الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة أربعين وستمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم أربعة أذرع وأربعة عشر أصبعا. مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثمانية أصابع.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين إلى حين وفاته فى هذه السنة، بكرة يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة، وله أحد وخمسون سنة وأربعة أشهر وسبعة أيام.
وكتم موته، ولم يشعر بوفاته، ودعاء الخطباء فى ذلك اليوم له. ثم خرج شرف الدين إقبال الشرابى ومعه جماعة من الخدام إلى التاج الشريف، وحضروا بين يدى ولده.
ذكر خلافة الإمام المستعصم بالله وأخباره وما لخص من سيرته
هو أبو أحمد عبد الله المستعصم بالله بن المستنصر بالله بن الظاهر بأمر الله ابن الناصر لدين الله. وباقى نسبه قد علم. أمه أم ولد، يقال إنها روميّة، تعرف بقوت القلوب. بويع يوم وفاة أبيه. ودخل عليه شرف الدين إقبال الشرابى وبقية الخدام، وسلموا عليه بأمير المؤمنين. ثم عرّف الوزير وأستادار. وحضر القضاة وبدر الدين بن القمى وبايعوه، وعزوه بأبيه. وكذلك باقى أولاد الخلفاء، ثم سائر الأمراء والأعيان. ثم أعرضت عليه ألقاب الخلفاء، فاختار المستعصم بالله.
وفى صبيحة ذلك اليوم رأى الناس أبواب الخلافة مغلقة. وجلس عبد اللطيف ابن عبد الوهاب الواعظ، ثم أخبرت الناس بوفاة الإمام المستنصر، وبيعة الإمام المستعصم. فكان من جملة ما قاله الواعظ من الكلام: «أيها الناس إن إمامكم المستنصر بالله قد درج إلى رحمة الله ورضوانه. وقد بويع ولده الإمام المستعصم بالله
أبو أحمد عبد الله أمير المؤمنين». ثم استدعى إلى دار الخلافة الولاة والزعماء والمدرسون، ومشايخ الرباطات، والأعيان. وفتح باب العامة، فدخل المذكورون وعليهم ثياب العزاء. وانتهى بهم المشى إلى بستان التاج الشريف. وقد نصب بين يدى شباك المبايعة كرسى بدرج، والوزير جالس على أعلى درجة، ومن دونه الأستادار يأخذ البيعة على الناس. ونصها:«بايع سيدنا ومولانا أمير المؤمنين على كتاب الله وسنة نبيه واجتهاد رأيه الشريف، وأن لا خليفة للمسلمين سواه» . فبايع الناس أولا فأولا على قدر درجاتهم. ثم أسبلت الستارة، واحتجب بها. ولم تزل المبايعة إلى يوم الاثنين ثالث عشره.
ثم تقدم من حضر من الناس، وأمر بالحضور بين يديه إلى دار النوبة. ووصلت محفة الوزير إلى باب الرّواق. وجلست الصدور حوله على قدر مراتبهم، وقرئ القرآن العظيم، وختمت الختمة الشريفة. وتكلم الإمام جمال الدين بن الجوزى، وهو أبو الفرج عبد الرحمن بن محيى الدين يوسف. وانقضى المجلس.
واستقر خليفة إلى حين أخذ التتار بغداد، فى سنة ست وخمسين وستمائة، فى شهر المحرم، فكانت خلافته خمس عشرة سنة، وثمانية أشهر. وأخرج من خلافته ومحلّ سلطانه [فى] السابع والعشرين من الشهر المذكور، حسبما يأتى من ذكر ذلك فى تاريخه.
وكان لهما أخ يعرف بالخفاجى، كان يزيد على المستنصر بالله فى الشهامة. وكان يقول:«إن ملّكنى الله أمر الأمة لأستنقذن من التتار جميع ما ملكوه من بلاد المسلمين» . فأضرب عنه أرباب الدولة لشهامته، ومالوا للمستعصم، للينه، ليكونوا الحكام عليه. وكان ذلك لأمر قد قدر.
وكان فيه هوج، وطيش، وظلم، مع بله، وضعف، وانقياد إلى أصحاب السخف. يلعب بطيور الحمام، ويركب الحمير المصرية الفره، غير ناظر إلى أمر مصالح
المسلمين، ولا مفكر فى عواقب الزمان. وهو آخر خلفاء بنى العباس ببغداد.
وعدتهم من السفاح إليه أربعة وثلاثون خليفة، بعد ما أسقطنا من جملتهم إبراهيم ابن المهدى، وعبد الله بن المعتز، فإن حسبا فى الجملة كانوا ستة وثلاثين خليفة، مدة ملكهم إلى حين انتقاض أمرهم على يد التتار من العراق-بحكم التقريب لا بالتحرير-يكون خمس مائة سنة، تزيد قليلا أو تنقص قليلا، فإن العبد جمل عدة سنين تملكهم-من السفاح إلى المستعصم هذا على رأى الجماعة أصحاب التواريخ- فكانت خمس مائة سنة وتسع سنين. وأضفت ذلك إلى أيام ملك بنى أمية، وأيام الخلفاء الراشدين، وأيام الهجرة. وأضفت إلى تلك السنين إلى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، فنقصت عن الجملة، تقدير عشر سنين. ولعلها متداخلة فيما بين المدد، واختلالها من جهة الأشهر والأيام التى لم تحصر، والله أعلم.
وفى هذه السنة توفى سيدى الشيخ أبى السعادات بن أبى العشائر الواسطى، قدس الله روحه، ونوّر ضريحه، شيخى وقدوتى، والوسيلة بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل، أن يحشرنى على ملته، ويمتنى على محبته، بمنه وكرمه ورحمته. ودفن سيدى الشيخ المشار إليه بالقرافة، بسفح المقطم، نفع الله ببركته.
قال ابن واصل: وفى هذه السنة كانت الوقعة بين الملك المنصور إبراهيم صاحب حمص وبين الملك المظفر شهاب الدين غازى صاحب ميافارقين. وكان مع الملك المنصور التركمان، ومقدمهم يسمى ابن دودا. وكان مع المظفر غازى الخوارزمية، فكانت الكسرة على المظفر والخوارزمية، ونهب أموالهم ونساءهم، وذلك يوم الخميس لثلاث بقين من صفر. ورجع المنصور إبراهيم إلى حلب منتصرا، وهو يومئذ منتظم فى سلك الصاحبة [ضيفة خاتون] أم الملك العزيز صاحب حلب.
وفيها توفت الصاحبة [ضيفة خاتون] المذكورة، واستبد بالأمر الملك الناصر صلاح الدين، وله يومئذ من العمر ثلاث عشر سنة، مراهقا للبلوغ، والرأى راجع إلى الأمير جمال الدولة إقبال الخاتونى، والوزير القاضى الأكرم جمال الدين بن القفطى.
وفيها-أعنى سنة أربعين وستمائة-كانت عدة وقعات بين عسكر حلب وبين الخوارزمية، ومعهم شهاب الدين غازى، وكذلك صاحب ماردين الملك السعيد إيلغارى. وآخر الأمر أن صاحب الروم أصلح بينهم، وقعد كل منهم ببلاد ونواحى.
وسير صاحب الروم يستخدم الرجال لأجل التتار وما فعلوه، وبطلت النجدة عليهم.