الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة إحدى عشرة وستمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة عشر أصبعا. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وثمانية عشر أصبعا.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين بحاله. والسلطان الملك العادل كذلك.
وفيها جهز الملك الكامل جيشا ثقيلا، ووجهه إلى اليمن صحبة ولده الملك المسعود صلاح الدين يوسف أقسيس. وجعل أتابكه الفارس فليت. وذلك أن سيف الإسلام صاحب اليمن كان قد توفى إلى رحمة الله عز وجل، واستولى على اليمن سليمان شاه ابن تقى الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، باتفاق من أجنادها. وتزوج أم سيف الإسلام المتوفى. ووصل الخبر إلى الملك الكامل، فاستأذن والده السلطان الملك العادل فى إنفاذ ولده أقسيس، فأذن له فى ذلك، فنفذه فى هذا العسكر الثقيل، فملكها الملك المسعود المذكور سلما من غير حرب ولا قتال. وكان ملكا جبارا فاتكا، قتل خلقا كثيرا من الأشراف من نسل الهادى المقدم ذكره، وخلقا من أكابر أهلها.
وفيها كانت المعاملة بالقراطيس السوداء العادلية بدمشق، نسبة الدراهم السّود بمصر.
وفيها أعطى وأنعم الملك المعظم على مملوكه وأستاداره جدّنا الأمير عز الدين أيبك العظمى صرخد وسائر أعمالها، وملّكها له تمليكا. فلم تزل فى يده إلى أن استعادها الملك الصالح نجم الدين أيوب فى سنة أربع وأربعين وستمائة، حسبما يأتى من ذكر ذلك فى تاريخه إن شاء الله تعالى.
وفيها ملك السلطان علاء الدين خوارزم شاه بن تكش كرمان ومكران.
ثم ملك فى هذه السنة السند واتصل ملكه إلى أطراف الصين.
وفيها سيّر الملك الظاهر صاحب حلب يطلب زوجته ضيفة خاتون من عمه الملك العادل، وتقرير العقد. وسير فى قبول ذلك القاضى بهاء الدين بن شداد. وسيّر معه أشياء كثيرة من الخلع والإنعامات على سائر الأمراء والأعيان. ولما وصل إلى دمشق خرج إليه الأمراء الكبار وحكام الدولة، وتلقوه مع جميع العساكر، وأحضره إلى القلعة. وكان يوما عظيما ما شهد مثله. وكان النائب عن الملك العادل فى قبول العقد شمس الدين التيتى، وعقد العقد على مهر مبلغه خمسون ألف دينار ولحوقاتها.
ثم نثر الذهب على رءوس الناس. وجهز السلطان بعد ذلك ضيفة خاتون. ثم وصلت إلى زوجها الملك الظاهر، وخرج تلقاها بنفسه-من أول أعمال حلب-بسائر جيشه. وكان عبورها إلى قلعة حلب يوما مشهودا.
قال ابن الأثير فى تاريخه: إن من جملة ما وصل معها من التحف والقماش والمصاغ ما حمله مائة وخمسون بغلا. وقال أبو المظفر صاحب التاريخ: كان فى جملة الجهاز ثمانون هاون ذهب برسم المطبخ، ومائة هجين قماش ملبوس وغيره، وثلاثمائة حمل جمل فرش وطرح، وأنظاره زركش وغيرها. ومن الجوار الصغار أربعمائة وصيفة ترك وقفجاق، ومن الجوار الكبار فى المحامل والكجاوات ما يحمله ألف جمل. وكان فى خدمتها مائة جارية مطربة، يلعبون بأنواع الملاهى، ومائة جارية للتطريز. ولمّا دخلت على الملك الظاهر قام لها قائما إحدى عشر دفعة. ثم قدّم لها خمسة عقود جوهر ليس لها قيمة فنذكرها، خارجا عن قلائد العنبر المفصلة باللؤلؤ الكبار، والياقوت البهرمان، ومائتى وسبعون ثوب أطلس معدنى قرمزى، ومثلها
من المعاجر المكللة، ومائتى قطعة من الذهب والفضة من صناعة الفرنج العجيبة، وعشرين هجينا موسّقة من الثياب المختلفة الألوان. وكان وصولها إليه أول شهر ربيع الأول من هذه السنة. وفى آخرها ولدت له الملك العزيز، واحتفل له الملك الظاهر فى ولادته احتفالا عظيما. ثم أمر الصناع أن يقترحوا من سائر الأنواع والصنوف، فعملوا من ذلك أشياء بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة. وكذلك تماثيل من سائر الأنواع، مثل فهود من عود وعنبر وصندل، ووحوش من جميع الأجناس مطعمة بالذهب والفضة. وفتح للمولود بيتا، وعبر الناس، وأرموا عليه من الجواهر واليواقيت والبلخش واللؤلؤ والأموال ما حسبت قيمته مائة ألف دينار عين. ثم صنعوا له درعين فى كل درع أربعين جوهرة كقدر بيض الحمام، مفصلا بالياقوت البهرمان. وصنعوا له بركستوان جميعه لؤلؤ كبار، وستة سروج مجوهرة، وستة سيوف محلاة مرصعة بعلائق ذهب مكللة، ورماح ذهب وأسنتها بلخش. وفى يوم سبوعه ختن الملك الظاهر ولده الملك الصالح صلاح الدين أحمد، وكان يوما عظيما ما شهد مثله. وختن معه أربعمائة غلام من أولاد كبار الدولة. وختن ألف يتيم وأكساهم أفخر ملبوس. وعملت وليمة ما شاهد الناس مثلها، والله أعلم.
وقال ابن واصل: لما ولد الملك العزيز امتدحت الشعراء وصنعوا القصائد المنتخبة فى التهانى. فمن ذلك قول راجح الحلّى من قصيدة مطلعها، يخاطب الملك الظاهر:
نعم جادت الدنيا بما أنت آمله
…
فحسبك من آمالها ما تقابله
إذا ماهناء قال قوم: قد انقضت
…
أواخره كرّت عليه أوائله
فيا حبذا دهرا بملكك أشرقت
…
على أهله أسحاره وأصائله
فلسنا نرى إلا نعيما يديمه
…
صنيعك فينا أو سرورا يواصله
ومنها:
فلله مولود أنار به الهدى
…
وأسفر وجه الملك واشتد كاهله
تباشرت الدنيا بغرّة وجهه
…
فبورك من نجل وبورك ناجله
ومنها:
وتحمد منه سيرة ظاهرية
…
بها تشمل الآفاق طرّا شمائله
عليه خلال من أبيه وجدّه
…
تدل على أن البلاد معاقله
ومنها فى تطهير ولد الآخر [يعنى ولده الصالح]:
ورثت خليل الله منصبه الذى
…
سما والنجوم الزاهرات تطاوله
فأحييت بالتطهير سنّته وكم
…
تبعت نبيّا فى الذى هو فاعله
آخرها يقول:
فدم يا غياث الدين للخلق رحمة
…
تعمّهم كالغيث طبّق وابله