الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى دمياط، وتمتد الأخرى على النيل إلى الجزيرة، يمنعا من عبور المراكب إلى بحر النيل من المالح. فملكوه الملاعين فى التاريخ المقدم.
وفيها توفى السلطان الملك العادل-رحمه الله-حسبما يأتى من ذكره فى موضعه، إن شاء الله تعالى.
وفيها توفى الملك القاهر عز الدين صاحب الموصل، وهو عز الدين مسعود ابن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكى بن آقسنقر. وكانت وفاته لثلاث بقين من شهر جمادى الأولى. وكانت مدة ملكه سبع سنين وتسعة أشهر. وانقرض بانقراضه البيت الأتابكى، رحمهم الله تعالى.
ذكر وفاة السلطان الملك العادل
توفى إلى رحمة الله تعالى سابع جمادى الآخرة من هذه السنة، وله من العمر ست وسبعون سنة وأشهر. وملك دمشق فى سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، فكانت مدة ملكه دمشق ثلاث وعشرون سنة. وملك مصر سنة ست وتسعين وخمسمائة، فكانت مدة ملكه بمصر والشام والشرق تسع عشرة سنة. وخلف من الأموال والفصوص والجواهر ما قيمته سبعمائة ألف دينار، خارجا عن الضياع والكراع.
وخلف فى الكرك مثلى ذلك، لكن احتوى عليه الملك الحافظ ولده، فإنه كان نائبا للسلطان والده بالكرك. وكان للسلطان الملك العادل خمس عشر ولدا وقيل سبعة عشر ذكرا، خارجا عن البنات وهم: الملك الأوحد [أيوب] نجم الدين صاحب أخلاط، والملك الفائز شمس الدين إبراهيم، والملك المغيث تقى الدين عمر، والملك المعظم شرف الدين عيسى صاحب دمشق، والملك العزيز عماد الدين عثمان، والملك الأمجد مجد الدين حسن، والملك الأشرف مظفر الدين موسى، والملك المعز
مجير الدين يعقوب، والملك الصالح عماد الدين إسماعيل أبو الجيش، والملك المفضل قطب الدين أحمد، والملك الأمجد تقى الدين عباس-وهو أصغرهم مولدا وآخرهم موتا-توفى سنة تسع وستين وستمائة، والملك الحافظ نور الدين أرسلان شاه، صاحب قلعة جعبر. وتاج الملوك إسحاق، والملك المظفر صاحب ميافارقين شهاب الدين غازى، أدرك هلاوون وفتحه بغداد. والملك الجواد شمس الدين داود -توفى فى حياة أبيه-وخلف ولده الملك الجواد أيضا الذى ملك دمشق. والسلطان الملك الكامل ناصر الدنيا والدين محمد صاحب مصر أعلاهم ملكا وأسماهم رتبة، وصاحب السكة والخطبة.
وفيها التقى الملك المعظم الفرنج فى جمادى الآخرة على القيمون، فنصر الله الإسلام على عبدة الصلبان، ببركات النبى عليه السلام. وقتل من الفرنج خلق كثير، وأسر من فرسان الديوية مائة فارس، وعبر بهم إلى القدس وأعلامهم منكسة.
وفيها اجتمعت سائر ملوك الفرنج ونازلوا ثغر دمياط. وعادت الأمداد تمدهم أولا فأولا. أجمعت الرواة من أرباب التواريخ أن الحرب لم تزل بين الفريقين، ليلا ونهارا، وصباحا ومساءا، مدة أربع سنين متوالية، حتى عادوا أولاد المسلمين وأولاد الفرنج الصغار يخرجون ويتصاففون، ويأسرون بعضهم البعض، ثم يتفادون فيما بينهم. فبينما الملك الكامل فى أشد الأمر من حرب الفرنج، إذ ورد عليه الخبر بموت السلطان والده الملك العادل. وكان من جملة الأمراء الكبار أمير يقال له عماد الدين ابن المشطوب، وكان ملك الأكراد. فلما بلغه موت السلطان أفسد قلوب جماعة
من الأمراء على الملك الكامل، وقال:«هذا صبى خفيف، ولا يأتينا منه خير» .
فلما بلغ الكامل ذلك خشى على نفسه، وهرب من ليلته مع جماعة يلوذون به من خاصته، ونزل المنصورة. وأصبحت العساكر فلم يجدوا السلطان بالدهليز، فتسحبوا أولا فأولا، وكانت كسرة عظيمة، لولا لطف الله عز وجل وعنايته بهذه الأمة. وأن الافرنج-خذلهم الله-لما لم يجدوا من يقاتلهم، ولا من يمانعهم، تقدموا إلى وطاقات المسلمين، ونهبوا الأموال والعدد والسلاح. وقد كان كل أحد من المسلمين قد أخذ ما خف حمله عليه، وترك ما ثقل. وكان الملك الكامل نوى أن يقصد اليمن، ويترك ديار مصر للعدو، فأبى الله إلا عوائده الجميلة على هذه الأمة المنصورة، وأن يكون الأعداء هم العصابة المكسورة. فلم يصبح الصباح إلاّ والملك المعظم صاحب الشام بجيوشه، وقد صبّحه. فخرج الملك الكامل وتلقاه، واعتنقا وبكيا. ثم إنه شكا إليه ابن المشطوب، وما فعله ونواه، فحلف المعظم أنه لا ينزل عن فرسه حتى ينفيه من الديار المصرية. وكان عسكر الديار المصرية فى ذلك الوقت أكثره أكراد، وابن المشطوب ملكهم. ثم إن المعظم لم يزل راكبا حتى مرّ بخيمة ابن المشطوب، فقام إليه وتلقاه. فقال له المعظم:«اركب والحقنى، حتى نتفق على أمر تكون فيه المصلحة، فرأيك المبارك» . فتوهم ابن المشطوب أن المعظم مائل إلى ملك مصر، وأنه طلبه ليتفق معه على نزع الكامل من الملك. فركب ابن المشطوب حافيا بغير خفّ لعجلته، ولا سيف. فلما لحق به قال:«أريد نخرج ونبعد ونتحالف على أمر يكون فيه صلاح المسلمين» . فقوى ظن ابن المشطوب، ولم يزل يحادثه إلى أن بعد عن وطاقه. ثم إن المعظم أمر أن يركب خمسين مملوكا من أجلاد مماليكه، وجعل عليهم عشرة من بنى أيوب، ويلحقون به. فلما لحقوا به، التفت إلى ابن المشطوب، وقال:«يا عماد الدين! هذه الديار المصرية لنا أو لك؟» . فقال ابن المشطوب:
«الله! الله! يا خوند! أنا مملوك بنى أيوب» . فقال المعظم: «نحن ما عدنا نريدك تبلى
بغيرنا ولا تبلى بنا». ثم أمرهم أن يأخذوه من ساعته، ويوصلوه إلى غزة. ثم رجع المعظم إلى خيمته، وكذلك الملك الكامل، وقوى أمره، وثبت ملكه.
وأمّا الفرنج فإنهم فى تلك الليلة أشرفوا على أخذ ثغر دمياط، وأحاطوا بها، وجدوا فى حصارها. وانقطع عن أهل دمياط من كان يدخل إليهم من جواسيس المسلمين، وقلّ عندهم القوت، وذلك بسبب حركة ابن المشطوب. وتمكن الفرنج تمكنا عظيما فى حفرهم الخنادق بينهم وبين المسلمين، وبنوا الأسوار، وعملوا الستائر بالأخشاب، وأقاموا فيها الرّماة بالجروخ. وأما من كان من المسلمين بدمياط، فإنهم ضعفت أحوالهم، وضاقت حيلتهم، واشتد خوفهم، وصبروا صبر الكرام.
وأراد الملك الكامل أن يسيّر إليهم رسولا، فلم يقدر على ذلك لحفظهم الملاعين البر والبحر. وكان عند الملك الكامل جندارا من قرية من ضياع حماه، يقال لها معرذفتين، اسمه شمائل، فتوصل إلى أن صار جندارا فى الركاب. فحضر بين يدى السلطان الملك الكامل، وسأل أن يكون رسولا إلى أهل دمياط، فكان يغطس فى البحر، ويطلع من البر الآخر، ويخاطر بنفسه، ويعبر دمياط، ويدخل بين مراكب الفرنج. ويجتهدوا كل الاجتهاد على أخذه، فلم يقدروا على ذلك. ودخل دمياط عدة طرق فى تلك الأيام التى لا كان الطير يطيق العبور بها؛ لاحتياط الملاعين بها، فأحسن السلطان إليه، وجعله برددارا. ثم أعطاه إقطاعا وجعله جنديا فى العدة.
ثم جعله مقدما فى الحلقة السلطانية وهو مع ذلك واقف على قدم الاجتهاد فى الخدمة والمناصحة. فأوعده السلطان وقال: «متى فتح الله تعالى علينا بكسر هذا العدو ورجعنا إلى القاهرة جعلتك من الناس» . فلما فتح الله على المسلمين، واستعادوا دمياط -بعد [أن] أقامت بأيدى الفرنج ثلاث سنين-ورجع السلطان إلى القاهرة،
أمّر شمائل طبلخاناه بأربعين طواشيا، وولاه القاهرة. وهو الذى بنى الخزانة التى [عند] سور باب زويلة، المعروفة به، كفى الله شرها. وكان بين المسلمين وبين المشركين فى طول بقية هذه السنة وقائع متعددة إلى أن دخلت سنة ست عشرة وستمائة.