الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة أربع وثمانين وخمسمائة
النيل المبارك فى هذه السنة
الماء القديم ستة أذرع واثنى عشر أصبعا. مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثلاثة وعشرون أصبعا.
ما لخص من الحوادث الخليفة الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين. والسلطان صلاح الدين، مشمر الذيل فى إخماد جمرة الكفر، وقد نازل عكا. فلما وصل إلى تل الفضول مضمرا على الزحف عليها، إذ خرج إليه كبير من كبرائهم، وطلب الأمان من السلطان، وتضرع بين يديه، والناس قيام ينظرون. فرقّ السلطان ورحمهم، وأمنهم على أنفسهم وأهاليهم وجميع أموالهم. وخيرهم بين الإقامة فيها تحت أمانه وسلطانه أو الخروج عنها، فاختاروا الرحيل عنها، فخرجوا.
ودخل المسلمون إلى عكا يوم الجمعة ثانى جمادى الأولى من هذه السنة. وأخرج الأسرى من المسلمين، فكان عدتهم أربعة آلاف أسير. وسلم عكا لولده الملك الأفضل، وأنعم عليه بجميع ما فيها من أموال الفرنج وغلالهم، وحواصلهم.
وكتب له بذلك توقيعا متوجا بعلامته الكريمة، يتضمن تملكها لولده بجميع نواحيها. وجعل الفقيه الهكارى أمينا بها من قبل الملك الأفضل.
وكتب السلطان إلى أخيه الملك العادل بمصر يبشره بما فتح الله عز وجل عليه، ويأمره أن يخرج بالعساكر المصرية إلى بلاد الفرنج بالساحل من جهة الديار المصرية.
فخرج الملك العادل، ونزل على مجد ليابا، وفتحها، وغنم ما فيها.
وأحضر السلطان بهاء الدين قراقوش، وسلمه عكا نيابة عن ولده الملك الأفضل.
وخرج السلطان صلاح الدين وتوجه إلى حصن كوكب.
وفيها فتح البلاد الشمالية، وهى: جبلة، واللاذقية، وصهيون، وحصن بكاس، وسرمانية، وحصن برزية، ودرب ساك، وبغراس.
وفيها هادن السلطان لصاحب أنطاكية.
وفيها فتح الكرك، وصفد، وكوكب، وسبسطية، ونابلس، وصفورية.
وكان بنابلس خلق كثير فسألوا الإقامة بها فى مملكة السلطان، فأقرهم على أماكنهم وأملاكهم. ثم إنه كتب إلى الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين، يبشره بما فتح الله عز وجل على الإسلام، كتابا أوله يقول:
«بسم الله الرحمن الرحيم {(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ}. . .) الآية {(أَنَّ الْأَرْضَ}. .) الآية» . ثم كتب: «الحمد لله الذى أنجز لنا هذا الوعد، وعلى نصرته لهذا الدين من قبل ومن بعد، فجعل من بعد ذلك العسر يسرا، وقد أحدث الله من بعد ذلك أمرا، وهو الأمر الذى ما كان الإسلام يستطيع عليه صبرا، فآتانى الله ما جرى فى زمن الصحابة والأخرى، وأعتق الله ما كان من الأسارى بأيدى الكفار الأشرار، وأصبح جوار الإسلام وقد استدار، ورد من الكفر ما كان قد أشار. والحمد لله الذى أعاد ثوب الإسلام جديدا أبيضا نظره مخضرّا، بعد ما كان قد غلب عليه الكفر بهذه الديار حتى أعاده مغبرا. والحمد لله كما هو أهله، على اتساع ملك الإسلام واجتماع شمله. والمملوك يشرح من نبأ هذا الفتح العظيم، للنظر الكريم، ما يشرح به صدور المسلمين، وينتج الحبور لأمير المؤمنين. ويورد البشرى على ما أنعم الله به يوم الخميس الثالث والعشرين من ربيع الآخر إلى يوم الخميس الآخر، فذلك سبع ليال وثمانية أيام حسوما، سخرها الله على الكافرين، فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، فهل ترى لهم من باقية، فإذا رأيت ثم رأيت والبلاد
خاوية على عروشها، ورايات الكفر خاشعة، ورايات الإسلام طالعة، وسناجق المؤمنين ببركات أميرهم عالية كاسية، وقد كانت من الكفر ناكية باكية. وأخذ الله أعداءه بأيدى أوليائه أخذ القرى وهى ظالمة. وفى ذلك اليوم فتحت عكا بالأمان، ورفعت عليها أعلام الإيمان. وهى أمّ البلاد، وأحب إلى الكفر من {إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ} . وقد أصدر المملوك هذه المطالعة وصليب الصلبوت مكسور، وقلب البرنز مرجوف مكسور، والفارس مجدول، والراجل مقتول، والملوك ممسوكة، والدماء مسفوكة. والذى كان يظن أن عكا حصينة، فقد خيب الله عز وجل ظنه، والذى كان بماء المعمودية معمودا يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا. وعاد كل من كان فى الحرب منهم ذا همة ويقظة، لا يقبل منه عن نفسه القناطير المقنطرة من الذهب والفضة.
وطبرية فقد هدمت أعلام الشرك من عليها، وعكا فقد خاب وخسر من التجأ إليها، وقد سبيت نساؤها الأحرار، وعادوا لنساء الإسلام خداما وجوار، وكذلك عادوا مماليكا أولادهم الصغار؛ بعد من قتل من آبائهم من كل فاجر وكافر، وصارت الكنائس مساجدا يعمرها من كان يؤمن بالله واليوم الآخر. وعادت البيع مواقفا لخطباء الإسلام على المنابر. وعمرها الله بالتوحيد وأهله، مكان كل مشرك وكافر.
وأما فرسان الديوية والإسبتار، فقد عجل الله تعالى بأرواحهم إلى النار، وقد نزل بهم إلى أسفل الجحيم، مصفدين مقرنين مع الشيطان الرجيم، فليأخذ حظه من هذه البشرى مولانا أمير المؤمنين، فقد قطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين».
وفيها وردت قصيدة الشريف النسابة محمد بن أسعد بن على بن معمر الحسينى نقيب الأشراف على السلطان صلاح الدين، يهنيه بما فتح الله على يديه يقول:
أترى مناما ما بعينى أبصر
…
والقدس يفتح والصليب يكسّر
وقمامة قمّت من الرجس الذى
…
بزواله وزوالها يتطهّر
ومليكه فى القيد مأسورا ولم
…
يرى قبل ذلك ملوك تؤسر
قد جاء نصر الله والفتح الذى
…
وعد الرسول فسبحوا واستغفروا
فتح الشآم وطهر القدس الذى
…
هو فى القيامة حيث قام المحشر
من كان فتحه لنصرة أحمد
…
ماذا يقال له وماذا يذكر
يا يوسف الصديق أنت لفتحها
…
فاروقها عمر الإمام الأطهر
ولأنت عثمان الشريعة بعده
…
ولأنت فى نصر النبوة حيدر