الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ بَعضهم: أَن لَا إِجْمَال فِيهِ لقِيَام الدَّلِيل على أَن المُرَاد بِهِ الزَّوْج.
وَالظَّاهِر أَنه مُجمل لَكِن بَين.
قَوْله: {وَفِي مرجع الضَّمِير} فِي نَحْو: ضرب زيد عمرا وأكرمني، يحْتَمل أَن يعود الضَّمِير الَّذِي فِي أكرمني إِلَى زيد، وَإِلَى عَمْرو وَهُوَ الْأَقْرَب.
وَفِي قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": " لَا يمنعن جَار جَاره أَن يغرز خَشَبَة فِي جِدَاره " يحْتَمل عوده على الغارز، أَي: لَا يمنعهُ جَاره أَن يفعل ذَلِك فِي جِدَار نَفسه، وعَلى هَذَا فَلَا دلَالَة فِيهِ على القَوْل إِنَّه إِذا طلب جَاره مِنْهُ أَن يضع خَشَبَة على جِدَار الْمَطْلُوب مِنْهُ وَجب عَلَيْهِ التَّمْكِين
.
وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي " مُخْتَصر الْبُوَيْطِيّ "، وَقواهُ النَّوَوِيّ.
وَيحْتَمل أَن يعود على الْجَار الآخر فَيكون فِيهِ دلَالَة على ذَلِك.
وَرجح بَعضهم الأول؛ لموافقته لقواعد الْعَرَبيَّة فِي عود الضَّمِير إِلَى أقرب مَذْكُور، وَالَّذِي عَلَيْهِ إمامنا، وأصحابنا أَن الضَّمِير إِنَّمَا يعود إِلَى الْجَار لَا إِلَى الغارز، وَهُوَ الظَّاهِر، ورجوعه إِلَى الغارز ضَعِيف.
وَفِي الحَدِيث مَا يدل على ذَلِك لقَوْل أبي هُرَيْرَة: (مَا لي أَرَاكُم عَنْهَا معرضين؛ وَالله لأرمين بهَا بَين أظْهركُم) وَلَو كَانَ ذَلِك عَائِدًا إِلَى الغارز لما قَالَ ذَلِك.
قَوْله: {وَفِي مرجع الصّفة كزيد طَبِيب ماهر} ، يحْتَمل أَن يعود ماهر إِلَى طَبِيب، يَعْنِي طَبِيبا ماهرا فِي طبه، وَيحْتَمل أَن يعود ماهر إِلَى زيد، أَي: زيد ماهر، فَيحْتَمل أَن يعود إِلَى ذَات زيد، وَيحْتَمل أَن يعود إِلَى وَصفه الْمَذْكُور، وَهُوَ طَبِيب.
وَلَا شكّ أَن الْمَعْنى متفاوت باعتبارهما وَإِن كَانَ بَينهمَا فرق، فَإِن أعدنا (ماهرا) إِلَى طَبِيب فَيكون ماهرا فِي طبه، وَإِن أعدنا إِلَى زيد فَتكون مهارته فِي
غير الطِّبّ وَهُوَ الْمُجْمل بِاعْتِبَار التَّرْكِيب، صرح بِهِ الْبرمَاوِيّ، وَغَيره.
وَأما الكوراني فَقَالَ: وَكَذَا زيد طَبِيب ماهر؛ إِذْ المستكن فِي ماهر مُمكن عوده إِلَى زيد وَإِلَى طَبِيب.
فعلى مَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِي يعود إِلَى طَبِيب؛ فتنحصر مهارة زيد فِي الطِّبّ. انْتهى.
وَهَذَا الْمِثَال لَيْسَ من كَلَام الله، وَلَا من سنة رَسُول الله، وَهُوَ من كَلَام الْعَرَب.
قَوْله: {وَفِي تعدد الْمجَاز عِنْد تعذر الْحَقِيقَة} ، إِذا كَانَت المجازات متكافئة وَمَعَ مَانع من حمله على الْحَقِيقَة.
قَوْله: {وعام خص بِمَجْهُول} ، مِثَال الْعَام الْمَخْصُوص بِمَجْهُول: اقْتُلُوا الْمُشْركين إِلَّا بَعضهم، وَقد تقدم ذَلِك فِيمَا إِذا خص الْعَام بِمَجْهُول، هَل يكون حجَّة، وَإِذا خص بِمَجْهُول صَار الْبَاقِي مُحْتملا فَكَانَ مُجملا.
مِثَال الْمُسْتَثْنى الْمَجْهُول، نَحْو:{إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم} [الْمَائِدَة: 1] .
قَالَ الْبرمَاوِيّ: قَوْله: {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم} فَإِنَّهُ قد اسْتثْنى من الْمَعْلُوم مَا لم يعلم فَصَارَ الْبَاقِي مُحْتملا فَكَانَ مُجملا. انْتهى.
وَمِثَال الصّفة المجهولة، نَحْو:{محصنين} مُوجب الْإِجْمَال فِي {وَأحل لكم} إِلَى قَوْله: {أَن تَبْتَغُوا بأموالكم} [النِّسَاء: 24] والإحصان غير مُبين؛ لِأَنَّهُ صفة مَجْهُول.
قَوْله: {وَالْوَاو، وَمن} ، الْوَاو فِي قَوْله تَعَالَى:{والراسخون [فِي الْعلم] يَقُولُونَ آمنا بِهِ} [آل عمرَان: 7] يحْتَمل أَن تكون عاطفة، وَيكون الراسخون فِي الْعلم يعلمُونَ تَأْوِيله، وَيحْتَمل أَن تكون مستأنفة فَتكون للاستئناف، وَيكون الْوَقْف على (إِلَّا الله) ، وَقد تقدم الْكَلَام على ذَلِك مُسْتَوفى فِي أَوَاخِر الْكَلَام على الْكتاب الْعَزِيز.
وَأما (من) فلهَا معَان، وَتَأْتِي فِي بعض الْأَمَاكِن مُحْتَملَة لمعان فَتكون مجملة، فَإِنَّهَا تصلح للتَّبْعِيض، وَابْتِدَاء الْغَايَة، وَالْجِنْس وَنَحْوهَا.
والمجمل حصره فِي الْأَمْثِلَة عسر، وَلَكِن الفطن يعلم ذَلِك بالتتبع مَعَ الِاحْتِمَالَات، وَالله أعلم.
تَنْبِيه: حَيْثُ كَانَ الْمُجْمل فِي مُشْتَرك أَو فِي حَقِيقَة ومجاز، أَو فِي مجازين فإجماله حَيْثُ لم يحمل على معنييه، أَو مَعَانِيه، فَأَما إِذا حمل على ذَلِك فَلَا إِجْمَال على مَا تقدم فِي أثْنَاء الْعَام.
قَوْله: {لَا إِجْمَال فِي إِضَافَة التَّحْرِيم إِلَى الْعين، ك {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} [الْمَائِدَة: 3] و {أُمَّهَاتكُم} [النِّسَاء: 23] ، هَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَعَلِيهِ أَكثر الْعلمَاء أَكثر أَصْحَابنَا وَأكْثر الشَّافِعِيَّة، وَغَيرهم.
وَخَالف فِي ذَلِك القَاضِي أَبُو يعلى، وَأَبُو الْفرج الْمَقْدِسِي من أَصْحَابنَا، وَبَعض الشَّافِعِيَّة وَأكْثر الْحَنَفِيَّة، الْكَرْخِي وَغَيره، وَأَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ.
وَاسْتدلَّ للْمَذْهَب الأول - وَهُوَ الصَّحِيح - أَن تَحْرِيم الْعين غير مُرَاد؛ لِأَن التَّحْرِيم إِنَّمَا يتَعَيَّن بِفعل الْمُكَلف، فَإِذا أضيف إِلَى عين من الْأَعْيَان يقدر الْفِعْل الْمَقْصُود مِنْهُ، فَفِي المأكولات يقدر الْأكل، وَفِي المشروبات الشّرْب، وَفِي الملبوسات اللّبْس، وَفِي الموطوءات الْوَطْء، فَإِذا أطلق أحد هَذِه الْأَلْفَاظ سبق الْمَعْنى المُرَاد إِلَى الْفَهم من غير توقف فَتلك الدّلَالَة متضحة لَا إِجْمَال فِيهَا.
وَاسْتدلَّ للْمَذْهَب الثَّانِي أَن إِسْنَاد التَّحْرِيم إِلَى الْعين لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ فَلَا بُد من تَقْدِيره، وَهُوَ مُحْتَمل لأمور لَا حَاجَة إِلَى جَمِيعهَا، وَلَا مُرَجّح لبعضها فَكَانَ مُجملا.
قُلْنَا: الْمُرَجح مَوْجُود، وَهُوَ الْعرف فَإِنَّهُ قَاض بِأَن المُرَاد فِي الأول تَحْرِيم الْأكل وَنَحْوه، وَفِي الثَّانِي تَحْرِيم الِاسْتِمْتَاع بِوَطْء وَنَحْوه.
وَلِأَن الصَّحَابَة احْتَجُّوا بظواهر هَذِه الْأُمُور وَلم يرجِعوا إِلَى غَيرهَا، فَلَو لم تكن من الْمُبين لم يحتجوا بهَا.
قَوْله: {وَهُوَ عَام عِنْد القَاضِي، وَابْن عقيل، والحلواني، وَالْفَخْر، وَغَيرهم} .
تقدم ذكر ذَلِك فِي دلَالَة الِاقْتِضَاء، والإضمار، فنحو:{حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} وَنَحْوه من الْأَمْثِلَة، إِن دلّ دَلِيل على تَقْدِير شَيْء من المحتملات بِعَيْنِه فَذَاك سَوَاء كَانَ الْمُقدر عَاما فِي أُمُور كَثِيرَة، أَو خَاصّا مُقَدّر.
وَإِن لم يدل دَلِيل على تعْيين شَيْء لَا عَام، وَلَا خَاص مَعَ احْتِمَال أُمُور مُتعَدِّدَة لم يتَرَجَّح بَعْضهَا، فَهَل تقدر المحتملات كلهَا، وَهُوَ المُرَاد بِالْعُمُومِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، أَو لَا؟
ذكر ذَلِك الْبرمَاوِيّ فِي دلَالَة الْإِضْمَار.
قَالَ ابْن مُفْلِح: وَذكر أَبُو الطّيب الْعُمُوم عَن قوم من الْحَنَفِيَّة.
قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ: لَا إِجْمَال فِي {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} ؛ لِأَن الْعرف دلّ على التَّعْمِيم فَيتَنَاوَل العقد وَالْوَطْء.
وَقَالَ فِي الْعَام: الْعرف دلّ على أَن المُرَاد تَحْرِيم الاستمتاعات الْمَقْصُودَة من النِّسَاء من الْوَطْء ومقدماته.
وَقيل: الْعُمُوم من بَاب الِاقْتِضَاء؛ لِاسْتِحَالَة تَحْرِيم الْأَعْيَان فيضمر مَا يَصح بِهِ الْكَلَام، وَيجْرِي فِيهِ الْخلاف فِي عُمُوم الْمُقْتَضى.
وَقد يتَرَجَّح هَذَا بقَوْلهمْ: الْإِضْمَار خير من النَّقْل. انْتهى.
وَهَذَا مُرَاد ابْن مُفْلِح بقوله: إِنَّه عَام عِنْد جمَاعَة، وَهُوَ الَّذِي قدمه وقدمناه، {و} أَيْضا {عِنْد أبي الْخطاب، والموفق، والمالكية} وَجَمَاعَة من الْمُعْتَزلَة {ينْصَرف إِطْلَاقه فِي كل عين إِلَى الْمَقْصُود اللَّائِق بهَا} ؛ لِأَنَّهُ متبادر لُغَة أَو عرفا، نقل هذَيْن الْقَوْلَيْنِ ابْن مُفْلِح فِي أُصُوله وَلم أرهما على هَذِه الصّفة لغيره وتابعته على ذَلِك.
{وَعند أَكثر الْمُتَكَلِّمين لَا عُمُوم لَهُ} ، لَا أعلم الْآن من أَيْن نقلت هَذَا عَن أَكثر الْمُتَكَلِّمين، فيتتبع.
قَوْله: {وَقَالَ التَّمِيمِي، وَالشَّافِعِيَّة: وصف الْعين بِالْحلِّ وَالْحُرْمَة مجَاز} ، فَدلَّ على أَن الْمُقدم أَنه تُوصَف الْعين بهما حَقِيقَة، وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَبنَا، وَمذهب الْحَنَفِيَّة، وَنَقله الْبرمَاوِيّ عَنْهُم فِي كَلَامه على الرُّخْصَة، وَنَقله أَيْضا عَن الْمُعْتَزلَة وَقَالَ: ويعزى للحنفية.
وَنَصره ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله "، وَقَالَ: رد قَول من منع ذَلِك، بل تُوصَف الْعين بِالْحلِّ، والحظر حَقِيقَة فَهِيَ محظورة علينا، ومباحة كوصفها بِطَهَارَة، ونجاسة، وَطيب، وخبث، فالعموم فِي لفظ التَّحْرِيم.
وَقَالَ التَّاج السُّبْكِيّ فِي " قَوَاعِده ": قَالَ أَئِمَّتنَا فِي طوائف أهل السّنة: إِن الْحل وَالْحُرْمَة، وَالطَّهَارَة، والنجاسة، وَسَائِر الْمعَانِي الشَّرْعِيَّة لَيست من صِفَات الْأَعْيَان، فَإِذا قُلْنَا: هَذَا حَلَال، أَو حرَام، أَو طَاهِر، أَو نجس فَلَيْسَ ذَلِك رَاجعا إِلَى نفس الذَّات، وَلَا إِلَى صفة نفسية قَائِمَة بهَا، بل هُوَ من صِفَات التَّعَلُّق، وَصفَة التَّعَلُّق لَا تعود إِلَى وصف فِي الذَّات، فَلَيْسَ معنى قَوْلنَا الْخمر، حرَام ذَاتهَا وَلَا تجرع الشَّارِب، إِيَّاهَا، وَإِنَّمَا التَّحْرِيم رَاجع إِلَى قَول الشَّارِع فِي النَّهْي عَن شربهَا، وذاتها لم تَتَغَيَّر.
وَهَذَا كمن علم زيدا قَاعِدا بَين يَدَيْهِ، فَإِن علمه وَإِن تعلق بزيد لم يُغير من صِفَات زيد وَلَا أحدث لزيد صفة ذَات.
وَذهب من ينتمي إِلَى أبي حنيفَة من عُلَمَاء الْكَلَام إِلَى أَن الْأَحْكَام