الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة خمس وتسعين وخمسمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم أربعة أذرع وعشرون أصبعا. مبلغ الزيادة اثنا عشر ذراعا وأحد وعشرون أصبعا.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين، نافذ الأمر، مستمر الحكم.
وفيها توفى الملك العزيز-رحمه الله-ليلة الحادى والعشرين من المحرم.
ذكر تملك المنصور بن الملك العزيز
هو ناصر الدين محمد الملك المنصور بن عماد الدين عثمان الملك العزيز بن السلطان صلاح الدين. وباقى نسبه قد تقدم.
كان ولى عهد أبيه فى حياته. فلما توفى والده، جلس بمملكة الديار المصرية فى تاريخ وفاة أبيه، وعمره يومئذ تسع سنين وشهورا.
وكان سبب وفاة الملك العزيز أنه خرج إلى الصيد بناحية الإسكندرية، وأمعن فى البرية لصيد الغزال، فساق، فتقنطر من على جواده. ثم عاد إلى منزلة الأهرام، فأقام بها ثلاثة أيام، وتوفى إلى رحمة الله تعالى. وكان ملكا جوادا، سمحا، شجاعا، مقداما، صاحب رياسة وسياسة وعقل وافر، وتدبير حسن، كثير الحياء والعدل، والإنصاف والرفق، والإحسان إلى الرعية. وكانت الرعايا يحبونه محبة عظيمة.
وكان قبل وفاته قد تحركت الفرنج حركة عظيمة، وعزموا على أخذ الساحل من المسلمين، مع الشام كله. وخرج الملك العادل إلى مقابلتهم. ونفّذ يطلب النجدة من العزيز، فسير إليه العساكر فى جمع كبير. ووصل إلى خدمته سنقر الكبير صاحب القدس، وميمون القصرى صاحب نابلس، وعدة أمراء ملوك. واجتمعوا ونزلوا
على تل العجول. ثم إن العادل نزل على يافا وحاصرها، وأخذها بالسيف عنوة، وقتل كل من كان بها، وغنم منها غنائم كثيرة. ثم إن الفرنج-خذلهم الله-نزلوا على تبنين فبادرهم حسام الدين سامه وتبعتهم الجيوش الإسلامية. فلما كان نصف الليل هربت الملاعين. ثم لم يزل الملك العادل يغزو فيهم حتى أقلقهم، وسألوا المهادنة، ووقعت الهدنة بينهم إلى مدة ثلاثة شهور بعد ثلاث سنين. ثم رحل العادل إلى الشرق، ونزل على ماردين، وأخذ ربضها، وكان بها نائبا يقال له نظام الدين.
وكان قد كتب إلى العادل يستدعيه لأخذها بعد موت عز الدين صاحبها، كما تقدم من الكلام فى ذلك. ثم إنه ندم على مكاتبة العادل، وسوّف، وظهر محاله وكذبه.
وسير العادل، وطلب العساكر من الملوك أولاد أخيه، فحضروا إليه وجدّ فى حصار ماردين. ثم وقع فى الخيل مرض الطابق. ولم يزل يجد فى أمر الحصار حتى فتحها وعاد إلى الشام.
وفيها توفى الملك العزيز سيف الإسلام [ظهير الدين] طغتكين صاحب اليمن.
وفيها توفى الأمير نجم الدين النورى صاحب شغربكاس والشقيف، وهذه الحصون كان أنعم عليه بها السلطان صلاح الدين-أستاذه-فى حال حياته.
ولما استقر الملك المنصور بن العزيز بالمملكة-وهو إذ ذاك طفل-نفذ إلى عمه الملك الأفضل فأحضره من صرخد، وجعله أتابك جيوشه، خوفا من العادل عم أبيه.
وقيل إن ذلك كان بوصية من العزيز له.
وكان دخول الأفضل القاهرة فى شهر ربيع الأول. وفى يوم وصوله إلى بلبيس ورحيله متوجها إلى القاهرة انفصل أياز جهاركس، وسرا سنقر، وقراجا الكبير، من الخدمة بديار مصر، وتوجهوا إلى القدس، وأقاموا به عاصين على الأفضل، وكاتبوا الملك العادل.
وفيها عزل القاضى زين الدين عن الحكم.
وفيها توجه ألطنبا الجحاف مع جماعة من الأمراء المصريين إلى الشام، ولحقوا بمن تقدمهم.
وفيها تجهز الأفضل، وخرج بالعساكر المصرية إلى الشام، لمحاصرة عمه العادل.
وفيها قبض [الأفضل] على أخيه المؤيد [مسعود] مع جماعة من الأمراء المصريين، وأودعهم الاعتقال.
وقيل إن العادل كان بالشرق، وولده الكامل بدمشق. فلما بلغ العادل توجّه الأفضل من الديار المصرية إلى نحو الشام، خشى على ولده، وأن تؤخذ دمشق، فساق فى خيل يسيرة جريدة، فوصل فى إحدى عشر يوما. ودخل دمشق قبل وصول أحد إليها، وأمر الكامل أن يتوجه إلى الشرق، ويكون على يقظة من أمره، وذلك فى ثالث شعبان من هذه السنة. ثم إن الأفضل زحف إلى دمشق، وجرى بينهما قتال عظيم، وحرب شديد، وقتل من الفئتين خلق كثير. واستظهر الأفضل، ولم يبق إلا أخذ دمشق، وتحصّن العادل بالقلعة. ثم إن عسكر الأفضل تفرق، ودخلوا دمشق من عدة أماكن، وتفرقوا للنهب، فنزلت الأمراء العادلية،
والملك العادل بنفسه، وغلقوا أبواب دمشق. ووقع السيف فى جماعة عسكر الأفضل ممن دخل دمشق، فقتل جماعة كبيرة، وعرّوا الباقى وأطلقوهم، فعند ذلك تأخر الأفضل ونزل الكسوة، وعاد العادل محصورا طول بقية هذه السنة.
وفيها كان بمصر غلاء شديد، بلغ القمح فيها ثمانين درهما الأردب، والشعير والفول أربعين درهما.