الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة ثلاث عشرة وستمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم أربعة أذرع وأربعة أصابع. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وعشرة أصابع.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين بحاله. والسلطان الملك العادل كذلك. والملك الكامل-ولده-ملك الديار المصرية.
وفيها عزل القاضى عماد الدين بن عبد العلى من الحكم والخطابة، وتولى الحكم بالقاهرة-مع الجانب الغربى والبحرى-القاضى شرف الدين محمد بن عز الدولة.
وتولى مصر مع الوجه القبلى القاضى تاج الدين عبد السلام الدمياطى، المعروف بابن الخياط. وتولى الخطابة بالقاهرة الفقيه بهاء الدين بن الحميدى، وبمصر الفقيه طاهر الحلى.
وفيها تحركت الملكة صاحبة عكا، لما قدم عليها أخوها فى البحر، يسمى الملك نفرى، وكان فى خلق عظيم، ونزل بعكا. وصار يركب ويسير إلى القيمون وغيره. فخشيه الملك العادل، فجرد له إسماعيلى فضربه خمسة سكاكين، فمات، وقتل الإسماعيلى.
وفيها توفى الملك المعظم أبو الحسن على بن الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين.
وفيها وقع بالبصرة برد كثير-قدر كوز الفقاع-حتى كسر رءوس النخل، وقتل كثيرا من الناس والحيوان.
وفيها اتفق الملك الغلاب عز الدين كيكاوس بن كيخسرو السلجوقى مع الملك الظاهر صاحب حلب، على لاون ملك الأرمن. ودخل عز الدين كيكاوس من مرعش ودخل الملك الظاهر من درب ساك، فأحرقوا سيس ونهبوا منها شيئا كثيرا.
قال ابن واصل: إنه لم ينتظم للملك الظاهر وصاحب الروم أمر ولا كان بينهما اتفاق. وإن الملك الظاهر سير استشار السلطان فى ذلك فمنعه. وأن ابن لاون هادى الملك الظاهر وراسله، فحصل الصلح بينهما. ولم يتوجه الظاهر ولا [أرسل] جيشا من حلب إلى معونة كيكاوس صاحب الروم. وذكر ما ذكرناه فى التوجه أبو المظفر، والله أعلم كيف كان.
وفيها أرسل الملك الظاهر القاضى بهاء الدين بن شداد إلى السلطان الملك العادل يسأله أن يكون الملك بعده لولده الملك العزيز ابن بنت السلطان، ولا يغير عليه شيئا بعد وفاته. وطلب بنت الملك الكامل لولده الملك العزيز. فلما قدم بهذه الرسالة قال السلطان:«أما الملك فهو لولده ولا أغير عليه حسبما سأله. وأما الزواج فما هو لى، ولكن امض إلى أبيها الملك الكامل» . فمضى إلى الملك الكامل وتحدث معه، فتبسم معه وقال:«من لى بابن عمى وابن أختى، لحمى ودمى» . وأنعم له بذلك.
وفى آخر هذه السنة توفى الملك الظاهر صاحب حلب، رحمه الله تعالى. واستقر الملك العزيز صاحب حلب مكان أبيه، ولم يغير عليه شيئا.
قال ابن واصل: كانت وفاة الملك الظاهر ليلة الثلاثاء التاسع والعشرين من جمادى الآخرة من سنة ثلاث عشرة وستمائة. وكان كتب وصية أن يكون ولده
الملك العزيز بعده، ثم يكون ولده الملك الصالح أحمد بعد العزيز، ثم يكون الملك المنصور بن العزيز بن السلطان صلاح الدين بعده؛ وهو الذى أخرجه الملك العادل من ملك مصر.
قال: وزوج الملك المنصور المذكور بابنته قبل وفاته بيوم واحد، وأوصى له بشئ كثير، وجعل أتابكية ولده للأمير شهاب الدين طغريل، فقام بخدمة هذا البيت أتم قيام، ووفى من الأمانة ما لا وفّى به غيره. ولم يعتمد ما اعتمده بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل فى حق بيت مخدومه من إزالة الأمر عنهم، وتخصيصه إياه.
فكان لؤلؤ بالضد من الأتابك شهاب الدين، رحمه الله. وأحضر الملك الظاهر-قبل وفاته- الريس جمال الدين على بن صفى الدين بن الطريرة، وأخلع عليه، وقلده رياسة حلب، وكانت لأبيه من قبله.
قال: وبعث فى ذلك اليوم لكل واحد من إخوته جملة مال، وأعتق مائة مملوك ومائة جارية، وأزوجهم بهن، ورتب لهم كفايتهم، وفعل من الخير ما يضيق عنه الوصف، رحمه الله تعالى.
بقية ذكر الظاهر: وكان الملك الظاهر صاحب حلب، رحمه الله، ملكا جوادا سمحا أديبا فاضلا. قيل إن أبا المحاسن ماجد بن محمد كتب إليه أبياتا منها:
أما وضجيج قهقهة القنانى
…
وأصوات المثالث والمثانى
لقد أضحى الشآم يتيه عجبا
…
بملك ما له فى الأرض ثانى
فكتب جوابه يقول:
طلبنا الدّرّ من بحر المعانى
…
وعذب اللفظ من عضب اللسان
وهل تجنى ثمار الفضل إلا
…
فروع أصلها حلو المجانى
فلا عجب أن استسقيت غيثا
…
أو استسقيت منطلق العنان
وأنت السابق الغايات فضلا
…
إذا ما قصّرت خيل الرّهان
فأهلا، ثم أهلا، ثم أهلا
…
بما أرسلت من سحر البيان
قلت: لعل هذا الشعر يعتد به فى طبقة المطرب من طبقات الشعر، لجودته، وسلاسته، وحسن توصيفه، وبراعة معانيه، رحم الله قائله.
وكان عمر الملك العزيز بن الظاهر-لما جلس فى الملك عند وفاة أبيه-سنتين وأشهر، وعمر أخيه الملك الصالح أحمد ولى عهده نحو اثنتى عشرة سنة. ووقع فى ذلك منازعات كثيرة من أعمامه أولاد السلطان صلاح الدين، مثل الملك الزاهر، والملك الظافر وغيرهم. وآخر الأمر استقر الحال خشية من جده الملك العادل الكبير.
ولما مات الملك الظاهر المذكور رثاه شرف الدين بن راجح الحلى يقول:
سل الخطب إن أصغى إلى من يخاطبه
…
بمن علقت أنيابه ومخالبه
أرى اليوم دست الملك أصبح خاليا
…
أما فيكم من مخبر أين صاحبه؟
ومنها:
فإن يك نور من شهابك قد خفا
…
فيا طالما جلّى دجى الليل ثاقبه
وقد لاح بالملك العزيز محمد
…
صباح هدى كنّا قديما نراقبه
فتى لم يفته من أبيه وجدّه
…
أب ثم جدّ غالب من يغالبه
ومنها يخاطب الملك العزيز وأخاه الملك الصالح بقوله:
أيمكث بالشهباء عبد أبيكم
…
ومادحه أم تستقل ركائبه
فلما سمع شهاب الدين أتابك هذا البيت قال: «قولوا له يرحل فلا حاجة بنا إليه، فإنا لا نعطى الشعراء شيئا» .
قال: ثم امتدح شهاب الدين-بعد عدة مراثى عملها فى الظاهر-فلم يجزه عليها شيئا. وأمر شهاب الدين بقطع ما كان له مرتبا، ففارق حلب، وصار إلى الملك الأشرف، فحظى عنده. وبقية ما لخصناه فى الصفحة الأخرى.