الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة أربع وستمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم خمسة أذرع وسبعة أصابع. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وسبعة أصابع.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين بحاله. والسلطان الملك العادل كذلك. وكان له ثلاثة عشر ولدا ذكورا تأتى أسماؤهم فى مكانها، إن شاء الله.
وكان منهم الملك الأوحد نجم الدين، وكان قصيرا دميما، حقيرا فى العين، فخرج مع والده وإخوته إلى الصيد، فأرسل السلطان بازا على طائر، فحط الباز على رأس الملك الأوحد، فضحك السلطان وقال:«قد اصطاد بازنا اليوم بومة» . فانكسر قلب الأوحد. وقيل: إن الباز كان أهداه للسلطان صاحب أخلاط، فى جملة هدايا.
وهذه الواقعة تعد من النكت الغريبة. فلما صار الأوحد صاحب ميافارقين، وقدر الله تعالى أنه ملك أخلاط-لما استدعوه أهلها، وسلموه البلد من غير كدّ ولا تعب- فكتب إلى أبيه يبشره، ويقول له فى جملة مكاتبته:«يا مولانا؛ البومة التى صادها باز مولانا السلطان فى اليوم الأول من شهر كذا فتحت مدينة أخلاط، وإنما كان الباز من صاحب أخلاط، فبشر المملوك بأن يكون ملكها» . فلما قرأ السلطان كتابه تعجب منه كيف أسرّها فى نفسه، وعظم أمره فى قلبه.
وفيها على ما ذكر ابن الأثير-رحمه الله-صاحب التاريخ الكبير الجامع، إن خوارزم شاه عبر بلاد الخطا بجميع عساكره، وذلك باتفاق من صاحب سمرقند وبخارى وهم الخطا الذين يلقبون ملوكهم «خان الخان» يعنى ملك الملوك، وأنهم حشدوا والتقوا معه، وجرى بينهم قتال عظيم فى عدة وقعات، فتارة له وتارة عليه.
فلما كان فى هذه السنة، اقتتلوا أشدّ قتال، فوقعت الكسرة على خوارزم شاه، وانهزم جيشه هزيمة قبيحة، وأسر كثير من المسلمين، وأسر خوارزم شاه، وأسر معه بعض أمرائه الكبار-يقال له شهاب الدين بن مسعود -، أسرهم جميعا رجل من الخطائيين وهو لا يعرفهما. ووصل المنهزمون من جيوش السلطان، وفقدوا خوارزم شاه، فعظم عليهم، واشتاشت العساكر، واختبطت البلاد. ثم إن شهاب الدين بن مسعود قال للسلطان:«يجب عليك فى هذا الوقت أن تدع السلطنة ونقش الملك، وتصير خادما لى، لعلى أحتال فى خلاصك» . فشرع خوارزم شاه يخدمه، ويقدم له الطعام، ويقوم فى قضاء حوائجه. فقال الرجل الخطائى الذى
أسرهما لابن مسعود: «إن هذا الرجل يكثر من تعظيمك» . فقال له ابن مسعود:
«أنا رجل كبير فى قومى، وهذا غلامى» . فعاد ذاك الرجل الخطائى يكرر لابن مسعود، ويقوم بحقه، وقال له:«لولا إن قومى عرفوا مكانك عندى وإلا كنت أطلقتك» . ثم تركه أياما، فقال له ابن مسعود:«إن المنهزمين يرجعون ولا رأونى، فيظنون أهلى أنى قد قتلت، فيعملون مأتمى، ويتفرقون أموالى ويقتسمونها، فأهلك ولا أعود أجد ما أستفكّ به نفسى. فلعلك أن تقرر علىّ شئ من المال فأحمله إليك» . فقرر عليه مالا جيدا، وقال:«أريد أن تأمر رجلا عاقلا يذهب بكتابى إلى أهلى، ويأتيك بما طلبت، وإن كنت تأمر أن تنفذ غلامى هذا فهم يعرفونه ويثقون به، فإن أصحابكم لا يعرفون أهلى» . فأذن له ذلك الرجل فى إنفاذ غلامه. فعندها سيّر ابن مسعود السلطان خوارزم شاه، والخطائى يظن أنه غلامه.
ثم جهزه الخطائى بفرس وجنيب، وأنفذ معه جماعة من أهله وأقاربه، ووصّلوه إلى قريب من خوارزم، وعادوا وتركوه. ثم وصل السلطان إلى قريب من محل ملكه، فعرّف بنفسه، والتأمت عليه نواب بلاده، واستبشروا به أهل مملكته، وضربت البشائر بسائر ممالكه، وزينوا المدن والحصون.
وأما ابن مسعود فإنه أقام عند ذلك الرجل، فدخل عليه يوما فقال لابن مسعود:
«قد وردت الأخبار على ملكنا أن السلطان خوارزم شاه قد عدم فإيش عندك من خبره» . فقال ابن مسعود: «أو ما تعرف خوارزم شاه؟» . قال: «لا، والله» . قال:
«هو والله أسيرك الذى سفرته وجعلته غلامى» . فبهت الرجل وقال: «ولم لا عرفتنى حتى كنت خدمته وسرت بين يديه؟» . فقال ابن مسعود: «قم الآن بنا نسير إليه، فإنه يحسن مكافأتك أضعاف ما أمّلته عندى» . فسارا إليه، وقدما عليه، فجعل ابن مسعود حاجبا كبيرا، وجعل ذلك الخطائى أميرا، وأحسن إليهما غاية الإحسان، والله أعلم.
وفيها وصلت رسل الخليفة الإمام الناصر لدين الله، بالخلع العظيمة، وتقليد بجميع البلاد الشامية والديار المصرية والممالك بالشرق، والخلع إلى سائر الملوك أولاده، صحبة شهاب الدين شيخ الشيوخ السهروردى، والأمير نور الدين السلحدار الناصرى. قلت: وهذا الشيخ شهاب الدين السهروردى القائل هذين البيتين، وذلك لما أشفق من طول العمر، فقال:
يا رب لا تبقنى إلى زمن
…
أكون فيه كلاّ على أحد
خذ بيدى قبل أقول لمن ألقاه
…
عند القيام خذ بيدى
وقيل فى هذه السنة سكن الملك الكامل القلعة، وجدد بها الآدر والمناظر والمستنزهات والحمامات وغير ذلك.
قال ابن واصل: فى هذه السنة عزل الخليفة [الناصر لدين الله] وزيره نصير الدين ناصر بن مهدى العلوى الحسنى، وذلك لما خيلوه منه الأعداء، وأغروه به، فمن ذلك ما قيل:
ألا مبلغ عنى الخليفة أحمدا
…
توقّ-وقيت السوء-ما أنت صانع
وزيرك هذا بين أمرين فيهما
…
فعالك-يا خير البرية-ضائع
فإن كان حقّا من سلالة أحمد
…
فهذا وزير فى الخلافة طامع
وإن كان فيما يدّعى غير صادق
…
فأضيع ما كانت إليه الصنائع