الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى
إن الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا،
وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِلْ فلا هادي له، وأشهدُ
أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسوله.
أما بعد: فإِن من مشاريعي القديمة في خدمة السنة المطهرة، ما كنت سميته بـ "تقريب السنة بين يدي الأمة"، وتحدثت عنه في بعض كتبي؛ منها مقدمتي
على "مختصر صحيح مسلم" للحافظ المنذري، وهو يشمل حذف الأسانيد من جهة، وتمييز الصحيح من الضعيف من جهة أخرى.
ولما كان "صحيح البخاري" و"صحيح مسلم"، قد تلقاهما العلماء بالقبول؛ لم يكن ثمة حاجة إلى الكلام على أسانيدهما كما كنت بينت ذلك في المقدمة المشار إليها، فالعمل فيهما إذن منحصر في حذف أسانيدهما والمكرر من متونهما.
وكان أول ما صنعته في ذلك أن حققت "مختصر مسلم " المذكور، ورقَّمْتُ أحاديثه، وشرحتُ غريبه، وعلّقتُ عليه تعليقاتٍ مفيدةً، ثم طبعتهُ في بيروت.
وكان قد تبين لي بعد الفراغ منه أن الحافظ المنذري رحمه الله لم يقتصر في اختصاره إياه على حذف أسانيده والمكرر من متونه فقط، بل حذف منه بعض المتون أيضاً، فلما بدا لي ذلك تمنيت أَنْ لو تتاح لي فرصة، لأتولى أنا بنفسي اختصاره بطريقتي الخاصة، وشاء الله تبارك وتعالى ذلك، حيث قدّر علي أن أسجن في عام 1389هـ الموافق لسنة 1969م مع عدد من العلماء من غير جريرة اقترفناها سوى الدعوة إلى الإسلام وتعليمه للناس، فأُساقُ إلى سجن القلعة وغيره في دمشق، ثم يُفرج عني بعد مدة لأساق مرة ثانية وأنفى إلى الجزيرة، لأقضي في سجنها بضعة أشهر، أحتسبها في سبيل الله عز وجل.
وقد قدر الله ألا يكون معي فيه إلا كتابي المحبب: "صحيح الإِمام مسلم"، وقلم رصاص وممحاة، وهناك عكفت على تحقيق أمنيتي، في اختصاره وتهذيبه،
وفرغت من ذلك في نحو ثلاثة أشهر، كنت أعمل فيه ليل نهار، ودون كلل ولا ملل، وبذلك انقلب ما أراده أعداء الأمة انتقاماً منا إلى نعمة لنا، يتفيأ ظلالها طلاب العلم من المسلمين في كل مكان، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
كما يسر الله تعالى لي التفرغ لعدد كبير من الأعمال العلمية ما كان يتاح لي أن أعطيها الوقت اللازم لو بقيت حياتي تسير على النهج المعتاد، فقد قامت بعض الحكومات المتعاقبة بمنعي من الخروج إلى المدن السورية في الزيارات الشهرية التي كنت أقوم بها في الدعوة إلى الكتاب والسنة. وهو نوع مما يسمى في العرف الشائع بـ "الإِقامة الجبرية"، كما أنني قد مُنعت خلال فترات متلاحقة من إلقاء دروسي العلمية الكثيرة التي كان التحضير لها يأخذ جزءاً كبيراً من وقتي، وهذا كله قد صرف عني الكثير من الأعمال، وحال بيني وبين لقاء عدد كبير من الناس الذين كانوا يأخذون من وقتي الشيء الكبير.
هذا، ولما اطَّلع على المختصر بعض الإخوة رغب في نشره، ولكنه اقترح علي أن أبدأ قبله باختصار "صحيح الإمام البخاري"، ليبدأ بطبعه أولاً، ثم يعقبه بطبع مختصر "صحيح مسلم" ثانياً.
ومضت الأيام، ثم أخذتُ في تحقيق هذه الرغبة، فاختصرت "صحيح البخاري" على نوبات متقطعات، في شهور عديدة، حتى كتب الله تعالى لي الفراغ منه بفضله ومنِّه وكرمه.