الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سبب انتقاض ملك الأفضل
صاحب دمشق
وذلك أنه استوزر الصاحب ضياء الدين بن الأثير صاحب الترسل والفضيلة الحسنة. وكان له أيضا صاحبان؛ أحدهما عز الدين ابن الأثير صاحب التاريخ المشهور، والآخر مجد الدين أبو السعادات صاحب كتاب جامع الأصول فى علم الحديث. وكان هذا الرجل فاضلا، متقدما عند الملوك أصحاب الموصل من بنى زنكى. وكانوا هؤلاء الثلاث أصحاب حلّه وعقده، فأشاروا عليه أن يبعد مماليك أبيه، وينشئ مماليكا من جهته. وأوحوا إليه أن مماليك أبيه لا يرونه إلا بعين الصغر، ففعل الأفضل ذلك، وكان من سوء التدبير. فلما تباين للأمراء ذلك مالوا إلى الملك العزيز بمصر، ورحلوا إليه، فتلقاهم العزيز أحسن ملتقى، وأكرمهم، وأحسن إليهم. ورأى أمره أنه قد قوى بهم، فأشاروا عليه أن يتحرك إلى الشام، ويأخذ دمشق من أخيه الأفضل. فأراد أن يقيم له ذنبا يأخذه به فطلب منه بيت المقدس-وكان مضافا إلى مملكة دمشق-فاستشار هؤلاء، فقالوا:«لا تفعل يطمع فى سلطانك» ، فامتنع.
وتجهز العزيز إلى الشام. وكانت أسماء الأمراء الذين حضروا من الشام إلى خدمة العزيز: ميمون القصرى وسنقر الكبير، مع جماعة من ملوك الأكراد، والأمير فخر الدين جهاركس. ثم تبعهم بعد ذلك الأمير صارم الدين قايماز النجمى، وكان من أكبر الأمراء الأيوبية؛ فإنه مملوك نجم الدين أيوب بن شاذى والد الملوك بنى أيوب فحضر إلى الملك العزيز بمصر. فلما علم الأفضل بتحريك العزيز إلى الشام، كتب كتابا إلى عمه الملك العادل يستنجده ويستجير به، فعندها توجه العادل من الشرق إلى نحو الشام، فوصل إلى دمشق فى اثنى عشر يوما، ووجد العزيز أيضا قد وصل دمشق،
فمشى بينهما بالصلح، فاصطلحا صلح العامرية، على فساد. ولما رأى العادل اختلاف الإخوة، طمع فى الملك بالشام ومصر وغيرهما.
وكان لما بلغ سيف الدين بكتمر صاحب خلاط موت السلطان صلاح الدين فرح فرحا عظيما، وأمر أن تضرب البشائر فى سائر قلاعه وحصونه، ولقب نفسه الملك الناصر، وكتب كتبا إلى سائر ملوك الشرق، مثل عز الدين مسعود بن مودود بن زنكى ابن اقسنقر صاحب الموصل وحسام الدين [يولق] أرسلان بن إيلغازى، وكذلك إلى صاحب سنجار، وصاحب ماردين، وغيرهم، يستدعيهم إلى قتال الملك العادل، وأن يأخذ البلاد منه، فأجابوه إلى ذلك. وكان أول من قدم منهم صاحب ماردين وصاحب الموصل، إلا عماد الدين زنكى فإنه لم يوافقهم على ذلك. وكان اجتماعهم فى سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.
وأمّا ما جرى للعزيز فإنه لما خرج إلى الشام جعل ولده المنصور ولى عهده -وكان صغيرا-فأقام بهاء الدين قراقوش نائبا عنه بالديار المصرية. ولما أصلح العادل بينه وبين أخيه الأفضل حصل الخلف بين العزيز وبين أمرائه الأسدية والأكراد، ففارقوا خدمته، ومضوا إلى عمه العادل وأخيه الأفضل. وانقلب الدست عليه، فتوجه من دمشق هاربا لا يلوى على شئ. وركبوا خلفه ولحقوه ببلبيس، وحاصروه بها أياما.
ثم اصطلح مع عمه العادل وأخيه الأفضل على مال دفعه. وعاد الأفضل إلى الشام ودخل العادل إلى القاهرة، وأخلى له العزيز القصر الكبير.
وفيها عزل القاضى زين الدين.
وفيها ولى القاضى محيى الدين بن عصرون.