الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتوفي يوم الثلاثاء لستة بقين من ربيع الآخر سنة سبعين ومائة، وهو ابن سبع وخمسين سنة وأربعة أشهر، ومولده قريب تدمر «1» من الشام سنة ثلاث عشرة ومائة، ولبث من يوم بويع إلى أن مات ثلاثا وثلاثين سنة وأربعة أشهر وأربعة أيام، ودفن في القصر، وصلى عليه ابنه عبد الله بن عبد الرحمن المولود ببلنسية «2» ، وكان يقال له صقر قريش، وكان أصهب خفيف العارضين، بوجهه خال، طويل القامة، نحيف الجسم، له ضفيرتان. وحكى الحافظ أنه كان أخشم، لا يشم رائحة.
114- دولة ابنه هشام بن عبد الرّحمن [ص 310]
أبي الوليد «3» ، وولد بالأندلس، ووجد أبوه به الأنس، وكان يفضله على ولده الأكبر سليمان، وكان سليمان ممن ولد بالشام، وقدم الشام إلا أنه لم يطال
همّة هشام، ولما مات أبوه عبد الرحمن حتى ذكره، وحني من ورق الحديد الأخضر نصره، ونازعه أخواه، فلم يجدا في قوسه منزعا، ولا في قوله الفصل مطمعا، حتى أتاه الأمر طائعا، ووافاه سرير الملك وقد مد عنقه خاضعا، واستهل ذلك الجو سحابا دوى الأوام، واستقل في ذلك الأفق بدرا ينجاب عنه الظلام، وجرت له أمور، ووجبت عليه نذور لموافقة السعادة لمراده، ومؤازرة النصر لأمداده، ومساررة الصواب لنجوى فؤاده، فكان لا ينقض إبرامه مريرته، ولا ينقل مرامه عن الحسنى سريرته، فكان يعد من خير أملاكهم حظا سعيدا، ولفظا سديدا، تسع الدنيا همّة العوال ويجمع النعماء بعض ما تهبه من النوال، وكان على هذا كله تقي الورع، نقي المجتمع، لا تحضر مجلسه الغيبة، ولا تحل ملبسه الريبة، مع رأي أسد من السهم نفاذا، وأشد من الوهم بالضمير ملاذا، وكان أبوه عبد الرحمن بن معاوية يحضره مشورته، وينظره من الرأى صورته، وربما تكلم بين يدي أبيه فقال صوابا، وقاس الأمور على أشباهها فبرع جوابا، ولهذا كان أبوه يقدمه ويثقفه تثقيف السمهري ويقومه، ويؤاخذه في الأمور وما يريد إلا أنه يبصره ويفهمه.
حكى صاحب المقتبس ما مضمونه، أنه كان عند وفاة أبيه عبد الرحمن بمدينة باردة، وكان أخوه بمدينة طليطلة، وكان أخوهما عبد الله البلنسي حاضرا بقرطبة، فشهد موت أبيه دونهما، وشد الأمر بعده، وبادر بالكتابة لأخيه هشام، يعلمه أن أباه مات وعهد إليه، وحثه على البدار نحوه، فخرج من فوره إلى قرطبة، وتسلم الملك، وبويع على الإمارة، وكان أول من بايعه أخوه عبد الله على زعل نواه، وغلّ بين جوانحه طواه.
وحكى محمد بن حفص: أنه لما انكشف وجه هشام من غمة حروبه مع أخويه سليمان وعبد الله [ص 311] صفت له الأندلس جميعا، واجتمع له
طاعة أهلها طرّا، وكانت يومئذ أكثر ما كانت، فسما لجهاد عدوهم سموّا استفرغ فيه وسعه، فأعطى فيهم نصرا لا كفاء له، وافتتح مدينة أربونة «1» ، وبلغ من تحكمه فيهم أن اشترط على المعاهدين من أهل جليقية «2» لما سألوه المسالمة، نقل عدد من أحمال التراب من سور أربونة إلى باب قرطبة، فلما أكمل نقل هذا التراب، ابتنى منه مسجدا قدام باب الجنان «3» ، وهو الذي كان يصلي فيه من حضر باب السلطان.
قلت: وأربونة كانت فتحت قبل هذا الفتح، ودامت بأيدي بلاد الإسلام حتى عبد الرحمن الداخل، وأقر عليها عبد الرحمن بن علقمة اللخمي، عامل يوسف بن عبد الرحمن الفهري، ثم غلب عليها العدو، واجتذبها من يد الإسلام إلى أن فتحت هذا الفتح.
وحكى محمد بن عمر بن القوطية كلاما ما معناه: أن هشاما سأل الضبّى المنجم عما تقتضيه النجامة من أمره، وكان الضبي بطليموس عصره حذقا وإصابة، فسأله الإعفاء، فلم يجبه، فلما لم يجد بدا من إخباره قال له: نعم، أصلح الله الأمير، سوف يستقر ملكك سعيدا، وجدك لمن ناواك إلا أن مدتك تكون ثمانية أعوام، فأطرق هشام ساعة ثم رفع رأسه وقال: يا ضبّي، ما أخوفني أن يكون النذير كلمني بلسانك، والله لو كانت المدة كانت في سجدة واحدة لله لقلّت طاعة له، ووصل الضبي وصرفه، ثم شمّر هشام للعمل