الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة سبع وعشرين وستمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم ذراعان فقط. مبلغ الزيادة ثلاثة عشر ذراعا وثلاثة وعشرون أصبعا.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين. والوزير ابن العلقمى بحاله. والملوك حسبما ذكرناه فى السنة الخالية من ممالكهم، كل منهم بحاله.
وفيها ملك السلطان جلال الدين أخلاط، وفيها إخوة السلطان الملك الكامل فخر الدين وتقى الدين، مع أهل الملك الأشرف، بعد حصار شديد. وأكل أهلها الميتة، وأبيعت قطعة من جلد بألف درهم. وكانت مدة إقامته عليها عشرة أشهر، ثم دخلها بالسيف عنوة ونهبها، وأسر الملكين، والكرجية زوجة الأشرف، ودخل بها من ليلته.
هذا والسلطان الملك الكامل كان بحران، ثم إنه نزل الرقة، وبلغه خبر أخذ أخلاط فيها. وبلغ الملك الأشرف ذلك وهو بدمشق، فخرج على وجهه حتى أتى الرقة.
وكتب صاحب الروم الملك كيقباذ إلى الملك الأشرف يقول: «تحضر إلى عندى لنتفق على هذا الذى أخرب البلاد وأهلك العباد، فعندى المال والرجال» . فشاور الأشرف الكامل على ذلك، فقال:«مصلحة» . ورجع الملك الكامل قاطعا الفرات فى سبعة آلاف فارس، طالبا إلى ديار مصر. وسار الأشرف إلى حران فى سبع مائة فارس، وعدوه السلطان جلال الدين خوارزم شاه. فأقام بحران، وكتب إلى حلب وإلى الموصل والجزيرة، فجاءته العساكر. ورحل يريد الروم وصحبته أخويه شهاب الدين غازى والملك العزيز عثمان، وكذلك الملك الجواد وشمس الدين
صواب، وبقية الأمراء الكبار. ووصل إلى الروم واجتمع بصاحبه الملك كيقباذ.
قال أبو المظفر: حكى لى الأمير عماد الدين بن موسك، قال: لما وصلنا إلى الروم، خرج إلينا عسكر أرزنكان فى اثنى عشر ألف فارس، فكان نجدة لنا. ونزلوا فى مرج يستريحون، وقد أرموا سلاحهم، وأطلقوا خيولهم للمرعى. فمرّ بهم الخوارزمى-وهو السلطان جلال الدين-ولم يعلموا به، فهجم عليهم فقتلهم وأسرهم، ولم ينج منهم إلاّ القليل. وضعفت قلوب الناس لذلك. قال: وأقمنا مكاننا إلى عشية يوم الخميس، فوصل قاصدنا، وأخبر أن العدو يخرج علينا صباح يوم الجمعة. قال: فرتبنا العساكر والشاليش فى الأول، ثم العرب، ثم الحلبيين، ثم شمس الدين صواب، ثم الملك الجواد، ثم العزيز عثمان وشهاب الدين غازى. ثم تبعنا أطلاب الروم، وكيقباذ فى الطلب الخاص، والملك الأشرف فى الطلب الخاص أيضا. قال: وكنا فى أرض وعرة، فخرجنا إلى أرض سهلة وطئة، وإذا بطلائع جلال الدين الخوارزمى وقد طلعت. قال:
فالتقوهم العرب وكسروهم، وأخذوا منهم مائة فارس، وقتلوا مائة أخرى. ولم يتقدموا إلينا، ونزلوا ونزلنا، وبيننا وبينهم جبل عظيم. وخفنا خوفا عظيما. وليس معنا ماء ولا زاد ولا علف لدوابنا. فقال الأشرف:«أين المفر؟» . فلما كان وقت السحر-قبل طلوع الشمس-أمر جلال الدين الخوارزمى لمن بقى من عسكر أرزنكان فكانوا كيف وخمسمائة نفر، فضرب رقابهم. فلما كان بكرة يوم السبت ثامن شهر رمضان المعظم، قطعوا إلينا الوادى، ووقف الخوارزمى على رأس الجبل، وسنجقه فى الوادى.
ووقع القتال، فأرسل الله تعالى ضبابا، فلم ير أحد كفه، ووقعت الكسرة على جلال الدين الخوارزمى وجيشه، ونصرنا الله عليهم، وولوا منهزمين، ووقع بعضهم
فى الوادى من قوة الضباب، ما رأوه. وأصبحوا ما بين أسرى وقتلى. وغنم المسلمون-منا ومن الروم-جميع أموالهم وأثقالهم وخيلهم وسلاحهم، وامتلأت تلك الأودية من قتلاهم. وقال الأشرف لصاحب الروم:«لا بد لى من أخلاط» ، فأعطاه ولأصحابه من الأموال والخيل والنجب والقماش ما قيمته ألفى ألف دينار. ورجع الرومى إلى بلاده. وجرد من الملك الأشرف بعض عسكره، فنزل أرزن الروم، وكان صاحبها مع جلال الدين، فأخذها الأشرف منه ومسكه، ونفذه إلى صاحب الروم، وسلم أرزن إلى نوابه. وسار إلى أخلاط. ولما وصل الخوارزمى مكسورا إلى أخلاط أخذ جميع ما كان له فيها، والكرجية [زوجة الأشرف]، وإخوة السلطان ونزل على أرجيش. وجاء الأشرف إلى أخلاط، وسار خلف الخوارزمى، فأبعد عنه.
وتراسلوا، واصطلحوا على أن الخوارزمى يطلق من عنده من الأسرى، فأطلق إخوة السلطان، وبعث بهما إلى الإمام المستنصر بالله، فأنعم عليهما الخليفة، وأرسلهما إلى أخيهما مع رسول من جهته. وأقام الأشرف شهرا، ثم عاد إلى أخيه الكامل ودخل مصر. وتسلم أخلاط شهاب الدين غازى بعد أخذها من نواب الخوارزمى. وترك الطواشى شمس الدين صواب بحران والرها.
وفى شوال سيّر السلطان الملك الكامل الطغتكين واليا على مكة، شرفها الله تعالى.
وفيها بعث الأشرف أخاه الملك الصالح إسماعيل المعروف بأبى الخيش إلى بعلبك وحاصرها، وصاحبها الملك الأمجد. ثم قدم الأشرف بنفسه إليها. ثم دخل بينهما فى الصلح الصاحب صفى الدين. وأخذت بعلبك من الملك الأمجد. ثم إنه قتل بعد ذلك بخمسة أشهر، قتله مملوك له. ثم إن ذلك المملوك رمى بنفسه من أعلى القصر فهلك. وكان مدة مملكته بعلبك تسع وأربعين سنة، ملكها سنة ثمان وسبعين وخمسمائة. وكان جيد الشعر حسنه.