الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتردد إليه، فأتاه وهو بمصر فخلا به بعض الأيام، فقال له المعز:[ص 53] أتذكر إكرام [ي لك إذ]«1» أتيتني رسولا وأنا بالمهدية، فقلت لك: لتدخلنّ عليّ بمصر وأنا خليفة؟ فقال له الرسول: إن أمنتني على نفسي ولم تغضب قلت لك ما عندي، فقال له المعز: قل وأنت آمن، فقال له: لما بعثني الملك إليك ذلك العام، وأنت من عظمتك في عيني وكثرة أصحابك ما كدت أموت منه، ووصلت إلى قصرك فرأيت عليه نورا عظيما «2» أشخص بصري، ثم دخلت عليك فرأيتك على سرير (....)«3» ، فلو قلت لي إنك تعرج إلى السماء لظننت ذلك، ثم جئت إليك الآن فما رأيت من ذلك شيئا، وأشرفت على مدينتك فرأيتها مظلمة، ودخلت عليك فما وجدت لك من المهابة ما وجدته ذلك العام، فقلت: كان ذلك أمرا مقبلا، وهذا أمر مدبر، ولا أخالك إلا ميتا، فلم تلبث بعدها المعز الحمى ومات، وقد كان المعز احتفر له سردابا، وقال لأصحابه: إن بيني وبين الله عهدا، وإني ماض إليه، وقد استخلفت عليكم ابني نزارا، ثم تغيب سنة في السرداب ثم ظهر وهو متعلل، فمات، وكان أحد المغاربة إذا رأى سحابا نزل وأومأ إليه بالسلام، ظنا منه أن المعزّ فيه، وكانت ولايته ثلاثا وعشرين سنة وخمسة أشهر وعشرة أيام.
ثم ابنه:
35- العزيز بالله
أبي المنصور نزار «4» ، وكانت أيامه أيام دعة، وتمام سعة، والناس فيها في
هدوء لا يقلقل له مضجع، ولا يساء به قلب ولا مسمع، وما برح أهل مصر في كل جيل يضرب به المثل، فيقول لما يستطيب من الأيام: كأنها أيام العزيز، لأنه كان لين الجانب يعنيه، حسن المناقب عن خشن المقانب يغريه، كرم سجيته بالندى الغمر، ويعزه في الندى هزة الخمر، ووقفت على تاريخ ضبط له، فما رأيت في رسوم ما يحيي من الرعايا مثل عدل أمر به، وظلم بطله، وأمن أراح سيفه، وأنام بطله، وتفسح العزيز في بلاده، وتلقح على العراق ليوطئه سنابك جياده، ودعي له على منابر الشام، وذكر له على منابر المساجد، وحيي بالسلام، وبلقبه لقّب السلطان الدّين ابنه العزيز عثمان، ترجّيا [ص 54] أن تكون أيامه شبيهة بأيامه في الرخاء والأمان، فكانت مثلها في الأمان لا في الرخاء، ونظيرها في الامتنان والسخاء، فإن في أيام العزيز عثمان حدث بمصر غلاء، وارتفع السعر وكان له علاء، ثم عظم أيام عمه العادل، مما ليس هذا بموضع ذكره، ولا تشويش هذا التصنيف بنكره.
قال ابن سعيد: وسفرته من أفريقية إلى مصر وما ظهر منه من حسن التدبير، وهبوب النصر والحزم في الاستيلاء. كسفرة المأمون من خراسان إلى بغداد. قال الروذباري في تاريخهم: حضرت الخطبة للحاكم ابن العزيز، فما قدر أحد يفهم ما يقول الخطيب، لضجيج الناس وبكائهم على العزيز، كان محسنا إلى الخاص والعام، شاملا بالبر للقريب والبعيد، مبذول اليد بالكرم، مسبل الذيل بالفضل، كثير العفو، قليل الانتقام، عوادا بالجميل، منيبا إلى الحق، غير متظاهر بما يذم،