الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة أربع وأربعين وستمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم ستة أذرع. مبلغ الزيادة سبعة عشرة ذراعا وسبع أصابع.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام المستعصم بالله أمير المؤمنين. والوزير بحاله. والسلطان الملك الصّالح نجم الدين أيوب سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية. وابن الشيخ النائب بدمشق.
وفيها استمال الخوارزمية الصالح إسماعيل، وانحرفوا عن ابن الشيخ، وعن خدمة الملك الصّالح نجم الدين. وسببه أنه لما كثر فسادهم بأعمال دمشق، كاتب فيهم ابن الشيخ للملك الصّالح، فكتب إليه بردعهم، فتنمروا عليه، ومالوا إلى الصالح إسماعيل بمكاتبته لهم، وترغيبهم فيما أحبوا. واستمال الملك الصّالح نجم الدين أيوب الملك المنصور إبراهيم صاحب حمص، واقتطعه عن الصالح إسماعيل.
وفيها كانت الوقعة بين الملك المنصور صاحب حمص-وكان معه الحلبيون - وبين الخوارزمية، والصالح إسماعيل والناصر داود، وعز الدين أيبك، على بحيرة حمص، يوم الجمعة تاسع المحرم. وانكسرت الخوارزمية كسرة شنيعة، ما كسروا مثلها قط. وقتل مقدمهم بركة خان. وهرب الصالح إسماعيل، والأمير عز الدين أيبك، عرايا جياعا، على فرس، فرس، ونهبت أموالهم. ووصلوا إلى حوران. وساق صاحب حمص إلى بعلبك، وأخذ الربض وسلمه للأمير ناصر الدين القيمرى والأمير جمال الدين هارون، وودّع الحلبيين وعاد إلى حمص.
وفيها حضر السلطان الملك الصالح أيوب إلى دمشق، وأتى إلى خدمته صاحب
حمص، ونزل بستان شامة، ونزلت طائفة من الخوارزمية بأرض البلقاء. ونزل إليهم الملك الناصر داود صاحب الكرك وصاهرهم واستخدمهم وأنزل غائلتهم الصلت.
وفيها مرض المنصور صاحب حمص بدمشق، وتوفى بها، وحمل إلى حمص، ودفن بها. وقام بمملكة حمص ولده الملك الأشرف موسى بن المنصور إبراهيم.
وفيها كانت وقعة ابن الشيخ مع الخوارزمية، وكسرهم وبدد شملهم. وكان الناصر-فيهم-صاحب الكرك، وتبعه الخوارزمية، فلم يمكنهم من صعود القلعة بالكرك، ولا الربض. وأحرق ابن الشيخ الصلت، وساق إلى الكرك. وطلع الأمير عز الدين أيبك إلى قلعة صرخد، واعتصم بها. وكانت كسرة الخوارزمية من ابن الشيخ فى سابع عشر ربيع الآخر من هذه السنة.
ونزل ابن الشيخ على الكرك فى الوادى. وتسلم الأمير حسام الدين بن أبى على قلعة بعلبك، باتفاق واليها. وبعث عيال الصّالح إسماعيل إلى مصر، وفيهم الملك المنصور نور الدين محمود بن الملك الصالح عماد الدين إسماعيل، وأمين الدولة السامرى، وزين الملك الصالح إسماعيل، وأستاذ داره ناصر الدين بن يغمور، فاعتقلوا بالقلعة المحروسة.
وكان حسام الدين بن أبى على-لما اعتقله الصالح إسماعيل بقلعة بعلبك مع جماعة من أصحاب الملك الصالح أيوب-تمنى ذات يوم على الله تعالى أن يمكنه من أهل الملك الصالح إسماعيل، ويملكه بعلبك. ثم قال فى نفسه:«هذا أمل بعيد» .
فلم تمض الأيام والليالى حتى بلّغه الله أمنيته.
وفى هذه السنة-أعنى سنة أربعة وأربعين وستمائة-[كان] الأمير حسام الدين بن أبى على، نائبا بدمشق للسلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب.
ثم إن الصالح إسماعيل وفد على حلب فى جماعة من الخوارزمية، منهم كشلوخان، هاربين من الملك الصّالح أيوب. ولم يبق لإسماعيل مكان بالشام يؤويه، فتلقاهم الملك الناصر يوسف صاحب حلب، ونزل الصالح إسماعيل فى دار جمال الدين الخادم.
ثم قبض على كشلوخان ومن معه من الخوارزمية، وملأ بهم الحبوس.
ثم إن السلطان الملك الصالح أيوب توجه إلى بعلبك ورتب أحوالها، ورجع إلى نحو صرخد. ومشى الأمير ناصر الدين القيمرى فى الصلح، وكذلك جمال الدين ابن مطروح، بين السلطان وبين الأمير عز الدين صاحب صرخد، بوساطة شمس الدين بن العميد أيضا. وخرج الأمير عز الدين عن صرخد، ونزل فى ميدانها، وتسلمها السلطان، ورجع عز الدين فى خدمته إلى دمشق. ونزل النيرب وكتب له منشورا بقرقيسيا والمجدل، وضياعها فى الخابور، فلم يحصل له منها شئ.
ثم إنه أحسن إلى أهل دمشق، وتصدق على فقرائها بجملة مال، وخلع على أعيان الدماشقة. ثم توجه السّلطان إلى ديار مصر، ودخل القدس الشريف، وتصدق على فقرائه وقوّامه، ومجاوريه، بألفى دينار. وأمر بعماره سوره، وقاسه، فكان ستة عشر ألف ذراع، فقال:«اصرفوا مغل القدس فى عمارته، وإن عازه شئ بعث من مصر» . وأمنت البلاد واطمأنت أهلها، بعد قتله بركة خان مقدم الخوارزمية.
وحكى الشيخ تقى الدين أبو بكر بن الجوزى-رحمه الله-قال: حكى لى بعض كتاب الخوارزمية بالقاهرة فى سنة خمس وستين وستمائة قال: كان لبركة خان منجّم نصرانى ينظر فى لوح كتف الغنم، فنظر له يوما فقال:«لا بد ما تطلع حلب، وتعلو قلعتها فى الشهر الفلانى» . واطمأن بركة خان، وركن لقوله. ثم إنه حرّر عليه المسألة
فى أى يوم يكون فى ذلك الشهر طلوعه إلى قلعة حلب، فنظر وحرّر، وقال له:
«فى اليوم الفلانى من الشهر الفلانى» . فلما قتل بركة خان وأتى برأسه إلى شمس الدين لؤلؤ نائب الناصر بحلب، أمر بنصبها على قلعة حلب، فنصبت فى ذلك اليوم الذى قال له المنجم إنه يملك فيه حلب ويعلو القلعة، والله أعلم.