الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[دولة حسنيين]
بسم الله الرحمن الرحيم [ص 2] على الله توكلت وهذا ذكر من تنبه من أهل هذا البيت، وملك ملكا، وإن كان القليل المنقص، والحقير المنغص وكيف يرثون الأرض، وما ترك جدهم لهم تراثا، أو تعطف عليهم الدنيا وقد طلقها أبوهم ثلاثا، وما ضرهم أن يكون لغيرهم الدنيا، وتكون لهم الآخرة، وفيهم النبوة الدائمة ولسواهم الدول الدائرة، وأول ما نبدأ بالحسنيين ثم بالحسينيين، ثم بمن تعلق بهما.
فدول الحسنيين أولها، وفيها من تقدم في النسب ذكرهم.
1- ذكر دولة المهديّ
محمد بن عبد الله «1» بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب، تقدم
ذكره في موضعه من النسب، وكان يلقب النفس الزكية، وكان أبو جعفر المنصور قد بايعه في الدولة الأموية، وأعطاه يمينه، وأعطاه في عقد المبايعة يمينه، وكان برّا تقيا طاهرا زكيا، ولهذا كان يسمّى النفس الزكية، ولم يقدر له ظهور في تلك الأيام الأول، ولا على عهد السفاح، فلما قبض المنصور على أبيه خرج عليه بالمدينة، واحتج عليه بمبايعته المتقدمة، ودارت بينهم كتب بديعة في إقامة الحجج، وكان المنصور فيها الألد الخصم والأشد عقدا لا ينفصم، وكان محمد بن عبد الله أيّدا «1» ، شرد لأبيه جمل فعدا جماعة خلفه فلم يلحقه أحد سواه، فأمسك بذنبه، فلم يزل يجاذبه حتى انقلع، فرجع بالذنب في يده، وكان يطلب الخلافة أيام بني أمية ويزعم أنه المهديّ المبشّر به، وكان نهاية في العلم والزهد والشجاعة، وأقام سنين مستترا في جبال طيء «2» ، مرة يرعى الغنم ومرة يعمل في المهن، وأمسك المنصور أباه وعمه وطائفة من أهله لاحضاره وإحضار أخيه إبراهيم فجحدوا معرفتهما، فحبسهم عليه، ويقال إن المنصور كان قد بايع أباه عبد الله ومحمدا ابنه بعده، وكانت له جارية معها ابن له صغير برضوى «3» ولد له في حال تستره [ص 3] فردّى «4» نفسه من الجبل، فقال فيه أبوه:
[السريع]
منخرق الخفين يشكو الوجى
…
تبكيه أطراف مرو حداد
شرودة الخوف وأزرى به
…
كذاك من يكره حرّ الجلاد
قد كان في الموت له راحة
…
والموت حتم في رقاب العباد
رواها له ابن مسكويه، وقد رويت لغيره، ولمّا أتاه جيش المنصور تقدمه عيسى بن موسى «1» ، خندق عليه الخندق النبوي، وكان يبرز ويرتجز، وهو يقول:
[الرجز]
لا عار في الغلب على الغلّاب
…
والليث لا يخشى من الذئاب
فلما رأى تضاؤل أمره أقال الناس بيعته، وكسر ذا الفقار «2» وكان قد صار إليه، وأحرق الكتب التي كانت ترد عليه بالبيعة خوفا عليه من المنصور، ثم قاتل حتى غدا حجار الزيت، وحزّ رأسه وحمل إلى المنصور، وقال المنصور لإسحاق بن منصور العقيلي، وكان ذا تجريب لا يكهم «3» ، وتدريب له يلهم: أشر عليّ في خارجي خرج عليّ؟ قال: صف لي الرجل؟ فقال: رجل من ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذو علم وزهد وورع، قال: من تبعه؟ قال: ولد علي، وجعفر، وعقيل، وعمر بن الخطاب، والزبير بن العوام، وسائر قريش، وأولاد الأنصار، فقال: صف لي البلاد التي خرج فيها، فقال: بلد