الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة اثنين وتسعين وخمسمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم ستة أذرع وسبعة وعشرون أصبعا. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وثمانية عشر أصبعا.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين، نافذ الأمر، مستمر الأحكام فى أقطار ممالك الإسلام، خلا الغرب فإن [يعقوب بن يوسف بن] عبد المؤمن فيه، يدعى بأمير المؤمنين.
وفى أول هذه السنة عزل القاضى ابن عصرون.
وفيها استعلت كلمة الملك العزيز، واجتمعت عليه الأمراء الكبار.
وقيل فى هذه السنة كان أخذ دمشق من الملك الأفضل، وتسليمها للملك العادل، وهو الصحيح.
وذلك أن الأمراء لما قووا عزم العزيز على أخذ دمشق، وتوجه لأخذها من الأفضل، وعلم الأفضل أن لا قبل له بالعزيز، سير إليه يبذل له الأموال، ويقول:
«أنا أخطب باسمك، وكذلك السكة، وأكون نائبك» . فلم يقبل العزيز شيئا من ذلك. فكتب الأفضل إلى عمه العادل وإلى إخوته الملوك يستجير بهم من العزيز.
وتوجه الأفضل ونزل القصير لما بلغه قدوم العزيز. ثم ضاق ذرعه عن الملتقى، فولى هاربا إلى رأس العين فلم يشعر إلا بالعساكر المصرية وقد أدركوه،
فانهزم، ودخل دمشق، وتبعه العزيز. وكان ذلك يوم الجمعة لخمس بقين من جمادى الآخر. ولم يزل حتى حصره [العزيز] فى دمشق يوم وليلة، فعندها وصل الملك العادل من الشرق فى اثنى عشر يوما، ودخل دمشق، وكذلك الملك الظاهر صاحب حلب، والملك المنصور صاحب حماه، والملك المجاهد صاحب حمص، والملك الأمجد صاحب بعلبك. ثم دخل الجميع دمشق إلى الأفضل. ثم كتبوا إلى العزيز يقصدوا الاجتماع به، فاجتمعوا على سطح المزة وشفع العادل فى الأفضل عند العزيز فقبل ذلك، وقال:«يا عم أنت الوالد بعد الوالد، ولا نخرج عن ما ترسم به» . فلما رأى العادل حسن سياسة العزيز وغزارة عقله خطبه لا بنته، وقدمها له، فكان الملك العادل الخاطب والملك العزيز المخطوب. ثم أصلحوا بين الملكين الأخوين، وعاد كل ملك إلى بلاده. ثم تحرك أيضا الملك العزيز على الأفضل، وعاد إليه قبل دخوله إلى الديار المصرية، فإنه بلغه ممن يثق به أنه جهز عليه فداوية لقتله، فبلغ الأفضل عودة العزيز إليه فخافه، فركب بنفسه، ولحق عمه العادل، وسأله أن يقيم عنده بدمشق، فعاد معه، ونزل بدمشق. فلما بلغ الأمراء الكبار استقرار العادل بدمشق -وكان قد حصل لهم وحشة من العزيز-مالوا بأجمعهم إلى العادل. فلما حصل ذلك خشى العزيز على نفسه، فعاد إلى مصر، وأخذ بقلوب من بقى من الأمراء الأسدية، وأحسن إلى الجند، وأنعم إنعاما كثيرا، واستقر حاله.
واتفق العادل والأفضل على طلب العزيز، فتوجهوا، وإلى مصر قصدوا، فلقيهم الأمير حسام الدين بن أبى الهيجاء، وقال:«حثوا المسير فإن الأمراء المصريين كلها معكما» . ثم ورد من العادل رسول على العزيز يستدعى القاضى الفاضل. وكان القاضى الفاضل قد انفرد بنفسه ذلك الوقت، وانقطع فى داره، لما رأى ما حصل من الخلف بين الإخوة. فلما وصل القاضى الفاضل تلقاه الملك العادل ملتقى حسنا، وقال:
«يا قاضى إنما جئت لأوفق بين الإخوة» . ثم وفّق بينهما فى حديث طويل، آخره أنه أخذ الأفضل وعاد إلى دمشق.
وقيل إنه دخل مصر، ونزل فى القصر عند العزيز، حتى اتفق معه، وخرجا جميعا، واستقلعا دمشق من الأفضل، وأنعما عليه بصرخد. وملّك العزيز لعمه العادل دمشق، حسبما تقدم من الكلام فى هذا المعنى؛ والله أعلم.
قال ابن واصل إن فى هذه السنة-أعنى سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة-كان أخذ دمشق من الملك الأفضل بسوء تدبير وزيره ضياء الدين بن الأثير الجزرى. ولما وصل الملكان العادل والعزيز لحصار دمشق، كتب إليهما جميع الأمراء الذين كانوا بها بالتسليم كرها للوزير المذكور، فلم يحتاجا لمدة حصار. ولم يقاتل فى ذلك اليوم غير الملك الظافر مع عسكر بعثهم نجدة الملك الظاهر صاحب حلب. وجرح فى ذلك اليوم الظافر جراحا كثيرة. ولم تقم البلد إلا ساعة من نهار، ودخلها الملكان المذكوران، وخرج الملك الأفضل صبيحة ذلك اليوم بأهله وأمواله، وكانت ليست بشئ. واختفى الوزير ضياء الدين فى بعض صناديق الأفضل، ثم هرب إلى الموصل بأموال جمة.
وتوجه الأفضل وصحبته أخوه الملك المفضل قطب الدين إلى صرخد، واستقرا بها.
وكان دخول العزيز إلى دمشق رابع شعبان. وأخذت أيضا بصرى من الظافر، وتوجه إلى أخيه الظاهر بحلب.
وسلم الملك العزيز دمشق لعمه الملك العادل، ورحل من دمشق عشية الاثنين تاسع عشر شعبان، فكانت مدة إقامته بها أربع عشر يوما.
وكانت مدة ملك الملك الأفضل دمشق ثلاث سنين وأشهرا. واستقرت الخطبة والسكة بدمشق وأعمالها للملك العزيز، والملك العادل يظهر أنه نائب له بها إلى أن استقام له الأمر، حسبما ما يأتى من ذلك.