الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قروم مجانيقه لدك أطوادهم، ولو كان هذا موضع استقصائه لأتينا العجائب في قصّه، وبيّنا على الهلال مقدار زيادتها ونقصه، وبويع المستضىء بالله ثاني يوم موت أبيه، واستوزر عضد الدين بن رئيس الرؤساء بعد عظائم جرت بسببه، ثم أراد عضد الدين الحج فقفز عليه شيخ متصوف [190] فقتله، وقفز آخر على صاحب الباب فقتله، وقتل ابن عضد الدين بيده قاتل أبيه، وفي سنة سبع وتسعين أتته البشرى بقطع خطبة العاضد العبيدي بمصر، وإقامة الخطبة له، ومات المستضىء في أواخر شوال سنة خمس وسبعين وخمس مائة.
ثم:
88- دولة النّاصر لدين الله
أبي العباس أحمد «1» بن الحسن المستضىء، وهو الذي شد الخلافة وقوّاها، وعدّل الدولة وسوّاها، وتداركها وهي رمق فأنعشها، ولحقها وهي دفين فنبشها، وخاشن الملوك ونابذهم في الحفاظ، وواخذهم حتى بالألفاظ، وناقشهم
في لقب، ونافسهم وما ارتقب، وأظهر قوة من ضعف، ورسم خلافه كأنه لم يعف، وكان قد أخذ الناس بالأرصاد، وتعمد أخبارهم بالاقتصاد، فكان يكاد لا يخفى عليه بواطن أمورهم، وما يخفى بحيطان دورهم، ثم يحدثهم بها كأنه يكاشف، أو كأنه بخبايا أسرارهم عارف، لكنه كان طامح النظر إلى الحريم، لا تقنعه ظباء الحريم، ولا يرده حور الخلدان بحور في بغداد حور، وولد مع تشيع، إلا أنه ليس برفض وتسبّع، لو خلي لأكل الأرض، وكان بادي الرأي، له في كل يوم عزل وولاية، وبه عزّ وذل إلى غاية، وعهد إلى ولده الظاهر أبي نصر محمد، ثم عزله، ورفع اسمه على المنابر، ثم أنزله، وكان السبب في هذه، تميزه عليه خلقا وخلقا، وعلما وعدلا ورفقا، وبأسا صارع به بحضرة أبيه الجاموس، وضارع لو شاء الليث العبوس، كان قد خرج الناصر وهو معه إلى البطائح، فرأى جاموسا عصّب رأسه الهوى وهو طائح، وقد أوى إلى بطيحة اشتبك شجرها، واحتبك ماؤها ومحجرها، فقال لا يعرض أحد إلى هذا الجاموس، فإنه لا يخلو من بادرة وبوس، وكان جاموسا قد تأسد، لو عاث لأفسد، فنزل إليه الظاهر غير مكترث، وأبرم له عزما، غير منتكث، فلما رآه [ص 191] الجاموس، صوّب إليه روقيه، وطأطأ ينطحه بقرنيه، فجرد الظاهر سيفه وتقدم إليه، وضربه ضربة قطع بها عنقه إلى ظلفيه، فحقدها عليه الناصر ونقمها، وأراده بها، ودفع الله نقمها، مع ما كان يؤثره الناصر من تقديم ابنه الثاني عليّ عليه، والله يؤخره ويهيئ الأمر للظاهر ويدخره، ومع هذا فما قدر الناصر على شىء أكثر من أنه عزله عن ولاية العهد وصرفه، ثم أحوجه الله إليه فولاه وصرفه، ثم تذكر بقية حال الناصر تفنّى وتفقه في هذا وأفتى، ووضع ترتيب الرفاق، ورضع معهم كؤوس الوفاق، ولبّس السراويل ولبّسه لأهل ذلك الجيل، ورمى البندق وبرز له، واختط الخطة ورمى الوجهين، ووضع له في أحكامه المقترح، واستباح في تشريعه ما لم يبح، وادعى
في الرمي وادعي له، وسلك مدة في هذا سبيله، لا يخلي الطير حينا من الحين، ولا يزال قسي بندقه ينظرها طائرة في السماء، فيصيبها بالعين، قد جعل الجلاهق «1» حد سلاحيه، لا يدع الصباح والعشاء من اغتباق راحيه، لا يريح الرفاق من رواحيه، ولا طائرا يطير بجناحيه، وقصد السرداب «2» المعد عليه النوبة للمنتظر، ووقف عليه ونادى لو أسمع، وقال: أنا ابن عمك بغير مدفع، ودينك ديني، وما بعد اقتداري في الأرض وتمكيني، فهذا أوان ظهورك، فاخرج فأنا القائم بأمورك، فلما لم يجب، ولا قام من غير قلبه بما وجب، علم بطلان ما كان يخيل له من خرافات تلك المخاريق، وضلالات ما خرج به عن الطريق، فترك سوء ذلك التشيع، وتقلل من التكثر في التروي بها والتشيع، ثم ما كان إلا متسننا، وفي مذاهب أهله متفننا، ومات ولده عليّ، ووجد عليه وجدا كاد يذهب بحبله، وينتزع من صدره سويداء قلبه، وأعاد الظاهر إلى ولاية عهده، وقدم من صهوة المنبر ما لا يصلح إلا للبده، بويع يوم موت، ونثرت الدنانير والدراهم يوم [ص 192] بيعته، ومدحه الشعراء، فممن أجاد ابن التعاويذي بقوله:
[الحفيف]
ورأى الغانيات شيبي فأعرضن
…
وقلن الشباب خير لباس
كيف لا يفضل السواد وقد أضحى
…
شعارا على بني العباس
أمناء الله الكرام وأهل الجود
…
والعلم والتقى والباس
ولقد رتبت الخلافة منهم
…
بإمام الهدى أبي العباس