الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة ثمان وأربعين وستمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم خمسة أذرع وأربعة أصابع. مبلغ الزيادة سبعة عشرة ذراعا وأصبعان.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام المستعصم بالله أمير المؤمنين. والوزير بحاله.
ذكر اللّيلة الغراء المسفرة عن الصباح الأزهر بالنصر والظفر
وذلك لما كانت ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من المحرّم، رحل الملاعين، فارسهم وراجلهم، هاربين إلى نحو دمياط. وهربت مراكبهم فى البحر. وركب المسلمون يدا واحدة خلفهم، ولحقوهم، وأدركهم الصياح من كل جانب ومكان.
وتمكن منهم المسلمون قتلا وأسرا، فكانت عدة القتلى فى تلك الليلة نيفا وثلاثين ألف. ثم ساق خلفهم الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى الصّالحى، فى جماعة من العصابة التركية. وحازوا الفرنسيس ومن معه من أمراء الفرنج وملوكها على تل هناك، فاستسلموا وطلبوا الأمان، فلحقهم الطواشى محسن الصّالحى، فأمّنهم ونزلوا على أمانهم. وأحاطت بهم المسلمون وأخذوهم، وعادوا بهم إلى المنصورة.
وضربت للفرنسيس خيمة كبيرة، وأنزلوه بها. ثم رحل الملك المعظم، ونزل على فارسكور، وضرب دهليزه. وجدّ فى أخذ دمياط، ولو كان طلبها من الفرنسيس
لم يمنعها، ولكن كان المعظم صبى العقل، ضعيف الرأى، لا يرجع لرأى أحد.
وقد ذكر جماعة من المؤرخين أن عدة من قتل من الفرنج فى هذه النوبة مائة ألف أو يزيدون.
ووصل كتاب السلطان الملك المعظم إلى الأمير جمال الدين يغمور نسخته:
بسم الله الرّحمن الرّحيم:
ولده توران شاه.
الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن. وما النصر إلاّ من عند الله. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الحكيم. وأما بنعمة ربك فحدث.
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. نبشر المجلس السامى الأميرى الجمالى، بل نبشر الإسلام كافة، بما منّ الله به على المسلمين، من الظفر بأعداء الله وعدو الدين، وأمكن من ناصية طاغيتهم، بعد ما استفحل أمره، واستحكم شره، ويئس العباد من البلاد، ومن الأهل والأولاد، فنودوا لا تيئسوا من روح الله.
ولمّا كان يوم الأربعاء، لثلاث ليال مضين من المحرم من هذه السنة المباركة، تمم الله على الإسلام بركاتها، فتحنا الخزائن، وبذلنا الأموال، وفرقنا السلاح على الرجال، وجمعنا الجيوش من كل مكان، حتى من سائر الأقطار العربان، فاجتمع خلق لا يحصى عددهم إلاّ الله تعالى، وجاءوا من كل فج عميق، ومن كل مكان سحيق. ولما عاين العدو المخذول ذلك، وتحقق المهالك، أرسل يطلب الصلح على ما كان وقع عليه الاتفاق مع الملك الكامل، وقصدوا أن يبلغهم من ذلك ما يأمله منهم كل آمل. ولم نوافقهم على قصدهم، وعملنا على حصدهم. فلمّا يئسوا أركنوا إلى الفرار، ولبسوا سواد الليل لئلا يفضحهم ضوء النهار، وتركوا خيامهم خالية، وعلى عروشها خاوية، وكذلك أموالهم وعددهم وأثقالهم، وقصدوا دمياط هاربين.