الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال: «احفظوا البلاد إلى حين عودتى إليكم» . ثم سار طالبا خراسان.
هذا ما ذكره ابن الأثير فى تاريخه، رحمه الله تعالى.
وأما ما ذكره ابن واصل صاحب تاريخ بغداد-رحمه الله-فإنه قال:
إن عسكر السلطان علاء الدين خوارزم شاه كان فيه الكفاية للتتار وزيادة عنه، وإنما كان فيه جماعة من الملوك مخامرين عليه، فخاف على نفسه منهم لا يسلمونه للتتار ولا يناصحونه فى الحرب، ففعل ذلك، والله أعلم.
ذكر دخول التتار بلاد الإسلام
قال ابن واصل فى تاريخه: ثم إن التتار تجمعوا مع ملكهم جكزخان، وقطعوا نهر سيحون بجموعهم وأثقالهم وحريمهم، من غير اكتراث ولا وجل. ووصلوا مدينة بخارا بعد خمسة عشر شهرا من هذه الوقعة، وحاصروها ثلاثة أيام، فلم يكن للعسكر الذى ببخارا بالتتار طاقة ولا قبل، فخرجوا من البلد ليلا، وهربوا إلى نحو خراسان. وأصبح أهل البلد وليس عندهم أحد من المقاتلة، فضعفت نفوسهم. وخرج القاضى ببخارا يطلب الأمان من التتار، فأعطوهم الأمان، وكان كذبا منه ولعنة.
وكان قد بقى فى البلد بقية من العسكر، فاعتصموا بالقلعة، ودخل التتار البلد يوم الثلاثاء رابع شهر ذى الحجة سنة سبع عشرة وستمائة. ونادى جكزخان بالأمان، وأظهر العدل حتى اختاروه الناس على السلطان علاء الدين. ثم قال:«نحن قد أمنّاكم فأخرجوا لنا أموال عدونا السلطان خوارزم شاه وذخائره، وساعدونا على قتال هذا الباغى والذين فى القلعة» . ثم دخل الملك جكزخان بنفسه البلد، ونادى:«من تخلّى عن مساعدتنا على هذه القلعة قتل، ولا له أمان عندنا» . فاجتمع أهل بخارا بكمالهم بين يديه، فأمرهم بردم الخندق، فردموه بالخشب والتراب، حتى كسروا أخشاب
المنابر وسقوف المساجد. وطموا الخندق، حتى بالكتب النفيسة والختمات الشريفة والربعات المعظمة. فلما طموه، أمر بالزحف عليهم. وكان بالقلعة أربع مائة مقاتل، فصبروا على القتال صبر الكرام اثنا عشر يوما. ثم نقبوا سور القلعة وملكوها، وقتلوا جميع من كان بها من الجند وغيرهم. ثم أمر جكزخان بإحضار وجوه البلد وأعيانها، وطلبهم بالأموال من الذهب والفضة الذين يتبايعون بها بسكة السلطان خوارزم شاه، وقال:«لنضربها باسمنا ونعيدها إليكم. وأى من أخفى شيئا منها قتل» ، فأحضروا له جميع ذلك. فلما صفّى أموالهم، أمرهم أن يخرجوا من البلد مجردين من جميع أموالهم وقماشهم وأثاثهم. ثم دخل التتار البلد، ووضعوا السيف، وسبوا النساء، وقتلوا الولد على صدر أبيه وأمه، وفعلوا من المصائب ما تقشعر لسماعه الأبدان. ثم أطلقوا فى البلد النار فأحرقوه. ثم توجهوا إلى سمرقند ومعهم خلق عظيم من أهل بخارا، يمشون حفاة عراة. ومن عجز منهم عن المشى قتلوه. فأحاطوا بسمرقند، وكان فيها خمسون ألف فارس، ومن العامة عالم لا يحصى عددهم إلاّ الذى خلقهم. فخرجوا العامة على التتار وقاتلوهم. وأما الجند فلم يخرج إليهم منهم أحد، وذلك لما علموا بعجزهم عنهم. فلما خرجت العامّة تأخروا التتار وانهزموا قدامهم، فطمعت فيهم العامة وتبعوهم مدة يوم كامل، حتى بعدوا عن المدينة، ثم رجعوا عليهم، فقتلوا الجميع، فعند ذلك ضعفت نفوس من بقى فى البلد. وأما الجند فإنهم طلبوا الأمان لأنفسهم؛ وذلك أنهم كانوا أتراك فظنوا أن التتار ترق لهم لأجل الجنسية، فأعطوهم الأمان. فخرج الجند من البلد بأموالهم وأثقالهم وأهاليهم، فقالوا التتار لهم:«اعطونا سيوفكم فإنكم فى ذمامنا، ولا حاجة لكم بسلاح، ونحن محتاجون إلى ذلك» ، فأعطوهم جميع سلاحهم. ثم داروا بهم فقتلوهم عن آخرهم.
وفى اليوم الرابع داروا بالبلد، وفعلوا به كما فعلوا ببخارا، وأحرقوها. وذلك فى شهر المحرم سنة تسع عشرة وستمائة.