الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - كتَابُ بَدْءِ الوَحْي
1 - باب كيفَ كان بَدءُ الوحيِ إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقول الله جلَّ ذِكرُه {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]
1 -
قال علقمة بن وقاص الليثي: سمعتُ عمرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه [يخطب 8/ 59] على المِنبرِ قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ:
" [يَا أَيُّهَا النَّاسُ] إِنَّما الأَعمال بالنيَّاتِ (وفي روايةٍ: العملُ بالنيَّةِ 6/ 118)، وإِنما لكلِّ امرئ ما نوَى، فمنْ كانتْ هجرتُه [إِلى اللهِ ورسولهِ، فهجْرتُه إلى الله ورسولهِ، ومن كانتْ هِجرتُهُ 1/ 20] إِلى دُنيا يصيبُها، أَوْ إلى امرأَةٍ يَنكِحُها (وفي رواية: يَتَزَوَّجُهَا 3/ 119)، فهِجرته إلى ما هاجرَ إليهِ".
2 -
عن عائشة أُم المؤمنينَ رضي الله عنها أن الحارثَ بنَ هشامٍ رضي الله عنه سأَلَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ الله! كيفَ يأتيكَ الوحيُ؟ فقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحياناً يَأْتيني مِثلَ صَلصلةِ الجَرسِ (1)، وهوَ أَشَدُّ عليَّ، فيَفصِمُ (2) عنِّي وقد وَعَيتُ عنهُ ما قالَ، وأحياناً يتمثلُ ليَ الملَكُ رجُلاً، فيكلِّمُني، فأَعي ما يقولُ".
(1) الصلصلة: صوت وقوع الحديد بعضه على بعض، ثم أطلق على كل صوت له طنين. و (الجرس): الجلجل الذي يعلق في رؤوس الدواب.
(2)
أي: يقلع.
قالت عائشةُ رضي الله عنها: ولقد رأيتُه يَنزلُ عليه الوحيُ في اليومِ الشديدِ البرْدِ، فيَفصِمُ عنهُ وإن جبينَه ليتَفصَّدُ (3) عرَقاً.
3 -
عن عائشةَ أُمِّ المؤمنينَ أنَّها قالت: [كانَ 6/ 87] أولَ ما بُدِىءَ بهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منَ الوحيِ الرُّؤيا الصالحةُ في النوم، فكانَ لا يَرى رؤيا إِلا جاءَت مِثل فلَقِ الصُّبحِ، ثم حُبِّبَ إليه الخَلَاءُ (4)، وكانَ يَخلُو بغارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فيه- وهوَ التعبُّدُ اللياليَ ذوَات الْعَددِ- قبْلَ أنْ يَنزِعَ إلى أهلهِ، ويتزوَّدُ لذلكَ، ثم يرجعُ إِلى خديجةَ، فيتَزوَّدُ لِمِثلِها (5)، حتى جاءهُ (وفي روايةٍ: فَجِئَهُ) (6) الحقُّ وهوَ في غارِ حِرَاءٍ، فجاءه الملَكُ [فيه 8/ 67]، فقالَ: اقرَأْ، قالَ: ما أَنا بقارىءٍ، قالَ: فأخذَني، فغَطَّني حتى بلَغَ منِّي الجَهْد (7)، ثم أَرسلَني، فقالَ: اقرأْ، قلت: ما أَنا بقارىءٍ، فأَخذَني فغطني الثانيةَ، حتى بلَغَ منَّي الجَهدَ، ثم أَرسلَني، فقالَ: اقرأْ، فقلتُ: ما أَنا بقارىءٍ، فأخَذَني فغطَّني الثالثةَ، ثم أَرسلَني، فقالَ:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. [الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} الآيات]، فرجَعَ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجُفُ فؤادُه (وفي روايةٍ: ترجف بوادره) (8)،
فدخلَ على خديجةَ بنتِ خويلِدٍ، فقالَ: زَمِّلُوني زَمِّلُوني، فزمَّلُوهُ حتى ذهبَ عنهُ الرَّوعُ، فقالَ لخديجةَ:[مالي؟]، وأَخبرَها الخبرَ [وقال:] لقدْ خشِيتُ على نفْسي،
(3) من القصد، وهو قطع العِرْق لإسالة الدم، شبه جبينه بالعِرْق المفصود مبالغة في كثرة العَرَق.
(4)
أي: الخلوة.
(5)
أي: الليالي.
(6)
أي: بغته. (الحق) أي: الأمر الحق.
(7)
أي: بلغ الغط مني غاية وسعي. (أرسلني) أي: أطلقني.
(8)
أي: أطرافه، وهو جمع (بادرة): لحمة بين المنكب والعنق.
فقالتْ [له] خديجةُ: كلَاّ [أبشر، فـ] والله ما يُخزيكَ الله أَبداً، [فوالله] إنكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، [وتَصْدُق الحديث] وتَحمل الْكَلَّ (9)، وتَكِسبُ المعدومَ، وتَقري الضيْفَ، وتُعِينُ على نوائبِ الحقِّ، فانطلقتْ بهِ خديجةُ حتى أَتتْ بهِ وَرَقَةَ بنَ نَوفلِ ابنِ أَسدِ بْنِ عبدِ الْعُزَّى [بن قصَي، وهو] ابنُ عمِّ خديجة [أَخي أَبيها] وكانَ امرأً قد تنصَّر في الجاهلية، وكانَ يكتُبُ الْكتابَ الْعِبرانيَّ، فيكتُبُ من الإنجيلِ بالعِبرانيةِ (وفي روايةٍ: الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية) ما شاءَ الله أنْ يكتُبَ، وكانَ شيخاً كبيراً قد عَمِيَ، فقالتْ لهُ خديجةُ: يا ابنَ عمِّ! اسمعْ منِ ابنِ أخيك، فقالَ له ورَقةُ: يا ابنَ أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبَرَ ما رأى، فقال له وَرَقَةُ: هذا الناموسُ (10) الذي نزَّلَ الله على مُوسى، يا ليْتني فيها جذَعاً، ليْتني أَكونُ حيّاً إذْ يُخرجُكَ قومُك، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: وَمُخْرِجيَّ هُمْ؟ قالَ: نعمْ، لم يَأتِ رَجلٌ قط بمثلِ ما جئتَ بهِ إلا عُودِيَ (وفي روايةٍ: أُوذيَ)، وإنْ يُدركْني يومُكَ أَنصُرْك نصراً مؤزَّراً، ثم لم يَنشَبْ وَرَقةُ أنْ توُفِّيَ، وفَتَرَ الوحيُ، [حتى حزِن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا- (11) حُزناً غدَا منه مراراً كيْ يتَردَّى من رؤوس شواهِق
(9) هو من لا يستقل بأمره، (وتكسب المعدوم) أي: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك بحذف أحد المفعولين، ويقالُ: كسبت الرجل وأكسبته بمعنى.
(10)
هو صاحب السر كما يأتي من المصنف في آخر الحديث، والمراد هنا: جبريل عليه السلام. (جذعاً) يعني شاباً، وأصل (الجذع) الصغير من البهائم.
(11)
قلت: القائل: "فيما بلغنا" هو ابن شهاب الزهري، وهو راوي أصل الحديث عن عروة بن الزبير عن عائشة، فقوله هذا يشعر بأن هذه الزيادة ليست على شرط "الصحيح "، لأنها من بلاغات الزهري، فليست موصولة، كما قال الحافظ في" الفتح "، فتنبه. وانظر كتابي "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة" ص 40 - 42، ففيه بيان شاف كاف.
الجبال، فكلما أوفى بذِرْوةِ جبَلٍ لكي يُلقي منه نفْسَه؛ تبدَّى له جبريل فقالَ: يا محمدُ! إنكَ رسولُ الله حقاً، فيسكنُ لذلك جأشُه، وتَقَرَّ نفسُه، فيرجعُ، فإذا طالت عليه فترةُ الوحي غَدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بِذِرْوة جبل؛ تبدَّى له جبريل فقال له مثل ذلك 8/ 68].
[(الناموسُ): صاحبُ السرِّ الذي يُطلعه بما يستره عن غيره 4/ 124].
4 -
عن ابن عباس قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَجودَ الناسِ [بالخير 2/ 228] وكانَ أَجودَ ما يكونُ في رمضانَ حينَ يلقاهُ جبريلُ، وكانَ يلقاهُ في كلِّ ليلةٍ من [شهر 6/ 102] رمضانَ [حتى يَنْسَلِخَ] فيدارسُهُ الْقرآنَ، فلَرسولُ الله [حين يلقاه جبريل 4/ 81] أَجوَدُ بالخيرِ منَ الريحِ المرسَلةِ.