الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة ثمان وعشرين وستمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم ذراع واحد ونصف أصبع. مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وعشرة أصابع.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين. والوزير ابن العلقمى. والسلطان الملك الكامل بالديار المصرية. ووصل الملك الأشرف وصحبته صاحب الجزيرة إلى القاهرة المحروسة.
وفيها كانت كسرة جلال الدين من التتار. وقتل، وانقطع سلطانه. وسبب ذلك أن التتار لما بلغهم كسرة جلال الدين من الأشرف وصاحب الروم، طمعوا فيه، وطلبوه وقصدوا توريز. فانهزم منهم إلى ديار بكر. وكان قد استحلف صاحب آمد أنه يفتح له الباب إذا حصره التتار، ويكون ظهرا له، فجاء إلى آمد، فغلقوا فى وجهه الباب، ورموه بالحجارة من فوق الأسوار، فأخذ على وجهه. هذا بعد ما كسره التتار فى شهر شوال من هذه السنة، وهى الكسرة التى لا جبر لها، بعد عدة وقائع قد تقدمت أخبارها بحكم التلخيص. ووصل الخوارزميون مكسورين من التتار، وخرج عسكر حران والرّها، وقاتلوهم ونهبوهم.
وأما جلال الدين فإنه وصل إلى أطراف الجبال، فوصل إلى قرية من أعمال ميافارقين، فطلبه التتار من شهاب الدين غازى، فقال:«والله ما أعلم أين هو» .
فقاتلوا ميافارقين أياما، فلم يقدروا على شئ منها، فعادوا إلى الفاضلية، فقتلوا نيفا
وعشرين ألف نفرا من المسلمين وأحرقوها. وعادوا إلى أخلاط، وكانت بوادر الشتاء قد أقبلت، ووصلت طائفة منهم إلى نصيبين. وكان جلال الدين لما وصل إلى تلك القرية التى من عمل ميّافارقين وحده، وليس معه غيره، أنزله بعض الأكاريد عنده، وطمعت نفسه فى ما كان عليه من القماش، فقتله عندما نام فى الليل. فبلغ المظفر شهاب الدين غازى ذلك، فنفّذ أحضر الكردى، وأحضر قماش السلطان جلال الدين وفرسه، وتأسف عليه، وأمر بقتل جميع أهل تلك القرية كبيرهم وصغيرهم، تأديبا لغيرهم، بحيث لا يعود أحد يجسر على الملوك. وانقطع ملك جلال الدين، وتشتت الخوارزمية وتمزقوا كل ممزق.
قال المنشى فى تاريخه-وهو مصنف سيرة السلطان علاء الدين وولده جلال الدين-: إن الذى ملكه السلطان جلال الدين بعد أبيه علاء الدين أربع مائة مدينة، مثل خراسان وأصبهان وسمرقند وبخارا، وأنظارهم، فشرهت نفسه حتى قتله شرهه.
وكان قد أساء السيرة فى آخر وقت، وبدت منه أمور تلى إلى الجنون، لابل هو الجنون بعينه. منها أنه كان له مملوك يسمى قاشى، وكان يحبه محبة عظيمة، فمات ذلك المملوك، فحزن عليه حزنا شديدا حتى أخرجه عن حدّ الاعتدال. وأمر أن يجعل فى تابوت وصبّر. وكان يحضر تابوته على الطعام والخوان، ويقول ساعة ساعة:
«اطلبوا قاشى! جيبوا قاشى!» . ويسيّر إليه الطعام من قدامه، والفاكهة والحلوى،
ولا يقدر أحد أن يفوه بموته. فلما رأى كبار دولته ووزرائه ذلك علموا أنه خولط فى عقله، فتخلى عنه كثير من جموعه.
وفيها كان الغلاء بمصر.
وفى خامس عشر شعبان أمر السلطان الملك الكامل بحفر البحر الذى من دار الوكالة بمصر إلى صناعة التمر. واستعمل فيه الملوك والأمراء والعوام. وعمل هو بنفسه فيه. وكان البحر فى نقصه قد صار طريقا من مصر إلى الجزيرة، فخشى عليه من ردمه، فاجتهد فيه، وغرّق عدة مراكب، وغرم جملة أموال، حتى سلط البحر، واستقر بين مصر والجزيرة.
وفيها نفّذ ملك الكرج-المعروف بابن البهلوان-إلى الملك الأشرف، بقصد اجتماع الكلمة على ملتقى التتار، لما بلغه أنهم قاصدين نحوه، فلم يحصل بينهما اتفاق لأمر أراده الله عز وجل فى تسليط هؤلاء القوم، فلا مفر من حكمه.
وفيها كان وصول السترين الرفيعين فاطمة خاتون بنت الملك الكامل إلى زوجها الملك العزيز صاحب حلب، وغازية خاتون بنت السلطان الملك الكامل أيضا إلى زوجها الملك المظفر صاحب حماه. وكان خروجهما صحبة ركاب السلطان لما توجه إلى بلاد الشرق. وكان لوصولهما همم عالية يقصر عنها الوصف، فأضربت عنه لطوله، وكون تاريخنا تاريخ تلخيص.