الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة ست عشرة وستمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم أربعة أذرع ونصف أصبع. مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وأصبعان.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين مستمر الأحكام، مطاع الأوامر.
والسلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه بن تكش سلطان الدنيا بالشرق جميعه، إلى ممالك الصين وبلاد الخطا وغير ذلك. والسلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد بن السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب سلطان الديار المصرية، وما معها.
وبقية الملوك إخوته بحالهم. والحرب قائمة على ساق بين المسلمين والفرنج-خذلهم الله- على ثغر دمياط.
وفى السادس من المحرم من هذه السنة هدم سور بيت المقدس وقلاعه وأبراجه وصهاريجه. ولم تزل العمارة فى هذا البيت من عهد البخت نصر إلى ذلك التاريخ، وسبب ذلك أن الملك المعظم صاحب الشام لما توجه إلى أخيه الملك الكامل، بلغه أن طائفة من الفرنج عزمهم إلى نحو البيت المقدس وأخذه، فاتفق مع الأمراء على خرابه، ليؤمن شرّه، ولا يكن لهم إلى نحوه التفات، فيشغلهم عما هم عليه. وخشوا أن يملكونه فيحصل لهم التعب فى إعادته منهم، فشرعوا فى هدمه فى التاريخ المذكور.
وكان يومئذ بالقدس الملك العزيز فخر الدين عثمان، والأمير عز الدين أيبك المعظمى -جدنا-صاحب صرخد. وكان فى البلد ضجّة وصراخ وبكاء وعويل، وخرجت البنات والصبيان والشيوخ والعجائز إلى الصخرة والأقصى، وقطعوا شعورهم عليهما، بحيث امتلأت تلك البقعة. وخرجوا هاربين، وتركوا أموالهم، وما شكّوا أن الفرنج تصبّحهم. فطلب بعضهم مصر، وبعضهم الكرك، والبعض دمشق. ومات خلق كثير من الجوع والعطش. وكان يوم لم ير الناس أصعب منه، ونهبت أموالهم.
وبلغ القنطار الزيت عشرة الدراهم، والنحاس رطل نصف الدرهم.
ولمّا كان فى شهر شعبان، أخذت الفرنج ثغر دمياط. وكان قبل ذلك قد جهزوا إليها ابن الجرخى-المعروف بالناهض-فى خمسمائة رجل، فهجموا على الفرنج بالخنادق، فقتل ابن الجرخى وجميع من كان معه، وصف الفرنج رؤوسهم على الخنادق. ثم إنهم طمّوا الخندق الذى لدمياط. وضعف حال أهلها، وأكلوا الميتات، وعجز الملك الكامل عن نصرتهم. ووقع فيهم الوباء والمرض والفناء، فراسلوا الملك الكامل، فتمادى عليهم الجواب، فراسلوا الفرنج أن يسلموا إليهم البلد، ويخرجوا بأنفسهم وأهاليهم وأموالهم، فأجابوهم إلى ذلك. ثم ركبوا فى البر والبحر وزحفوا وفتحوا لهم البلد فدخلوا ورفعوا أعلامهم على الأبراج والأسوار. ثم إنهم غدروا بأهل البلد، ووضعوا فيهم السيف قتلا وأسرا ونهبا. وباتوا تلك الليلة فى الجامع يفجرون بالنساء، ويفضحون البنات. وأخذوا المنبر والمصاحف، وبعثوهم إلى الجزائر. وجعلوا الجامع كنيسة. وكان أبو الحسن بن فضل يومئذ بدمياط، فسألوا عنه، فقيل لهم هذا رجل صالح من مشايخ المسلمين، تأوى إليه الفقراء، فما تعرضوا له. ووقع على الإسلام كآبة وحزن، وبكى السلطان الكامل، والملك المعظّم. وتأخرت العساكر من تلك المنزلة. وقال المعظم:«لو كان الدعاء يستجاب، لاستجاب لأهل دمياط» . قال أبو المظفر: فقلت: «لا تقل كذلك يا خوند فإن الله تعالى أخبرنا أنه يستجيب دعاءنا فى عدة مواضع من كتابه العزيز، وإنّما أهل دمياط لما كثر فسقهم، وفشا فجورهم، سلّط عليهم من انتقم منهم، لقوله تعالى:
{وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} . . . .» الآية. قال أبو المظفر: وكان الملك المعظم قد كتب إلىّ كتابا وأنا بدمشق بخط يده، يقول فيه: «أخو عيسى الكاملى.
قد علم الأخ العزيز ما جرى على دمياط، وأريدك تحرّض الناس على الجهاد، وتعرّفهم ما جرى على إخوانهم المسلمين أهل دمياط، من الكفرة أهل العناد. وأنى كشفت عن ضياع الشام فوجدتها ألفى ضيعة، ألف وستمائة أملاك لأهلها، وأربعمائة سلطانية. وكم مقدار ما تقوم [به] هذه الأربعمائة ضيعة من العساكر. والقصد أن يخرج أهل الأملاك يذبّوا عن أملاكهم، الأصاغر منهم والأكابر». قال أبو المظفر:
فجلست فى الجامع بدمشق، وقرأت كتابه عليهم، فأجابوا بالسمع والطاعة، وقابلوا أمره بالامتثال. وقالوا:«نتجهز جهدنا» . فلما حلّ ركابه بالساحل، وقع التقاعد من العامة، فكان ذلك سببا لأخذ الخمس من أموالهم. وتوجهت إليه فلحقته بقيسارية، ففتحها بالسيف عنوة، ثم فتح النقير، وانتقل فدخل دمشق، ووقعت جباية الخمس.
وفيها توفّيت الست ست الشام بنت أيوب، أخت السلطان صلاح الدين، وشقيقة الملك المعظم شمس الدولة توران شاه، وسيف الإسلام، ابنى أيوب. وهى التى تنسب إليها المدرستان اللتان بدمشق، الواحدة قبلى البيمارستان النورى، والأخرى ظاهر دمشق بالغوطة، وتعرف أيضا بالحسامية، نسبة إلى ابنها حسام الدين، وكانت دفنته بها. وهو إحدى القبور الثلاث، والقبلى هو قبر توران شاه، والأوسط قبر ابن عمها ناصر الدين محمد بن شير كوه. ولم يكن لأسد الدين شير كوه ولد غيره.
وكان تزوجها، وولدت له حسام الدين المدفون بالمدرسة المعروفة به. وكانت ست الشام من كرماء الناس الجيدات. وكانت تعمل فى بيتها كل سنة من الأشربة والمعاجين والعقاقير بألوف دنانير، وتفرقها على الناس للثواب. وكان بابها ملجأ القاصدين، ومفزع المكروبين. وكان وفاتها فى ذى القعدة من هذه السنة. وإخوتها أربع ملوك عظماء بنى أيوب؛ وهم السلطان صلاح الدين، والملك العادل سيف الدين