الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستشهد بقول ابن المعتز:
فكان ما كان مما لست أذكره
…
فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
وسبب تلويح ابن الأثير أن الخليفة الإمام الناصر أمير المؤمنين كان السبب فى دخول التتار البلاد لمكاتبته إياهم وتهوين الأمور عليهم، حسبما سقناه قبل ذلك، والله أعلم.
ذكر ما جرى بين الملكين السلطان علاء الدين
خوارزم شاه وجكزخان
وذلك أن السلطان علاء الدين لما اشتغل فكره بهؤلاء القوم وعلم أنهم يقصدونه ولا ينامون عنه، استشار الشيخ شهاب الدين [الخيوقى] وكان إماما عالما، فقال الشيخ:«الرأى أن تجمع العساكر، وتقصدهم قبل قصدهم إليك. ويكون نزولك على جانب النهر جيحون، فإنهم يأتون من بلاد بعيدة، تعاب، فتلقاهم وأنت مستريح» .
فجمع خوارزم شاه خواصه وملوكه، واستشارهم، فلم يوافقوا على ذلك، وصغروا أمرهم، وقالوا:«الرأى أن نقيم حتى يعدّى العدو ونأخذه فى هذه الجبال» . فبينا هم كذلك، إذ قدم عليهم رسول من جهة جكزخان، ومعه جماعة يقولون للسلطان خوارزم شاه:«يقول لك الملك نائب رب السماء جكزخان: تقتل تجارنا وتأخذ أموالنا بغير حقّ لك. اعتد للبلاء، واشتد للحرب» .
فلما سمع خوارزم شاه مقالتهم عظم عليه، وأمر بضرب رقابهم فضرب رقاب جماعة منهم،
وحلق لحى بقيتهم، وجدع أنافيهم وآذانهم، وجرّسهم، ورءوس القتلى فى أعناقهم. وطاف بهم فى سائر ممالكه. ثم ردهم إلى جكزخان. ثم جمع جيوشه وسار ستة أشهر إلى أن وصل إلى بيوت التتار، فلم يجدهم بها، فوجد النساء والأطفال والصبيان، فأوقع بهم وسباهم، ورجع. وكان سبب غيبة التتار عن بيوتهم أنهم قصدوا ملكا من ملوك الترك، يقال له كشلوخان، فكسروه وغنموا أمواله، ثم عادوا إلى بيوتهم. فوصل إليهم الخبر بما جرى عليهم من خوارزم شاه، فلحقوه قبل خروجه من أرضهم، وتصافف العسكران، واقتتلوا قتالا لم يعهد مثله منذ أول زمان، وإلى ذلك التاريخ. وأقام السيف يعمل ثلاثة أيام بلياليها، ليلا ونهارا، إلى أن قتل من الفريقين ما لا يعلمه إلا الله عز وجل. وكلّوا الطائفتين من القتال، وعدم صبرهم من الجوع والعطش والتعب، ووقفت خيولهم من الجولان. والذى اتفقت عليه أرباب التاريخ، أن هذه الوقعة لم يحضرها جكزخان، بل كان المقدم ولده بيشخان.
فلما كانت الليلة الرابعة، افترقت كل طائفة عن الأخرى، ونزل كل ملك مقابل الآخر. فلما أظلم الليل، أوقدت التتار نيرانهم، وتركوها، وساروا طالبين ديارهم. وكذلك فعل المسلمون أيضا، لأن كل طائفة من الفريقين عجزت عن الأخرى. ثم عاد التتار وقد عدم منهم خلق لا يحصى عددهم إلا الله تعالى.
والذى قتل من المسلمين-ما أجمعوا عليه أرباب التاريخ-مائة ألف وعشرين ألف.
ورجع خوارزم شاه إلى بخارا، وبلغه أن جكزخان لم يكن حاضرا هذه الوقعة مع كبار مغله، فتحقق أنه لا له قبل بهم، فاعتد للحصار لما علم من عجزه عنهم. وجمع الذخائر فى القلاع الحصينة، وجعل فى بخارا ثلاثين ألف مقاتل، وفى سمرقند خمسين ألفا،