الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشمر النديم:
[الرمل]
يا ولي الأمر من بعد الحكم
…
بك جاد الصنع للخلق وتم
خذ بشكر نعمة الله التي
…
هي من خير العطايا والفسم
واشكر الله على نعمته
…
إنّ في الشكر مزيدا للنعم
فلقد قربت قربانا به
…
تلج الفردوس من طاغي العجم
كافرا سلّمه أشياعه
…
وبه حلّت من الله النّقم
ثم تخلّى له أبوه الحكم عن النظر في أمور الخلافة، وأراد أن يخلي له قصر الإمارة فأبى ابنه عبد الرحمن، وقال: بل أكتفي بالقعود على باب السدة مقعد صاحب المدينة، فاستحسن رأيه، وبدأ بتغيير المنكر، وأمر بهدم الفندق السلطاني المعد لبيع الخمور وسكن المومسات الخواطي، فهدمت بنيته، وصبّت أشربته، وكسرت آنيته، وخليت من العواهر أفنيته، فضجّ الناس بالدعاء له وعلت أصواتهم حتى سمعها الحكم، فارتاع وسأل عما أوجب ضجيج الرعاع، فلما أعلم بما صنع ابنه سكن وقال: هو أعلم بما صنع.
وتوفي الحكم يوم الخميس لأربع بقين من ذي الحجة سنة ست ومائتين، ومولده سنة أربع وخمسين ومائة، ومدة خلافته نحو ست وعشرين سنة وشهر ونصف شهر، وسنّه ثلاث وخمسون سنة، وصلى عليه ابنه عبد الرحمن، [وكان] طوالا أشم نحيفا لا يخضب.
116- دولة ابنه عبد الرّحمن بن الحكم
أبي المطرف «1» [ص 316] ، كان أثيرا عند أبيه الحكم، كثيرا مما يظهر به من
الحكم أشبه في حكمته بالمأمون، وفي حرمته هارون، وتطلّب الكتب القديمة، وتطبّب بها من عدوى الأفهام السقيمة، وطالع كتب الأوائل، وطالب بإقامة الدلائل، وبعث إلى العراق في طلب الكتب الحكمية، وغالى في أثمانها، ووالى في ذخائر البيوت استخرج جمانها رغبة في إقامة براهينها وإدامة الوقوف على قوانينها، حتى نأى بها إلى الأندلس عن أوطانها، ورأى بالعقل أنه لا ينفذ إلا بسلطانها، فغلب بحججها القاطعة وبلغ الغاية بأنوارها الساطعة.
وكان هو أول من أدخل الحكمة، ويثها في أقطارها، ومد إليها بعثها حتى جاس خلال ديارها، فأعاد عصر الأوائل جديدا، وعصر الفضائل زاد ضحى قريبا بعيدا، بل زاد حتى سطا بأرسطاطاليس، وفلّ أفلاطون بجيش لا يفله الخميس، فما جاء معه أبقراط بقيراط، وبطل بطليموس فيما أحاط به علما ومالا أحاط، فذكت قريحته، وزكت صبيحته، وكان أبوه الحكم لما سمع كلامه في هذه الدقائق، وعرف مرامه في معرفة هذه الحقائق، يتضاعف به سروره، ويتماثل لديه أموره، ولهذا انتعش لديه حظه من خاطره، وجاد أفقه صوب ماطره، فكان
لا يبرح يحبوه من الشكر بعاطره، ويجلوه في حلل اغنته عنها فطره، هذا مع استقلال بجنوده، صاب نوؤه وأصاب سدد الظلام ضوؤه.
قال الرازي: عبد الرحمن بن الحكم، أول من فخّم الملك بالأندلس من خلفاء بني مروان، وكساه أبهة الجلالة للأعمال، واستوزر الأكفاء، فعظم شأنه، وكاتبته ملوك البلاد، ثم شيّد القصور، واتخذ المصانع وجلب الماء.
وحكى معاوية بن هشام: أنه كان يتشبه بالوليد بن عبد الملك في شرف نفسه، وعلاء همّته، وفخامة سلطانه، ودعة أيامه، وما شاد من البناء، وشق من الأنهار، وغرس من الأشجار، وزاد في المسجد الجامع، وفيه قال عبد الله بن الشمر:
[الطويل]
بنى مسجدا لم يبن في الأرض مثله
…
وهل مثله في حوزة الأرض مسجد [ص 317]
له عمد حمر وخضر كأنّما
…
تلوح يواقيت بها وزبرجد
قال الرازي: وفي أيامه أحدث بقرطبة وغيرها من بلاد الأندلس الطرز لأنواع الكسوة والوطاء، واستنبطت فيها الأعمال، وتدرج فيها إلى التجويد في ذلك، وقال الرازي: وفيها اتخذت بقرطبة السكة، وقام فيها ضرب الدراهم، ولم يكن فيها دار ضرب منذ فتحها العرب، وإنما كانوا يتعاملون بما يحمل إليهم من دراهم أهل المشرق.
قلت: وهذا أوان صارت الأندلس مصرا، وصارت تعد بستانا، وقصرا بعد أن مضت برهة من الدهر لا يوصف إلا بأنه يصفق في جنباتها النهر. وكان عبد الرحمن أشم أقنى أسود العينين طوالا ضخما مسبلا عظيم اللحية.