الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا داع إلى ما يكره، وتوفي سنة ست وثمانين وثلاث مائة، وولد بالمهدية يوم الخميس الرابع عشر من المحرم سنة أربع وأربعين وثلاث مائة، وولي العهد بمصر يوم الخميس عاشر ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاث مائة، وولي الخلافة في اليوم الثاني، وله اثنان وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة عشر يوما، وكانت مدة خلافته إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصف شهر.
ثم ابنه:
36- الحاكم بأمر الله
أبو علي المنصور «1» ، ولي وكان صغيرا، وأوتي ملكا كبيرا، ولما طلب للبيعة [كان] قد صعد شجرة جميز في داره بالقصر يلعب فيها مع الصغار، وملك وما كلف خيله اضطراد ولا جشّمها المغار، ثم كبر وظهرت منه أمور ينكرها العاقل، ويكرهها الناقل، لكثرة ما كان عليه أمره من الاختلال، وفكره السقيم من الاعتدال، فإنه كان في كل حين يحدث حكما محدثا، وعلما كأنما كان بها محدثا، فانه كان مع إفراطه في التهور، وخباطه في أموره التي تدل على
عدم التصور، ربما حدث بأنواع من [ص 55] الحدثان، وتكلم بأسجاع مثل سجع الكهان، وعبدة الأوثان، وبلغ مدة في الكبرياء، ثم بقي مدة لا يأنف من مخالطة الأدنياء، وكان يركب حمارا له ويدور، وقدامه عبدان بأيديهما حربتان، ويشق القاهرة ومصر، ويخالط العامة، ويخرج إلى الحاجر، ويطلع إلى الجبل، ثم ربما ردّ العبدين وسار وحده، وغاب اليوم واليومين والمدة، ثم يلاقيه الموكب إلى مكان يكون قد واعد إليه العبدين، في وقت يوقته، وميعاد لا يفوته، ثم كشف الغطاء وباح، وقال علوه واستراح، وادّعى فيه الألوهية، وقال مقالة فرعون، ونصب نفسه للناس طاغوتا، وأخذ بعض الناس بالقول أخذا مبغوتا، وأمر بعض أشياعه بأن يحتال له في إظهار هذه المقالة، وضم إليه قوما من الرجال القالة، فأتى ذلك الداعي الشيطان الرجيم، وأمر بأن يكتب:(بسم الله الحاكم الرحمن الرحيم) ، وجرى في هذا من الفتن ما ذهبت به نفائس ونفوس، وانتهبت به أموال ورؤوس، ودارت به دوائر سعود ونحوس، وأماير نعيم وبؤس، مما هو ملء التواريخ، وتتضع له غرّ الذرى الشماريخ، تبارك الله وتعالى جده، ولا إله غيره، وتقدس اسمه عما يقول الظالمون، ويجهل الجهال، أو يزل العالمون، ثم لما عظم البلاء به، فتفاقم وسقم به الملك أو تساقم، خافت أخته أمة العزيز المعروفة بست الملك، أن يقفر منهم دست الملك، فتلطفت في تلك الحيلة، وأكمنت له رجالا حتى قتلته غيلة، وكان قد خرج في بعض مخارجه، وتعرض في نواحي حلوان، وطلب جهة برّ لا يأنس بها آنس ولا غيره من الحيوان، ثم طالت غيبته، وخالف عادته في ملاقاته، في الوقت الذي كان يوقته، فتعهد المكان الذي واعد فيه للملتقى، وتفقّد ففقد إلى يوم اللقا، ووجد هناك حماره وجبابه مزررة، كأنها عليه وما فكّت أزراره، إلا أن فيها آثار ضربات بالسكاكين، ولا عليها دم ولا [ص 56] آثار لوث يبين، فقال الناس مات، وقال أهل شيعته غاب وهو آئب.
قلت: وإلى يومنا هذا، وأظن إلى يوم النشور، ثمّ من يقول بغيبة
الحاكم، وإنه لابد أن يرجع ويكون له ظهور، وفيما بين البقاع وبيروت أمم تدين بهذا الدين، وتعتقد ألوهية ذاك اللعين، وكان الحاكم كريما سفاكا، لا يمنع مورده عن الظماء، ولا مهده عن الدماء، لكنه في جميع أموره ثارات، ومرة في اختلاف الأحوال ينفذ فيها العبادات، وولد بمصر في ليلة الخميس الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلاث مائة، وولي بعهد من أبيه، وبويع يوم الخميس سلخ رمضان سنة ست وثمانين وثلاث مائة، وله أحد عشر سنة، وكانت خلافته إلى أن فقد خمسا وعشرين سنة.
قال صاحب بلغة الظرفاء: وسبب عدمه أنه خرج في ليلة الاثنين السابع والعشرين من شوال، بعد أن طاف ليلته كلها على رسمه، وأصبح عند قبر الفقّاعي، ثم توجه إلى شرقي حلوان، ومعه ركابيان، فأعاد أحدهما مع تسعة من العرب السويديين، وأمر لهم بجائزة، ثم أعاد الركابي الآخر، ولما عاد ذكر أنه خلفه عند القبر والمقصبة، وبقي الناس على رسمهم يخرجون يلتمسون رجوعه بدواب الموكب كل يوم خميس، إلى سلخ الشهر المذكور، ثم خرج يوم الأحد ثاني ذي القعدة مظفر صاحب المظلة، وحظي الصقلبي، ونسيم متولي السير، وابن سبكتكين التركي صاحب الرمح، وماضي القرشي، مع جماعة كلهم من خواص دولته، فبلغوا دير القصير، والموضع المعروف بنسيوان؟ ثم أمعنوا في الدخول في الجبل، فبينما هم كذلك، إذ بصروا بالحمار الذي كان راكبه على قرنة الجبل، وقد ضربت يداه بالسيف، فأثر فيهما، وعليه سرجه ولجامه، فتتبّع الأثر، فاذا أثر الحمار في الأرض، وأثر راجل خلفه، وراجل قدامه، فما برحوا في طلب الأثر إلى أن انتهوا إلى البركة التي في شرقي حلوان، فنزلها [ص 57] راجل من الرجالة، فوجد فيها ثيابه، وهي سبع جبب، وجدت مزررة لم تحل، وفيها أثر السكاكين، فأخذها ماضي وجاء بها إلى القصر، فلم يشك في قتله.