الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة إحدى وعشرين وستمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم ثلاثة أذرع فقط. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأصبعان.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين بحاله. والسلطان الملك الكامل سلطان الإسلام بالديار المصرية. وباقى الملوك إخوته بحالهم.
وفى شهر المحرم دخل الملك المسعود بن الكامل-صاحب اليمن-إلى القاهرة المحروسة، وبين يديه الفيلة، وعدتهم ثلاثة؛ وأخلى له القصر وسكن فيه.
وفيها قبض السلطان الملك الكامل على جماعة من أمرائه البحرية، مماليك والده الملك العادل، وأودعهم الجب الكبير.
والسلطان جلال الدين قد وصل من الهند إلى كرمان-حسبما تقدم. وكان بكرمان فى ذلك الوقت براق الحاجب ينوب بها عن أخيه السلطان غياث الدين، فتلقاه، وخدمه؛ لكن لم يذعن له بالطاعة، لأجل أخيه غياث الدين. فأقام أياما حتى استراح من وعك الطريق، ثم رحل إلى شيراز. وورد عليه الأتابك سعد صاحب فارس، وكان قد استوحش من أخيه غياث الدين، فرغب جلال الدين فيه، وخطب ابنته فأجاب إلى ذلك. واستظهر جلال الدين بمصاهرة الأتابك. ثم رحل من شيراز إلى أصبهان، فخرج إليه القاضى زكى الدين مسعود، وتلقاه، وكذلك أعيان البلد، وأتوه بالخيول والعدد، وفرحوا بقدومه.
ولما بلغ غياث الدين توسط جلال الدين البلاد، ركب إليه فى ثلاثين ألف فارس، فرجع جلال الدين حين بلغه ذلك، وسير إلى أخيه [غياث الدين] أمير أخوره،
يقول: «إن الذى قاسيته بعد السلطان من الشدائد والهوان لو أعرض على الجبال لأشفقن من حملها. وحين ضاقت علىّ الأرض بما رحبت قصدتك لأستريح عندك أياما. وحيث علمت أن ما عندك للضيف قرى غير السيف رجعت» . فلما بلغ غياث الدين الرسالة رجع عما كان عزم عليه، وتفرقت عساكره.
وكان جلال الدين قد سير مع أمير أخوره عدة خواتم، وأمره إيصالها إلى جماعة من الأمراء السلطانية؛ فمنهم من تناول الخاتم وأجاب، ومنهم من أسرع به إلى غياث الدين.
فأمر بالقبض على الرسول. فركب جلال الدين مسرعا فى ثلاثة آلاف فارس وأعجل غياث الدين عن الاستعداد. فركب غياث الدين فرس النوبة وهرب. ودخل جلال الدين إلى خيمته وبها والدة غياث الدين، فزاد فى احترامها وإكرامها، وأنكر هروب غياث الدين، وقال:«أنا ما بقى لى من بنى أبى سواه» . فسيرت والدته إليه بذلك، فعاد إلى الخدمة، فعطف عليه جلال الدين وأكرمه. وحضر إلى طاعة السلطان جلال الدين سائر ملوك الأقاليم من المتغلبين على البلاد، ودخلوا تحت الطاعة. وفرّق العمال على الأقاليم. وسار نحو خوزستان. وسير رسولا إلى بغداد، فأحلوه محل الإكرام.
ولم يزل الرسول ببغداد إلى أن ملك جلال الدين مراغة، فعاد الرسول مكرما.
ثم رحل السلطان جلال الدين إلى دقوقا فغلقوا أبوابها فى وجهه، وطلع أهلها على السور، وسبّوا جلال الدين ولعنوه. فأغاظه ذلك، وأمر بالزحف عليها، فلم يكن سوى ساعة حتى صعدت أعلامه عليها، وأوقع فيهم السيف.
ورحل إلى أذربيجان. وسير الكتب والرسل إلى ملوك الشام ومصر، يتضمن إعلامهم بما فتح الله عليه، وما ملك من البلاد. ثم رحل إلى أرجان، ثم إلى تبريز. فخرج إليه الرئيس نظام الدين أخو شمس الدين الطغرائى، وكان بها بنت السلطان طغريل، فسيرت تطلب الأمان مع الرئيس نظام الدين، فأجاب إلى ذلك.
وتسلم تبريز فى هذه السنة، والله أعلم.
وكان توفى الملك المنصور صاحب حماة، وهو محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب.
وكان ملكا شجاعا مقداما عالما فاضلا أديبا شاعرا محبا للعلماء والفضلاء. وكان عنده جماعة من كبار الفضلاء، مثل سيف الدين على بن أبى على الآمدى مصنف كتاب المضمار، جمع فيه جملة جيدة من تواريخ العالم فى عشرة أجزاء، وردّ على مثل الإمام فخر الدين الرازى المعروف بابن خطيب الرى، أحد فلاسفة الإسلام صاحب التصانيف العجيبة فى كل فن، مما يطول شرح ذكرها، وهو صاحب كتاب السرّ المكتوم فى علم الأسماء والطلسمات. ومثل الإمام أبى حامد الغزالى المشهور، وله من التصانيف مائة مجلد. ولو شرحت فضائل هؤلاء السادة المذكورين لكان جزءا بذاته، ولا نصل إلى بعض محاسنهم وعلومهم وتصانيفهم، رضوان الله عليهم أجمعين.
وكانت وفاة السلطان الملك المنصور المشار إليه فى شهر شوال من هذه السنة.
ودفن بحماة عند قبر أبيه، وقام بعده بمملكة حماة ولده الأكبر يسمى قليج أرسلان، ولقب بالملك الناصر. وجرى له بعد ذلك مع السلطان الملك الكامل أمور وعجائب، وأخذ منه حماة وأعطاها لأخيه الملك المظفر، واعتقل قليج أرسلان بمصر فى الجب.
ومن شعر الملك المنصور-رحمه الله-مما لخصناه قوله:
سحّا الدموع فإن القوم قد بانوا
…
وأقفر الصبر لما أقفر البان
وأسعدانى بوجد بعد بينهم
…
فالشان لما نأوا عنّى له شان
يا ظبية البان هل وصل أسر به
…
فينجلى بلذيذ الوصل أشجان
منها:
لا تبعثوا مع نسيم الريح نشركم
…
فإننى من نسيم الريح غيران
كيف السلو ولى قلب يخالفنى
…
وفى الهوادج أقمار وغزلان
سقاهم الغيث من قبلى كاظمة
…
سحا وروى ثراهم أينما كانوا
وله:
الفخر بالفضل ليس الفخر بالنسب
…
والناس فى ذاك من درّ ومن خشب
وكل فخر سوى فخرى فمختلق
…
زور وقائله ينمى إلى الكذب
أنا الذى لم ينل فى الورى أحد
…
ما نلته قط من عجم ومن عرب
سموت فيهم بأصل لا يقاومه
…
أصل ومن بعده بالفضل والأدب
بآل شاذى ملوك الناس كلهم
…
أكرم بذلك من فخر ومن حسب
أيوب جدى حقيقا حين تنسبنى
…
يا حسنها نسبة تعلو على الرتب
نحن الملوك الذرى والناس كلهم
…
لنا عبيد وليس الرأس كالذنب
كم قد أبدت بسيفى كل مفتخر
…
حامى الحقيقة يوم الجحفل اللجب
وكم تركت بنى الإفرنج فى رعب
…
فصرت أدعى لديهم جالب الرعب
منها:
من كل منتسب بالله محتسب
…
مؤيد بجميل الصبر مرتقب
أغرّ أبلج وضاح لغرته
…
فضل على الأنجم السيارة الشهب
وله فى صدر كتاب إلى عمه الملك العادل يقول:
سلام محب فى الولاء محقق
…
يكاد لفرط الشوق بالدمع يشرق
وينشد بيتا قيل فى مدح مجدكم
…
له بثناكم حين ينشد رونق
تقول لى الآمال إن كنت نازلا
…
بباب ابن أيوب فأنت موفق
وفيها توفى الملك الصالح ناصر الدين محمد بن محمد بن قرا أرسلان بن أرتق، صاحب آمد. وكان شجاعا مقداما. وقام بالملك بعده ولده الملك المسعود. وكان بالضد من أبيه. حصره بعد ذلك السلطان الملك الكامل فى آمد وأخذها منه. ووجد عنده فى قصره خمسمائة حرة من بنات الناس يطؤهنّ حراما. وأحضره الكامل إلى مصر،
وأحسن إليه. فكاتب الروم، وسعى فى هلاك السلطان الكامل، فسجنه مدة ثم أطلقه، فهرب إلى التتار، فقتلوه.
وفيها توفى الشريف قتادة بن إدريس صاحب مكة شرفها الله تعالى. وما كان لا يلتفت إلى أحد، ولا داس للخليفة بساطا قط. وكان يقول أنا أحق بها من غيرى، -يعنى الخلافة. وكان الحاج فى أيامه طيبين، لا يستحسن بظلامة أحد. وكتب إليه -قبل وفاته-الخليفة يقول له:«أنت ابن العم العزيز وقد أحببت زيارتك» . فكتب يقول من قصيدة:
ولى كف ضرغام أذل ببطشها
…
وأشرى بها بين الورى وأبيع
تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها
…
وفى وسطها للمجد بين ربيع
أأجعلها تحت الرجا ثم أبتغى
…
خلاصا لها إنى إذا لوضيع
منها:
وما أنا إلا المسك فى كل بقعة
…
يضوع وأما عندكم فيضيع
وكانت وفاته فى شهر جمادى الأولى فى هذه السنة بمكة شرفها الله تعالى. وقيل كانت وفاة الشريف المذكور فى سنة عشرين، فإن فى هذه السنة توجه الملك المسعود أقسيس بن الكامل إلى مكة وملكها. وكان قد تولى أمرها حسن بن الشريف قتادة فأساء السيرة، فسار الملك المسعود، وملكها رابع شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين، وهو الصحيح، والله أعلم.
وفيها نقل السلطان الملك العادل من القلعة بدمشق إلى تربته، وهى المدرسة العادلية.
وفيها خرج الملك الأشرف من مصر قاصدا للشرق، والتقاه الملك المعظم وعرض
عليه النزول بالقلعة فأبى ونزل بجوسق أبيه العادل. وبدت الوحشة بين الإخوة، وأصبح الأشرف فى السحر وركب وساق، ونزل ضمير، ولم يعلم المعظم برحيله. ثم سار مسرعا حتى نزل حران، وكان قد استناب أخوه شهاب الدين غازى صاحب ميافارقين على أخلاط، لما سافر إلى مصر، وجعله ولى عهده بعد غيبه. ومكنه فى جميع بلاده بالشرق، فسولت له نفسه العصيان. ولما وصل الأشرف إلى حران بلغه خبر عصيان أخيه غازى، فكتب إليه يستدعيه، فامتنع، فجمع الأشرف عساكر الشرق وسار إلى أخلاط. وكان صاحب حمص-وهو الملك المجاهد-قد مال مع الأشرف؛ والمعظم مال إلى نصرة غازى، فجمع وخرج حتى نزل على حماة، فلم يخرج إليه صاحبها ولا فتح له باب، فعاد إلى حمص. فخرج إليه عسكر حمص، فأوقعوا به، وظهروا عليه، ونهبوا عسكره. ورجع إلى دمشق ولم ينل طائلا.
ثم إن الأشرف توجه إلى أخلاط بجيوشه ليسترجعها من يد أخيه غازى. وكان قد حشد وجمع، فخرج إلى الأشرف، ووقع القتال بينهما، وقاتل غازى أشد قتال.
وكان أهل أخلاط يحبون الأشرف. فلما خرج غازى وقاتل أطلع أهل أخلاط سناجق الأشرف على الأبراج، وصاحوا:«يا أشرف يا منصور» . فعند ذلك هرب غازى إلى القلعة، فأقام يومين ثم نزل إلى أخيه الأشرف، فأقبل عليه ولم يؤاخذه بما فعل. وأقام الأشرف بأخلاط ثلاثة أيام، وجعل فيها مملوكه أيبك والحاجب على. ورد غازى إلى ميافارقين مكانه-مريضا من جراحاته-ورجع الأشرف إلى رأس العين.
وفيها نزل السلطان جلال الدين على أذربيجان واستولى عليها، فبعث إليه الملك المعظم رجلا يقال له الملق، واتفق هو وجلال الدين والمظفر على الملك الأشرف.
وبعث المعظم بولده الناصر داود إلى مظفر الدين صاحب إربل رهينة.
وكان قد ظهر فى الشام جراد كثير فأظهر المعظم أن ببلاد العجم طيرا يأكل الجراد، وأرسل الصدر البكرى يعرف بالملق محتسب دمشق ورتب معه صوفية،
وقال: «يمضون إلى العجم فهناك عين ماء يجتمع عليها هذا الطير المعروف بالسمرمر فتأخذوا من مائها فى قوارير، وتعلقونه على رءوس الرماح. فكلما رآه الطائر يتبعكم» . وما كان مقصوده إلا ببعث البكرى إلى جلال الدين يتفق معه. وقرر معه الأمر وجعله له عضدا، لما علم أن الأشرف والكامل اتفقا عليه. وكان الجراد قد قل، فلما عاد البكرى كثر. وفهموا الناس مقصوده فى ذلك. وعاد جلال الدين ذخرا للمعظم، وعاد بينهما معاقدة وأيمان.
وفيها استولى بدر الدين لؤلؤ على الملك ولقب الملك الرحيم. وفيها بنى السلطان الملك الكامل مدرسته ببين القصرين بالقاهرة المحروسة.
وأمّا التتار، فإن جكزخان قسّم أصحابه فى هذه السنة عدة أقسام، فنفذ قسما منها إلى بلاد فرغانة، وقسما إلى بلاد ترمذ، وقسما إلى قلعة كلام وهى قلعة عظيمة على نهر جيحون. ففعلت كل طائفة أقبح من أختها. ثم عاد الجميع إلى جكزخان، وهو نازل بسمرقند. فعند ذلك جهز جيشا عظيما وقدّم عليه إحدى بنيه، وسيره إلى إقليم خوارزم. وجهز آخر وسيره إلى خراسان، فقطعوا جيحون ووصلوا بلخ، فتسلموها بالأمان، وجعلوا بها شحنة من جهتهم. وعادوا يقاتلون برجال كل إقليم إقليم آخر، وهم يتفرجون عليهم، ففتحوا أكثر البلاد كذلك. ثم وصلوا إلى طالقان وفيه قلعة حصينة تسمى منصور كوه، فحاصروها أربعة أشهر، فلم يبلغوا فيها غرض.
وقاتل أهلها قتالا عظيما، وأنفذوا إلى جكزخان فأعلموه بذلك. فسار إليهم بنفسه فى عالم عظيم، وحاصرها. ثم أمر بالأخشاب والأحطاب فجمعت، وعادوا يعملون صفّا من خشب ثم يردمونه بالتراب، حتى واروا القلعة. وصعد التتار عليه ونصبوا
المناجنيق، وعادوا يرمون فى وسط القلعة. فعند ذلك اجتمع أهل القلعة وفتحوا الباب، وحملوا على التتار حملة واحدة. وسلمت الخيالة بأنفسهم، وتعلقوا فى الجبال.
وأما الرجالة فقتلوا عن آخرهم. وملك جكزخان القلعة بجميع ما فيها.
ثم إنه جمع سائر الرجال الذين كان أعطاهم الأمان من سائر الأمصار، وسيرهم مع ولده إلى مدينة مرو، وبها يومئذ ما يزيد عن مائتى ألف مقاتل من جند وعرب وأكراد وتركمان ومن سائر الأجناس. فلما وصلت إليهم التتار التقوا معهم، واقتتلوا قتالا شديدا. ثم انكسر أهل مرو، ووضعوا فيهم السيف ولم يبقوا على أحد منهم. ثم فتحوا مرو بعد أربعة أيام، بعد ما كانوا أعطوا أهلها الأمان. قال جكزخان لواليها:«أعرض علىّ أصحابك حتى ننظر من يصلح للخدمة نستخدمه عندنا» .
فلما حضروا قبض على الجميع. وطلب الأموال من كبار البلد، وكتب أسماءهم فى جريدة، ثم قال:«اكتبوا أرباب الصنائع» ففعلوا ذلك. فلما وقف جكزخان على النسخ أمر بجميع أهل البلد، وجميع أهاليهم وأموالهم، فأوقفوا بين يديه، وقد جلس على كرسى ذهب. وأمر بحضور الجند، فضرب أرقاب الجميع. كل هذا والناس قيام ينظرون إليهم ويبكون عليهم. ثم قسّم أرباب الأموال، وضرب رقابهم.
ثم وضع السيف فى بقية الناس. وتعالت أصوات النساء والأطفال.
قال صاحب التاريخ: ومما أجمعوا عليه أن من جملة تسليط هؤلاء القوم على العالم أنهم إذا نزلوا على مدينة أو قلعة ولم يقدروا على أخذها ورحلوا عنها، يرسل الله-عز وجل-على أهل تلك البقعة الوخم والفناء، فيموتون، فيرجع التتار إليهم فيأخذوهم بأسهل الأحوال. وهذا كان سخطا من الله تعالى، فنعوذ بالله من الخذلان.
ثم أمر بحريق البلد فأحرق. وفى جملة الحريق تربة السلطان سنجر السلجوقى. أجمع
أهل التاريخ أن عدة القتلى بمدينة مرو وأعمالها سبعمائة ألف أو يزيدون. ثم سار التتار إلى سابور فحاصروها خمسة أيام، ثم ملكوها، وفعلوا بهم كما فعلوا بأهل مرو.
ثم سارت منهم طائفة إلى طوس، ففعلوا كذلك، وأحرقوا المشهد الذى فيه على بن موسى الرضى رضى الله عنه؛ وفيه قبر الرشيد رحمه الله. ثم ساروا إلى هراة، وهى من أحسن البلاد، فحاصروها مدة عشرة أيام، فملكوها، وقتلوا منهم البعض، وأمنوا الباقى، وجعلوا عندهم شحنة من جهتهم. ثم ساروا إلى غزنة، فلقيهم السلطان جلال الدين فكسرهم كسرة عظيمة، وقويت قلوب الإسلام، فعاد كل من كان عندهم شحنة من جهتهم قتلوه. فلما ردت التتار إلى جكزخان، وهو بمدينة الطالقان، تجهز بجموع التتار لقتال السلطان جلال الدين.
هذا ما جرى للتتار. وأما السلطان جلال الدين فإنه بعد كسره التتار عظم أمره، وقوى سلطانه، وتكاثرت جيوشه، وعزم على طلب بغداد، وقتل الخليفة الإمام الناصر لدين الله. وكان قد تقدم القول بما كان من الاتفاق بين الملك المعظم صاحب دمشق، وبين السلطان جلال الدين، والمعاقدة والأيمان.
قال أبو المظفر: حكى لى الملك المعظم قال: كتب إلىّ جلال الدين يقول: «تحضر أنت وجميع من عاهدنى واتفق معى، حتى نقصد الخليفة، فإنه كان السبب فى هلاك السلطان علاء الدين أبى، وجسّر التتار لدخول البلاد، وصغّر عندهم أمر المسلمين، حتى أخربوا الدنيا» . قال المعظم: فكتبت إليه نقول: «أنا معك على كل أحد إلا الخليفة. فإنه إمام المسلمين» . فبينما هو على عزم بغداد، وكان قد سير جيشا إلى تفليس فسيروا إليه يقولون:«أدركنا فما لنا بالكرج طاقة، وبغداد ما تفوت» .
فسار إلى تفليس، وخرج إليه الكرج، وضرب معهم مصافا، وقتل منهم سبعين ألفا.
وفتح تفليس عنوة بالسيف، وقتل منها ثلاثين ألف، تكملة المائة ألف. وكان فى سلخ شهر ذى الحجة من هذه السنة، وقوى سلطان جلال الدين أضعاف ما كان، وطاعته جميع المتغلبين على الأقاليم.
وفيها كان له وقعة عظيمة مع فرقة من التتار، وكانوا فى ثلاثين ألف فارس، مع إحدى بنيه-أعنى جكزخان-يسمى قطوخان، فكسرهم كسرة شنيعة، وقتل منهم اثنى عشر ألف من خيار مغلهم. وكانت هذه الوقعة على نصيبين. وسلم قطوخان، وعاد مهزوما إلى أبيه جكزخان، فغضب عليه، وقيده، وأعاده إلى بلادهم تحت الاحتراز. ثم إن جكزخان استهمّ فى التجهيز، وجمع جيوشا عظيمة لقتال السلطان جلال الدين منكبرتى. ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وستمائة.