الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة تسع وثمانين وخمسمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم ستة أذرع وثلاثة وعشرون أصبعا. مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وثمانية أصابع.
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين مستمر الأحكام، مطاع الأوامر، فى سائر أقطار الأرض. والسلطان صلاح الدين إلى أن توفى فى هذه السنة إلى رحمة الله، ورحيب جنانه، بكرة يوم الأربعاء سابع عشرين شهر صفر من هذه السنة، بمدينة دمشق المحروسة.
ذكر وفاة السلطان صلاح الدين رحمه الله
كان السلطان صلاح الدين لما تفرغ قلبه من جهة الفرنج-خذلهم الله تعالى- قد عاد إلى دمشق وهو فى أسر الأحوال وأحسن الأمور، ورسل الملوك واردة عليه من كل جهة بالهدايا والتحف والمراسلات الحسان، وهو يجلس كل يوم للمظالم، وإسداء المكارم، وإنصاف المظلوم من الظالم. ثم خرج إلى الصيد شرقى دمشق فغاب خمسة أيام. وكان معه أخوه الملك العادل، فودعه من البرية وأمره بالمسير إلى الديار المصرية، وأوصاه بالملك العزيز. وعاد السلطان إلى دمشق، فحصل له توعك، ثم قوى.
وعن القاضى بهاء الدين بن شداد قال: حضرت من القدس لما طلبنى السلطان على البريد. فلما مثلت بين يديه قربنى وأجلسنى، ثم قال لى: «من بالباب
جالسا؟». قلت: «الملك الأفضل ولدك، والناس وقوف بين يديه» . فنهت ودمعت عيناه وقال: «أف للدنيا ماذا تغير من الأحباب على الأحباب» . ثم قال: «اخرج إليهم وعرفهم بعض ما أنا فيه» .
وعن القاضى الفاضل قال: حضرت عند السلطان صلاح الدين فى مرضه، فأمر بطعام، فقدم وقد جلس الملك الأفضل فى دست أبيه، فقال لى:«يا قاضى اخرج وانظر الناس كيف هم بعدى» . قال، فخرجت، فلما رأيت ولده مكانه، رجعت وقد عميت من البكاء، وكذلك بكى كل من حضر. وكان أشد يوم على الناس.
ثم إن السلطان صلاح الدين ثقل فى المرض. وعن إمام الكلاسة قال:
حضرت عند السلطان صلاح الدين لما أمرنى ولده الملك الأفضل أن ألقنه الشهادة، فوجدته قد غاب ذهنه، فقرأت {هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ}». قال فسمعته يقول:«نعم هو كذلك» . قال الشيخ: فقلت فى نفسى هذه عناية من الله تعالى بهذا الرجل فى دنياه وآخرته. قال الشيخ: ثم قرأت -وقد غاب ذهنه أيضا-إلى أن انتهيت إلى قوله تعالى {لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ». قال الشيخ: فرأيته وقد تبسم وتهلل وجهه، وفاضت نفسه، رحمه الله تعالى.
وعن القاضى الفاضل قال: لما مات السلطان صلاح الدين-رحمه الله تعالى- حصرنا تركته، فوجدنا فى خزائنه أحد وأربعين درهم، ودينار واحد صورى.
هذا كان ملكيته لنفسه فى ذلك الوقت.
وتوفى وله من العمر سبع وخمسين سنة. وكان مولده سنة اثنين وثلاثين وخمسمائة بتكريت. وكانت مدة مملكته بالديار المصرية نحو أربع وعشرين سنة. وملك الشام بعد نور الدين وولده الصالح نحوا من تسع عشرة سنة.