الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها وصل رسول التتار إلى ميّافارقين، إلى عند المظفر غازى، وقال الرسول له:
«قد جعلك القان سلحداره، وأمرك أن تخرب أسوار بلادك جميعها» . وعلى يد الرسول كتاب من جكزخان عنوانه يقول: «من نائب رب السماء، ماسح وجه الأرض، ملك الشرق والغرب، طولا وعرض، قاقان» . فقال المظفر غازى:
«أنا من جملة الملوك، وبلادى حقيرة بالنسبة إلى الروم والشام ومصر، فتوجه إليهم، ومهما فعلوه أنا موافق» . وكان هذا الرسول شيخا لطيفا من أهل أصبهان.
ذكر عجائب مما ذكر رسول التتار
منها أنه قال أن بالقرب من بلاد القان يأجوج ومأجوج، وهم صور مختلفة، ربما رأوا منهم جماعة على أعلى السد مرارا. وقد تقدم ذكرهم فى هذا التاريخ فى عدة أماكن منه، مما يغنى عن تكرار القول فيهم ها هنا.
ومنها أن بجوارهم على البحر المحيط أقوام ليس لهم رءوس، وأعينهم وأفمامهم فى مناكبهم. وإذا رأوا الناس هربوا منهم، وعيشهم أكل السمك. وقد ذكرنا ذلك أيضا فى هذا التاريخ عند ما ذكرنا ملوك السامانية فى الجزء الرابع منه، وأصل هؤلاء القوم، واسمهم الذى يعرفون به، من أبيهم الأول، مما يغنى إعادته ها هنا.
ومنها أن فى تلك النواحى أناس يزرعون فى الأرض بزرا فيتولد منه الغنم، كما يتولد دود الحرير، وأن الخروف لا يعيش غير شهرين، مثل إقامة سائر النباتات فى الأرض، وأنها لا تتناسل.
ومنها أن بماء زيدان عين ماء، وهى بركة واسعة، تطلع فى كل ستة وثلاثين سنة، صفة خشبة غليظة، شبه المنارة العالية، فتقيم طول ذلك النهار إلى أن تغرب الشمس، فتغوص فى الماء، فلا تعود تظهر إلى مثل ذلك الحين [إلا] بعد ستة وثلاثين سنة.
وأن بعض ملوك العجم حضر سنة فى ذلك الوقت الذى فيه ظهورها وطلوعها، فربطها بسلاسل من حديد فى غاية القوة، وأوثقها وثقا جيدا فى أساطين من حديد قد ضربت فى الأرض من أربع جوانبها، واستوثق منها بأشد ما يكون. فلما كان وقت غوصها، قطعت تلك السلاسل، وغاصت على عادتها. قال: وهى إلى الآن إذا طلعت رأى الناس السلاسل فيها مشدودة فى وسطها.
وفيها اختلف عسكر مصر على السلطان الملك الصالح أيوب، فمسك كثيرا منهم. فمن الأمراء الذين قبض عليهم الملك الصالح الأمير عز الدين أيبك الأسمر الأشرفى، مع سائر الأشرفية. ومن الخدام الكبار الذين كانوا حكام الدولة العادلية؛ جوهر النوبى، وشمس [الدين] الخواص. وانتظم الملك له بعد ذلك. واستوزر معين الدين بن شيخ الشيوخ، ومكنه، وفوض إليه تدبير المملكة، وشرع فى شراء المماليك الترك.
وفها تسلم عسكر الروم آمد بعد حصار شديد. وكان بآمد يومئذ الملك المعظم غياث الدين توران شاه بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب، فتوجه منها إلى حصن كيفا، واستمر به إلى قدومه إلى الديار المصرية، بعد وفاة أبيه، حسبما يذكر من بعد. واستقر بحصن كيفا ولده الملك الموحّد عبد الله، فاستمر الملك الموحد بحصن كيفا تحت حكم التتار. وله بحصن كيفا عدة أولاد. وكان لما توجه والده الملك المعظم إلى الديار المصرية عمره عشر سنين.
وفيها [كانت] كسرة الحلبيين للخوارزمية، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وهرب مقدمهم بركة خان إلى الخابور. وأخذ المنصور إبراهيم صاحب حمص حران، وعصت عليه القلعة.
وفيها-خامس شعبان-حفر أساس قلعة الجزيرة بمصر.
وفى عاشر ذى القعدة هدمت الدّور التى بالجزيرة، وتحول سكانها عنها.
ولما كمل بناء القلعة، قال فيها على بن سعيد الأندلسى:
تأمل لحسن الصالحية إذ بدت
…
وأبراجها مثل النجوم تلالا
ووافى إليها النيل من بعد غاية
…
كما زاد مشغوفا يروم وصالا
وعانقها من فرط وجد لحسنها
…
فمدّ يمينا نحوها وشمالا
وفى رابع المحرم شرع فى بناء القنطرة التى على الخليج، وهى التى تعرف بقنطرة السد.
وفيها-خامس شهر رمضان المعظم-قبض السلطان الملك الصالح على الأمراء الأشرفية الذين كانوا بالديار المصرية، لما بلغه عنهم ما عزموا عليه من فساد الدولة.
ونودى فى مصر والقاهرة من اختفى عنده أحد من الأشرفية شنق، وغلقت أبواب القاهرة مدة أيام، خلا باب زويلة، وذلك حرصا على مسكهم، ثم قيدوا واعتقلوا.
وفى سابع عشرين ربيع الأول تولى بدر الدين بن باخل ثغر الاسكندرية.
وكان قبل ذلك متولى مصر.
وفى ربيع الآخر وردت الأخبار أن الملك الناصر صاحب الكرك والملك الصالح إسماعيل صاحب دمشق يومئذ اصطلحا وتحالفا، واتفقا مع الفرنج، وسلموا لهم القدس
الشريف وصيدا وبيروت. ولم تزل فى أيديهم إلى أن فتحها الله على يد الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب فى سنة إحدى وخمسين وستمائة. ثم إنه صالح الفرنج أن يكون القدس بينهم مناصفة. ولم تزل كذلك إلى أن خرجت البلاد عنه، واستقر للفرنج صفد وطبرية وهونين.
قال ابن واصل: وفيها قدم القاضى بدر الدين يوسف بن الحسن الزرزارى، المعروف بقاضى سنجار، على السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب، بالديار المصرية، من بلاد حماة، فالتقاه أحسن ملتقى. وكان له عنده يد متقدمة، لما أنجده بسنجار وهو محصور وقدم عليه بالخوارزمية بعد خروجهم عنه عند وفاة الملك الكامل، فخلصوه من حبائل الأسر الذى كان قد تعاين له من بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، فأحسن مكافأته، وولاه القضاء بالديار المصرية بمصر والوجه القبلى، بكماله. وكان القضاء بكماله للقاضى شرف الدين المعروف بابن عين الدولة الإسكندرى، فأبقى بيده قضاء القاهرة مع الوجه البحرى. وكان شرف الدين قد طالت مدة ولايته من أيام الكامل، وإلى هذا التاريخ.
وكان القاضى شرف الدين بن عين الدولة-مع حرمته ورياسته وسكونه-كثير المزايد، مليح الأجوبة، حسن المحاضرة، يقول الشعر الجيد، فى شعره يقول:
وليت القضاء وليت القضاء
…
لم يكن شيئا توليته
فأوقعنى القضاء فى القضاء
…
وما كنت قدما تمنيته
ومن زواده أن حضرت بين يديه امرأة المحاكمة فقال لها: «ما اسمك؟» . قالت:
«ست من يراها!» ، فوضع كمه على عينيه. وقال بعض العدول يوما بين يديه:«إن هذا المكان قليل الهواء، كثير الناموس» . فقال القاضى: «هكذا ينبغى تكون مجالس الحكام» .
وفيها توفى مجد الدين بن اللمطى بمنية بنى خصيب. وهو أبو الطاهر إسماعيل
ابن أبى الفوارس أحمد بن الحسن المنعوت بالمكرم. وكان قد ولى عدة ولايات بالديار المصرية. ومولده سنة خمس وأربعين وخمسمائة.
وفيها ملك الناصر صاحب حلب قلعة جعبر، بتدبير الزين الحافظى على الملك الحافظ صاحبها. وهو نور الدين أرسلان شاه، وأخرجوه منها، ودخل حماه.
وفيها كانت عدة حروب بين ملوك الإسلام. وكل ذلك لما أراده الله عز وجل من تملك التتار وتحكمهم فى البلاد.
وفيها استولت الخوارزمية على بلاد كثيرة، وفعلوا أقبح ممّا فعلوه التتار. هذا قبل كسرتهم من الحلبيين.