الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي غسل نَجَاسَة كلب} .
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَإِن كَانَ السَّبَب وَاحِدًا، فَإِن كَانَ حمله على أَحدهمَا أرجح من الآخر بِأَن كَانَ الْقيَاس فِيهِ أظهر قيد بِهِ؛ لِأَن الْعَمَل بِالْقِيَاسِ الأجلى أولى، فَإِن تساوى عمل بالمطلق ويلغى القيدان كالبينتين إِذا تَعَارَضَتَا فَإِن الْأَرْجَح فيهمَا التساقط، وَكَانَ كمن لَا بَيِّنَة هُنَاكَ.
وَقَالَ فِي " الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة ": وَأما إِذا أطلقت الصُّورَة الْوَاحِدَة، ثمَّ قيدت تِلْكَ الصُّورَة بِعَينهَا بقيدين متنافيين، كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم َ -: "
إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فليغسله سبع مَرَّات " وَورد فِي رِوَايَة: " إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ "، وَفِي رِوَايَة: " أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ "، وَفِي أُخْرَى: " السَّابِعَة بِالتُّرَابِ ". رَوَاهَا أَبُو دَاوُد، وَهِي معنى: " وعفروه الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ "، قيل: إِنَّمَا سميت ثامنة لأجل
اسْتِعْمَال التُّرَاب مَعهَا.
فَلَمَّا كَانَ القيدان متنافيين تساقطا، ورجعنا إِلَى الْإِطْلَاق فِي إِحْدَاهُنَّ فَفِي أَي غسلة جعل جَازَ، إِذا أَتَى عَلَيْهِ من المَاء مَا يُزِيلهُ ليحصل الْمَقْصُود
مِنْهُ، لَكِن اخْتلف فِي الْأَوْلَوِيَّة على أَقْوَال عندنَا:
أَحدهَا: أَن إِحْدَى الغسلات لَيْسَ بِأولى من غَيرهَا، وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْمُوفق فِي " الْمقنع "، وَجَمَاعَة كَثِيرَة، وَهُوَ مُوَافق لما قُلْنَا أَولا، وَهُوَ التساقط وَالرُّجُوع إِلَى الْإِطْلَاق.
وَعنهُ: الأولى أَن يكون التُّرَاب فِي الأولى، وَهَذَا قطع بِهِ فِي " الْمُغنِي "، و " الشَّرْح "، و " الْكَافِي "، و " النّظم "، و " الْحَاوِي الصَّغِير "، وَغَيرهم، وَاخْتَارَهُ جمَاعَة كَثِيرَة، وَهُوَ الْمَذْهَب على المصطلح.
وَعنهُ: إِن غسلهَا ثمانيا، فَفِي الثَّامِنَة، جزم بِهِ ابْن تَمِيم، وَاخْتَارَهُ أَيْضا جمَاعَة.
وَعنهُ: الْأَخِيرَة أولى.
وَلَعَلَّ من اخْتَار غير الْإِطْلَاق بِدَلِيل غير ذَلِك فيترجح عِنْده التَّعْيِين على الْإِطْلَاق للدليل الْخَارِج، وَالله أعلم.
وَقَوْلنَا: وَإِن اتَّحد السَّبَب وتساويا، احْتِرَاز مِمَّا إِذا كَانَ أَحدهمَا أرجح قِيَاسا، فَإِنَّهُ يعْمل بِهِ، وَقد تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي كَلَام الْبرمَاوِيّ.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: مَا ذكر فِي مَسْأَلَة اتِّحَاد السَّبَب إِذا لم يكن أولى بِأحد القيدين من طرحهما.
وَالْعَمَل بالمطلق، هُوَ مَا أجَاب بِهِ الْقَرَافِيّ لبَعض الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله إِن الشَّافِعِيَّة خالفوا قاعدتهم فِي حمل الْمُطلق على الْمُقَيد فِي حَدِيث الولوغ فَإِنَّهُ قد جَاءَ:" إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ " وَهُوَ مُطلق، وَجَاء فِي رِوَايَة:" أولَاهُنَّ "، فِي رِوَايَة:" أخراهن " فهما قيدان متنافيان فَلم يحملوا وجوزوا التَّرْتِيب فِي كل من السَّبع، فَقَالَ لَهُ الْقَرَافِيّ: ذَلِك إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يكون قيدا وَاحِدًا، أما فِي القيدين فَيعْمل بالمطلق.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَمَا ذكره، هُوَ مَا جرى عَلَيْهِ أَصْحَابنَا فِي الْفِقْه من عدم تعْيين شَيْء من السَّبع، وَقَالُوا: التتريب فِي الأولى أولى، لَا وَاجِب.
لَكِن نَص الشَّافِعِي فِي " الْأُم " على تعْيين الأولى، أَو الْأَخِيرَة، وَكَذَا نَص فِي " مُخْتَصر الْبُوَيْطِيّ " أَنه يعْمل بالقيدين على معنى أَن الْوَاجِب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه، وَأَحَدهمَا قدر مُشْتَرك، وَفَائِدَته دفع الْخَمْسَة المتوسطة بَين الأولى والأخيرة.
وَبحث السُّبْكِيّ أَنه يجب فِي كليهمَا؛ لوُرُود الحَدِيث فيهمَا وَلَا تنَافِي فِي الْجمع بَينهمَا.
ورد: فنص الشَّافِعِي مُخَالف لما قَالَه أَصْحَابه.
لَكِن ورد عَنهُ نَص بموافقتهم.
قَوْله: تَنْبِيه:
يحمل {الأَصْل فِي الْأَصَح} كالوصف، حمل الْمُطلق على الْمُقَيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَصْف مُتَّفق عَلَيْهِ كوصف الرَّقَبَة فِي الْقَتْل وَنَحْوه بِالْإِيمَان، وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأَصْل أَي الْمَحْذُوف بِالْكُلِّيَّةِ كالإطعام فَإِنَّهُ مَذْكُور فِي كَفَّارَة الظِّهَار دون كَفَّارَة الْقَتْل.
قَالَ فِي " الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة ": فَظَاهر كَلَام أَصْحَابنَا يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد فِي الأَصْل كَمَا حمل عَلَيْهِ فِي الْوَصْف؛ لأَنهم حكوا فِي كَفَّارَة الْقَتْل فِي وجوب الْإِطْعَام رِوَايَتَيْنِ: الْوُجُوب إِلْحَاقًا بكفارة الظِّهَار، كَمَا حكوا رِوَايَتَيْنِ فِي اشْتِرَاط وصف الْإِيمَان فِي كَفَّارَة الظِّهَار، والاشتراط إِلْحَاقًا بكفارة الْقَتْل، فَدلَّ هَذَا من كَلَامهم لَا فرق فِي الْحمل بَين الأَصْل وَالْوَصْف.
وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهُ لَا فرق فِي الْحمل بَين الأَصْل وَالْوَصْف ابْن خيران من الشَّافِعِيَّة، وَلَكِن قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي " الْبَحْر ": المُرَاد بِحمْل الْمُطلق على الْمُقَيد إِنَّمَا هُوَ الْمُطلق بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَصْف دون الأَصْل.
قلت: الصَّحِيح من الْمَذْهَب، وَعَلِيهِ أَكثر الْأَصْحَاب أَنه لَا يجب الْإِطْعَام فِي كَفَّارَة الْقَتْل، وَفِي هَذَا تَنْبِيه أَنه لَا يحمل الأَصْل، بل الْحمل مَخْصُوص بِالْوَصْفِ، لَكِن فِي الْمَذْهَب رِوَايَة عَن أَحْمد أَنه يجب الْإِطْعَام، وَاخْتَارَهُ كثير من الْأَصْحَاب، كصاحب " الْمُحَرر " وَغَيره، فعلى هَذَا يحمل كالوصف.
وَأما مَسْأَلَة الْإِيمَان فِي الرَّقَبَة الْوَاجِبَة فِي الظِّهَار، [و] كَفَّارَة الْوَطْء فِي رَمَضَان فَالصَّحِيح من الْمَذْهَب اشْتِرَاط الْإِيمَان فِي الْكل، وَعَلِيهِ مُعظم الْأَصْحَاب، وَقطع بِهِ كثير مِنْهُم.
وَلنَا رِوَايَة ضَعِيفَة إِجْزَاء الرَّقَبَة الْكَافِرَة فِي الظِّهَار، وَالْوَطْء فِي رَمَضَان، وَالْيَمِين، اخْتَارَهَا أَبُو بكر من أَصْحَابنَا، وَهَذِه هِيَ الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة وَهِي مَا إِذا اتَّحد الحكم وَاخْتلف السَّبَب فَقِيَاس صَاحب الْقَوَاعِد الْمَسْأَلَة الأولى على هَذِه فِيهِ نظر، بل الحكم مُخْتَلف فيهمَا على الصَّحِيح من الْمَذْهَب.
وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: يشْتَرط فِيمَا إِذا اخْتلف السَّبَب واتحد الحكم أَن يُقيد الْمُقَيد صفة، نَحْو تَقْيِيد الرَّقَبَة بِالْإِيمَان، لَا ذاتا كالإطعام فِي كَفَّارَة الْقَتْل فَلَا يحمل على الظِّهَار فِي وُجُوبه عِنْد تعذر صَوْم الشَّهْرَيْنِ على أصح قولي الشَّافِعِي، وكحمل التَّيَمُّم فِي الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة على الْوضُوء فِي ذَلِك، بل يقْتَصر على الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: وَكَذَا حمل إِطْلَاق الْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّم على قيد الْمرَافِق فِي الْوضُوء؛ لِأَن ذَلِك صفة فِي الْيَدَيْنِ، لَا أصل مُسْتَقل كَمَا فِي الرَّأْس وَالرّجلَيْنِ. انْتهى.
وَمِنْهُم من منع من ذَلِك؛ لِأَنَّهُ فِي ذَات الساعدين زِيَادَة على الكوعين.
ذكر هَذَا الشَّرْط كثير من الشَّافِعِيَّة، وَنَقله الْمَازرِيّ عَن الْأَبْهَرِيّ من الْمَالِكِيَّة وَنقل كَلَام ابْن خيران.