الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
47- ذكر دولة الزّنجيّ
وعزيز عليّ والله أن أذكره في هذا النسب الشريف، وإن كان من شىء في هذا البيت فهو الكنيف، حاشى لله أن يكون هذا الرجس من أولئك، أو يعد فيهم، إلا كما يعد إبليس في الملائك، عجبا لهذه القعدة بالأرض كيف يطول، وكيف يكون هذا الرجس من أهل البيت، والله يقول: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
«1» أما هو فادّعى أنه علي بن محمد «2» بن جعفر بن الحسن بن طاهر بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ويكنى أبا الحسن. وقال نسابتهم أنه من ولد العباس بن علي عليه السلام، والصحيح أنه من عبد القيس، ولا يبعد أن يكون من ولد الشيطان الرجيم، وإبليس الأثيم، لفعله الذميم، وعقله السقيم، راصدا لله بكل مرصد، وعقد الخلاف للقرآن في كل مقصد، وأراد مناقضة الإسلام ومناقلة المشرع عليه أفضل الصلاة والسلام، وشبّ لهذه الأمة نارا على كل ثنية، وصب إلى كفران هذه الملة كل عقد ونية، وقعد كالشيطان للدين صراطه المستقيم، واقتحم بأتباعه نار
الجحيم، فله في الدنيا خزي، وله في الآخرة عذاب عظيم، فكبكب فيها هو والغاوون، وجنود إبليس أجمعون، أضل جبلّا كثيرا، وظل للبلايا مثيرا، وأصله من قرية من أعمال الري، ومولده بطبرستان، ثار على المهدي سنة ست وخمسين ومائتين، وكان يرى رأي الأزارقة، ويستبيح الدماء والأموال والفروج، ولا يردّ القتل عن صغير ولا كبير ولا بهيمة، ويرى الذنوب كلها شركا، ويلعن المتشرف بالادعاء إليه عليا عليه السلام، ومعاوية بن أبي سفيان [ص 81] وعائشة أم المؤمنين، وطلحة والزبير، وكل من شهد الجمل «1» وصفين، ويتعدى هذا إلى جميع الصحابة رضي الله عنهم، ثم يتعرض إلى الجناب الشريف زاده الله شرفا، ويتعرض في أمور، وكان أموره وقيامه في اثني عشر رجلا من الزنج، كانوا يعملون في غابة البصرة نفوسهم، وانضاف إليه أهل الفساد، وكان بالبصرة ثلاثون ألف جنان «2» في كل جنان أسود وأسودان وثلاثة وأكثر، فاجتمعوا إليه، فلهذا سمي الزنجي، فتتبع الخلق بالقتل والفتك في الحرمة وافتضاض الأبكار، حتى بلغ القتل مائتي ألف، وخلت الديار من أهلها، وتخفّى من سلم في الآبار والسروب «3» ، وكانوا يخرجون بالليل يطلبون الكلاب والسنانير ليأكلوها، ومن مات منهم أكله أهله، ومن قدر على أحد قتله وأكله، حتى إن امرأة قاربت الموت فاستبطأ أهلها موتها، فقطعوها وأكلوها، فخرجت أختها برأسها تغسله في الفرات، فقيل لها ما هذه الرأس «4» فقالت رأس أختي، أهلي ظلموني لم يعطوني منها إلا هذه الرأس، ومن مثل هذا كثير.
قال الشريف الغرناطي: وكانت المرأة الشريفة من ذرية الحسن أو الحسين أو
العباس، ينادى عليها في السوق: هذه فلانة الحسنية أو الحسينية أو العباسية بدرهمين أو ثلاثة، فيشتريها الزنجي برسم النكاح، وكان الزنجي الواحد يكون له من هذه النسيبات نحو العشرة والعشرين والثلاثين، والأقل والأكثر يخدمن الزنجيات، فجهز المعتمد لحربه جيشا كثيفا مع قائد اسمه مفلح، فقاتله قتالا كثيرا، فظهر مفلح عليه، ثم أصاب سهم صدغ مفلح فقتله، ثم جهز المعتمد أخاه الموفق «1» في جيش آخر، فقاتله مرات، وواقفه مواقفا كثيرة، وأصاب الموفق سهم في صدره، فكتمه أياما، وعالجه حتى أخذ في البرء، ثم خرج لمحاربة الزنجي، ولم يزل الموفق إلى أن قتله في صفر سنة سبعين ومائتين، وكانت مدة هذا الزنجي الخبيث [ص 82] أربع عشرة سنة وأربعة أشهر، وأدخل رأسه بغداد في جمادى الآخرة من هذه السنة، وأراح الله من كفره وفتنته وطائفته اللعينة وفتنه، واختلف الناس في مقدار ما قتل في مدة فريه «2» ، فمنهم المكثر والمقلل، قال الغرناطي: فأما المقل فقال: أفنى خمس مائة ألف ألف وخمس مائة، ألف، وأما المكثر فقال: أفنى ما لا يعلم عدده إلا الله تعالى، فسبحان الحكيم الذي له في كل مقدر حكمة قد تلتبس على البصير وتنعمي، وكل شىء عنده إلى أجل مسمى، لا إله إلا هو عليه توكلنا وإليه المصير.