الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة تسع عشرة وستمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم ثلاثة أذرع وسبعة أصابع. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وسبعة أصابع.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام النّاصر لدين الله أمير المؤمنين.
وفى شهر صفر منها خطب لولى العهد، عدة الدنيا والدين، أبى نصر محمد بن الإمام الناصر لدين الله.
وفى شهر ربيع الأول دخل الملك المسعود صاحب أقسيس ابن السلطان الملك الكامل إلى مكة-شرفها الله تعالى-سلطانا مستقلا. وهو أول من ملكها من الأتراك. وهرب حسن بن قتادة صاحبها، ونزل عند أخواله عنزة.
وفيها وصل الملك الأشرف موسى إلى القاهرة المحروسة وأمر بعمارة تربة والدته، المعروفة بتربة أم الأشرف.
وفيها كانت الوقعة بين الفرنج والسلطان الملك الكامل، وقتل من الفرنج عشرة آلاف فارس.
وأما السلطان علاء الدين والتتار، فإنه متحيّد عنهم، يضرب فى الأرض عن ملتقائهم يمينا وشمالا. ثم إن جكزخان لما ملك سمرقند-حسبما ذكرناه-جرّد من كبار المغل عشرين ألف فارس، وقال لهم:«تأتونى بالسلطان علاء الدين حيث كان وأين كان» . قال صاحب التاريخ: أجمعت الرواة أن هؤلاء العشرين ألف الذين سيرهم
جكزخان هم أكبر جيوش التتار بيوتا فيهم، ويسمون المغرّبة لكونهم ساروا إلى غربى خراسان، وهم بيت هلاوون. وأنهم ساروا يقصدون مكانا يسمى بنجاز آب وهو مفرق خمس مياه. وكان السلطان علاء الدين قد نزل خلف ذلك الماء، معتصما من التتار. فلما وصل التتار إلى ذلك النهر لم يجدوا ما يعدون به ولا من يخبرهم بأمره، ويقال إنه نهر جيحون. فصنعوا من الخشب شبه الأحواض، وجعلوا أسلحتهم فيها، مع سائر عددهم. ثم ألقوا الخيل فى البحر، وتعلقوا بأذيالها مع أطراف تلك الأحواض، وقطعوا ذلك النهر جميعهم فى دفعة واحدة. ثم لبسوا سلاحهم وركبوا خيولهم. ولم يشعر بهم السلطان علاء الدين إلا وهم معه على الأرض، فولى هاربا، وتفرّق جيشه، ولم يلو الأخ على أخيه، ولا الوالد على ولده. ثم تفرقت كل فرقة من جيشه إلى جهة من الجهات. وتوجه السلطان علاء الدين إلى مدينة سابور. واجتمع إليه بها العساكر، فلم يشعر إلا بأوائل التتار وقد طلعوا عليه، فانهزم منهم إلى مدينة مازندران، فقصدوه أيضا بها. وعاد كلما قصد مكانا تبعوه، حتى وصل إلى الرىّ، وهى من عراق العجم، ثم منها إلى همذان، والتتار خلفه.
ثم عاد إلى مدينة مازندران، ثم قصد مخاضة على بحر طبرستان فى مكان يسمى باب سكون، فنزل فى سفينة، ومضى إلى قلعة له فى البحر لا ترام ولا تدرك، فاعتصم بها خيفة من التتار، فأدركته المنية، فمات بها، رحمه الله.
وكان السلطان علاء الدين ملكا جليلا، عظيم القدر، كثير الفضل، يحب العلماء والفضلاء، ويسمع المديح ويجيز عليه الجوائز السنية. وكانت سعة ملكه من العراق إلى بلاد تركستان إلى بلاد البرلى، مضافا إلى ملك غزنة، مع بعض بلاد الهند، مع سجستان وكرمان وطبرستان. وكان تقدير سعة ذلك سبع أشهر طول فى ستة عرض.
فخرج عن جميع ذلك، خوفا من التتار، وزال ملكه فسبحان من لا يزول ملكه.
وكان متخلقا بأخلاق أسلافه الملوك السلجوقية، فإنهم كانوا ملوكا عظيمى القدر، فضلاء، أدباء، علماء، كرماء. ومن طريف ما يحكى عن السلطان ملك شاه المقدم ذكره من كتاب «جنى النحل فى أخبار ملوك العجم». قال محمد بن عبد الرحيم البلخى: قرأت فى كتاب يسمى «مطالع الشروق فى آثار بنى سلجوق» أن كان لملك شاه خازنا جمع له فى مدة سنين عدة أربعين خزانة، فيها من كل صنف عجيب ما لم يجتمع لملك قبله. وجعل ذلك الخازن كل خزانة صنف لا يشبهه الآخر، من جميع أنواع الجواهر، والفصوص، والأوانى الذهب والفضة، والأموال الجليلة، والقماش المتع المثمن الملوكى. وقصد الخازن بذلك أن السلطان ملك شاه إذا رأى ذلك وما اجتمع له من هذه الأموال العظيمة أن يعرف له حقه فى أمانته واجتهاده.
فلما كمل له ما أحب، زين تلك الخزائن بأحسن زينة، وجهز ألف ثوب أطلس قرمزى، ليمدها فرشا تحت أقدام الملك عند دخوله إلى تلك الخزائن. ثم تقدم إلى بين يدى السلطان ملكشاه، وقبل الأرض، وقال:«المملوك يسأل مراحم السلطان، تنقل خطواته الكريمة إلى خزائنه المعمورة بدوام عزه، لينظر ما قد تحصّل فيها من الأصناف العجيبة، التى لم تجتمع لملك قط. وقد جهز المملوك ألف ثوب أطلس قرمزى لتفرش تحت أقدام مولانا السلطان، عند طوافه فى خزائنه» . قال: فأفكر السلطان طويلا وقال: «صف لى بلسانك ما تصل قدرتك إلى وصف ما تحصّل من جليل ذلك» .
قال: فوصف له الخازن من الأموال والأصناف والأمتعة ما لا ينحصر كثرة.
وقال: «يا مولانا هذا الذى وصفه المملوك بعض بعض ما يراه مولانا السلطان.
فإن قدرتى تعجز عن وصف جملته». قال: فأفكر أيضا طويلا وقال: «أما ما قصدته من اطلاعى على مناصحتك وخدمتك واجتهادك فقد علم ذلك منك وتحققناه، وقد شكرنا اهتمامك. وأما توجهى إلى أن أنظر إلى متاع الدنيا وزخارفها فلا أفعل ذلك،
لئلا يقال عنى بين الملوك أنى مشيت لأنظر بعض نعم الدنيا، وما عند الله خير وأبقى.
وإنما اطلب الزعماء من جيوشنا، وسلم عليهم من جهتنا، وافرش تحت أقدامهم ما اعتديته لنا من أن تفرشه تحت أقدامنا. وأوقفهم على جميع ما عندك من جميع ما فى هذه الخزائن. وقل لهم: الملك يسلم عليكم، ويقول لكم انظروا ما اجتمع فى هذه الخزائن من الأموال التى تحصلت بمضارب سيوفكم. وجميعه فهو لكم. وإنما الملك فيه كأحدكم فليأخذ من شاء ما شاء. ولا تمنعهم شئ يأخذوه، ولو فرغوا الخزائن بكمالها».
قال: فخرج الخازن وجمع الزعماء وأتى بهم إلى الخزائن، وفعل ما أمره به السلطان، وأدّاهم رسالته إليهم-وكانوا ستمائة زعيم. قال: فلما فرغ الخازن من قوله، استقبلوا القبلة، وسجدوا، وقالوا:«هذا شكر لله عز وجل على ما خولنا من نعمه فى أيام مولانا السلطان ملك الإسلام» . ثم استقبلوا مكان سرير الملك وقبلوا الأرض، وقالوا:«وهذه لإنعام السلطان علينا، وبره بنا، وحسن ظنه ويقينه فينا» .
ثم ولوا خارجين. ولم يلتمس أحد منهم شيئا، قلّ ولا جلّ، وقالوا: «عرّف مولانا السلطان أن نحن رعيته، وعبيد سلطانه، وأن نحن نعلم من شفقته علينا، وبره وكرمه، أضعاف ما ذكره، وما رسم به. وهذا المال فهو لنا. وإذا احتجنا إليه سألنا مراحمه فيه.
وأحق ما كان مدخر لنا عنده وفى خزائنه. وعندنا من إنعامه وصدقته ما يكفينا ويزيد.
وإن رسم حملناه إلى هذه الخزائن ليكون مضافا لما هو مدخر لنا». قال محمد بن عبد الرحيم:
فو الله ما أدرى أيهم أكرم طباعا ولا أغزر مروءة، السلطان فى سماحة نفسه بتلك الأموال الجمّة التى لم يسمح بها ملك قط، أم الزعماء وشرف أنفسهم الأبية.
فلله درّهم، من ملك جواد، وزعماء أجواد.
قال محمد بن عبد الرحيم البلخى: ولما طالعت هذه الحكاية، عادت فى نفسى، وقدر الله تعالى أن الملك العادل نور الدين محمود بن أتابك زنكى-صاحب الشام-أنفذنى
رسولا إلى ملك الروم كيكاوس بن السلطان الغالب بن مسعود بن قليج أرسلان ابن طغريل بك بن ملكشاه السلجوقى، فاجتمعت به فى ملطية. وكان ملكا فاضلا، عالما، سخيا، من نسل هؤلاء الملوك السادة المذكورين. وله معرفة بأشعار العرب، وعلم المنطق، والجدل، قال: فلما حضرت بين يديه، رآنى حسن الحديث والمنادمة. وحسّننى الله فى عينه، فأحضرنى ذات يوم فى مجلس الشراب والمنادمة، فأخذ البرواناه الذى قدامه يصف علو همة السلطان وكرمه. ثم ذكر ماله من البلاد، وما عنده من الأموال والخزائن، وما ورث من آبائه وجدوده ملوك السلجوقية.
قال: فذكرت تلك الحكاية المنقولة عن جده ملكشاه، فقلت فى نفسى هذا وقتها، فأحكيتها، وزمكتها، ولطفتها. قال: فوالله لقد رأيت الملك كيكاوس وقد أخذته الأريحية لها، وبان فيه السرور، وطرب حتى رأيته خرج عن فرشه الى نحوى، وهو لا يحس بنفسه لإعجابه بهذه الحكاية، ثم تراجع إلى رتبته. وكان بين يديه طبق من ذهب فيه تماثيل من ذهب مرصعة، وتماثيل من عنبر، ومن أنواع الطيب.
قال: فأشار إلى الساقى، فوضع ذلك بين يدى، ولم أعلم لأى شئ وضعه بين يدى.
فما تكلمت، فقام أمير مجلس وغمزنى، فأتيته، فقال:«لم خدمت الملك وقمت بواجب إنعامه عليك» . قال: فعلمت أنه أنعم علىّ بذلك، فرجعت وقبلت الأرض بين يديه.
ثم قبلت يده. قال: فتبسم وأنشد:
نحن قوم تجرى السلاطين منا
…
فى العطايا على النجار القديم
لم تجد عندنا غير أريحىّ
…
أو شجاع أو عالم أو كريم
فهم آل سلجوق منتهى التبج
…
يل فى العالمين والتعظيم
ثم قال: «انظر إلى تلك الصورة» . قال محمد: فنظرت إلى صورة فى صدر ذلك المجلس عن بعد، وهى صورة سلطان جالس على رأسه تاج مرصّع بالجواهر. قال:
بشئ فأحضرت مرآة مصقولة، وبخّر تحتها ببخور لا أعرفه، وهى معلقة. وأطفأ تلك الشموع. فلما طلع ذلك البخور، عادت تلك المرآة تشرق كالشمس المضيئة، وعاد لها شعاعا يخطف بالأبصار، ولم تزل كذلك ما دام البخور تحتها. ثم قال:«أحضروا الكوز» . فأحضر كوز لا أعلم ما طينته، فجعل يصبّ فيه الماء، فيعود فى تلك الساعة خمرا من أطيب خمر يكون وأعطره. فقال:«هؤلاء من ذخائر جدنا ميكائيل ابن سلجوق» . قال محمد بن عبد الرحيم: فحملنى الشراب أن قلت: «أعز الله السلطان؛ بلغ المملوك أن سلجوق منتسب إلى ملوك آل ساسان ملوك الفرس» . فقال: «من أين لك هذا النقل؟» قلت: «سمعت الملك العادل نور الدين يذكر ذلك» . فتبسم وقال:
«صدق السلطان نور الدين، سلجوق يعد سبع جدود إلى يزدجرد بن شهريار آخر ملوك آل ساسان، وذلك أن لما خرج يزدجرد من إقليم العجم خرج معه حزداد بن جرهز أخو رستم صاحب القادسية. وحزداد كان من أكبر مرازبة يزدجرد، فلا زال به حتى سلمه لماهويه، مرزبان مرو، وكتب عليه سجلاّ بتسليمه إياه. ثم أن ماهويه مائل على قتل يزدجرد مع ملك الهياطلة، فقتل يزدجرد. وكان له ولد يسمى بهرام أفيند، دون البلوغ فى ذلك الوقت، فتخفى عند دادة له شفيقة عليه. وملكت المسلمون البلاد منهم، وعادت أولاد ماهويه يعرفون بمرو وتلك النواحى «خدا كسان» ؛ معنى ذلك «خانوا عهد الله» . ثم إن بهرام أفيند نكر نفسه من الملك، طلبا للحياة، وعاش بمدينة مرو، فولد له ولد فسماه فيروز. ثم ولد لفيروز ولد فسماه تكان.
ثم ولد لتكان ولد فسماه كيكاوس. ثم ولد لكيكاوس ولد فسمّاه كيغلغ. ثم ولد لكيغلغ ولد فسماه أرّق. فأبيع أرق لحسين بن طاهر بخراسان، أباعوه قوم من الخوارج فى أيام المهدى فى حديث طويل. فعاد أرق عند حسين بن طاهر كأحد بنيه لما عرّفه أصله. وكان حسين بن طاهر غلام لشخص يقال له تلكان بن ميسور ابن حنشرة. وحنشرة كان غلاما لحزداد بن جرهز المقدم ذكره أنه أخو رستم صاحب
القادسية الذى كان خرج مع يزدجرد من العجم. ثم إن أرق تزوج إلى قوم تركمان أصحاب خراكى وبر، فولد له سلجوق جدنا. فلما كان من السامانية ما كان-وهم غلمان عبد الله ابن طاهر بن الحسين بن طاهر-كان سلجوق فى معسكرهم وعديدهم، فعرف بهم. فانظر يا محمد إلى صنع الله تعالى، كيف أعاد ابن ملك القوم حتى عرف بغلمانيه غلمان ابن ابن ابن غلام مرزبان من مرازبة جده يزدجرد، ثم أعاد الله بمنّه وجوده إلى آل سلجوق وبنيه ممالك جدودهم آل ساسان على أحسن دين وأحبه إليه».
قال محمد بن عبد الرحيم: فلم أسمع أطرف ولا أغرب من هذا الحديث. فلما رجعت إلى الملك العادل نور الدين-رحمه الله-حدثته بهذا الحديث، وقدمت إليه ذلك الطبق، فقال:
«هو لك بارك الله لك فيه» . فقلت: «يا مولانا إنه لا يصلح أن يكون عند مثلى، وإنما يصلح أن يكون فى ذخائر السلطان» . قال: فأمر لى بعشرة آلاف دينار وأخلع علىّ، ثم قال لى:
قلت: وهذه الحكاية جرى لها نظير، وهى من غريب ما يسمع. وذلك أن لما كان فى سنة ثلاث عشرة وسبعمائة تجاريت مع الشيخ صدر الدين بن المرحل المعروف بابن الوكيل رحمه الله-فى أصول الناس، وإلى ما يصيروا إليه، فأحكيت له هذه الحكاية، فتعجب لها غاية العجب، وقال:«لا إله إلا الله! هذه والله نظير حكاية الأمير عز الدين أيبك المعظمى صاحب صرخد جدك. تعرفها؟» . قلت: «لا والله» . قال:
«وقفت على كتاب من خزانته يسمى «الوسائل إلى دقيق المسائل» أجد فيه بخط يده يقول مما عنى بجمعه العبد الفقير إلى الله أيبك المعظمى، وهو ميكائيل بن بهرام ابن مودود بن محمود بن داود أبو شجاع البرسلان السلجوقى». فتعجبت من ذلك، فاجتمعت بجمال الدين بن مصعب-رحمه الله-فى دمشق، فحدثته عن ذلك، فقال:«صدق، هو والله من بنى سلجوق، وأباعوه الخوارزمية للملك المعظم» . وهكذا أحكى لوالدى
رحمه الله. يقول ابن مصعب: والشيخ يحدثنى وهو كالغائب، فقلت:«أراك فى فكرة بتقصد تصنف شئ فى هذا» . فقال: «لا والله إلاّ مفكر فى صنع الله عز وجل. إن الذى جرى لسلجوق جرى لأيبك، لا يختل دقة» . قلت: «كيف؟» . قال:
فقلت: «يا مولانا لله درّ الحريرى فى قوله: المرء بنشبه لا بنسبه، والفحص عن مكسبه لا عن حسبه» . ففهمت منه-رحمه الله-ما لم أكن علمته قبل ذلك الوقت.
وقد خرج بنا الكلام وشجونه عن شرط الاختصار، وأنا أقول، أستغفر الله من ذلك.
…
ولما يئس التتار من السلطان علاء الدين قصدوا مدينة مازندران، فملكوها مع صعوبة مسالكها وحصاراتها. وكان المسلمون ما ملكوها فى أول زمان، وقنعوا من أهلها بأدنى الأشياء من الخراج. ولا زالت كذلك إلى أيام سليمان بن عبد الملك ابن مروان الأموى، فرغبوا أهلها فى الإسلام اختيارا لا اضطرارا، ودخلوا تحت الطاعة. وهؤلاء التتار ملكوها فى أقرب الأوقات وأيسر الأمور، وقتلوا جميع من كان بها على عادتهم الشنيعة. ثم توجهوا إلى الرىّ، فوقعوا فى طريقهم بالملكة عصمة الدين خاتون والدة السلطان علاء الدين خوارزم شاه، وكانت قاصدة أصبهان وهمذان إلى ولدها، لما بلغها ما جرى عليه، فأخذوها، وأخذوا جميع ما كان معها -وكان ملكا عظيما-وسيروها بجميع ذلك إلى جكزخان وهو نازل بسمرقند.
ولما وصل التتار إلى الرىّ إنضاف معهم من العساكر والمفسدين والكفار والأكراد خلق كثير، فملكوا الرى، وفعلوا فيها أقبح مما فعلوه فى غيرها. ثم ساروا
مسرعين إلى همذان، فلما قاربوها خرج إليهم كبراؤها بالدواب والخيل والأموال، حتى ملأوا عيونهم وطلبوا الأمان، فتركوا بها شحنة من جهتهم، وساروا عنها إلى أذربيجان، فملكوها، وقتلوا كل من كان بها، ثم قزوين، فاعتصم أهلها بالمدينة، فحاصروها وملكوها، وقتلوا كل من كان بها، وكذلك زنجان. ثم ساروا إلى موقان، وإلى مدينة مرو، واقتتلوا فى طريقهم مع الكرج وكسروهم.
وفيها سيّر صاحب أذربيجان-وهو أزبك بن البهلوان السلجوقى-إلى الملك الأشرف موسى يستنجده على التتار، فتكاتبوا الملوك الإسلامية، واتفقوا أن إذا خرج الشتاء ركبوا الجميع ولاقوا التتار، وظنوا أن التتار لا يدخلوا إليهم فى تلك السنة.
وأما التتار فإنهم ساروا فى أول الربيع إلى بلاد الكرج، وانضاف معهم مملوك لصاحب أذربيجان يسمى أقوش، وجمع معه خلقا من المفسدين، من الجبال، تركمان وأكراد وجبلية، وغيرهم من الطوائف العديمى الدين. وسار بهم أمام التتار حتى وصلوا أذربيجان، فملكوا حصنا من حصونها، وفتحوا أكثر بلادها. وساروا مجدين إلى تفليس، فخرجت جميع الكرج مجدين معدين، والتقوا عسكر أقوش، واقتتلوا قتالا عظيما، قتل بين الفريقين خلق عظيم. كل هذا وعسكر التتار ما وصل إليهم.
فلما وصلت التتار، كانت الكرج قد تعبت. فلما أردفت التتار لعسكر أقوش ولى الكرج منهزمين، وركبت التتار أقفيتهم قتلا وأسرا. وكان ذلك فى ذى القعدة من هذه السنة. ثم توجه التتار إلى توريز، فصانعهم صاحبها بأموال عظيمة.
ثم توجهوا إلى مراغة، وكانت ملكتها امرأة مقيمة بالقلعة، فنزلوا عليها وحاصروها عدة أيام، وأسرى المسلمين بين أيديهم يزحفون بهم على المسلمين. وهكذا كانوا يفعلون، يقابلون بالمسلمين المسلمين فى سائر الأقاليم. ولم يزالوا حتى ملكوا مراغة، فى شهر صفر من سنة عشرين وستمائة، وفعلوا بهم كعوائدهم الشنيعة.