِلنَّاسِ ميل إِلَى رَحْمَة الزَّانِي، وَلذَلِك قَالَ الله تَعَالَى:{وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} [النُّور: 2] .
قَوْله: {وَنسخ} ، أَي: وَيجوز نسخ {قُرْآن وَسنة متواترة بمثلهما وآحاد بِمثلِهِ وبمتواتر} .
يجوز نسخ الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ، وَقد وَقع ذَلِك فنسخ الِاعْتِدَاد بالحول فِي الْوَفَاة بأَرْبعَة أشهر وَعشر، كَمَا سبق.
وَأما نسخ متواتر السّنة بمتواترها فَجَائِز عقلا وَشرعا، وَلَكِن وقوعهما مُتَعَذر فِي هَذِه الْأَزْمِنَة، وَقد تقدّمت الْأَحَادِيث، وَأَنَّهَا قَليلَة جدا، بل كلهَا آحَاد إِمَّا فِي أَولهَا وَإِمَّا فِي آخرهَا وَإِمَّا من أول إسنادها إِلَى آخِره.