الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس فيه زرع ولا ضرع ولا تجارة واسعة، قال: يا أمير المؤمنين، اشحن البصرة بالرجال، فقال المنصور: هذا شيخ قد خرف، أسائله عن خارجي المدينة فيقول:
اشحن البصرة بالرجال، فلم يكن إلا يسيرا حتى أتاه الخبر بخروج إبراهيم بن عبد الله بالبصرة، فقال المنصور: عليّ بالعقيلي، فذكّره بما كان قال، ثم قال له: هل كان عندك من هذا علم؟ قال: لا، ولكني لما ذكرت لي خروج رجل إذا خرج مثله لم يتخلف عنه أحد، ثم ذكرت البلد الذي خرج به، فإذا هو لا يحتمل الجيوش، فعلمت أنه سيطلب غير [ص 4] بلده، ففكّرت في مصر، فوجدتها مضبوطة، وفي الشام والكوفة فوجدتهما كذلك، ثم فكرت في البصرة فوجدتها خالية، فخفت عليها، فقال له المنصور: أحسنت، وقد خرج بها أخوه، فما الرأي في صاحب المدينة، قال ارمه بمثله، إذا قال هذا: أنا ابن بنت رسول الله، قال الآخر: أنا ابن عم رسول الله، فقال المنصور لعيسى بن موسى:
أما أني أخرج إليه أو أنت، فقال: بل أنا أفديك بنفسي، فخرج فنصر عليه، كما تقدم ذكره.
2- ذكر دولة أخيه إبراهيم بن عبد الله بن الحسن
«1»
وكان خروجه بالبصرة، وكان لعيسى بن موسى عليه النصرة، وكان
مدره «1» خصام، وبدرة صمصام «2» بقلب قلّب، ولسان ليست عارضته بخلّب «3» ، وجبل يدق على الكيد، ويقوى على الأيد، لولا إفراط شغفه بالنساء، وكلفه بذوات السناء، وما اقتفاه «4» من سنة مصعب بن الزبير في المغالاة في مهورهن، وترك بوارق السيوف لإيماض ثغورهنّ، وإلا فقد كان طعم علقم إذا غضب، ومس أرقم «5» إذا وثب، ومن كنوز المطالب أنه كان تلو أخيه في شدة البدن والعبادة، وحب العزلة وطلب العلم، وهو أشعر من أخيه، وظهرت له شجاعة وطول صبر على الاغتراب برا وبحرا، حتى إنّه دخل على المنصور في هيئة منتصح، وقد أخفى شكله، وقال له: مالي عندك إن جئتك بإبراهيم بن عبد الله، فوعده بإحسان جزيل، فطلب منه أن يكتب إلى ولاة البحر الفارسي بالإعانة في مقاصده حيث توجه، فكتب له الكتب وأوصى الولاة به فتمكن بذلك من الهرب، وبث الدعوة إلى أن أحكم أمره، ثم أتى البصرة، حتى أبطل بناء بغداد، وأعد الجهازات للهرب إلى خراسان، لما رأى من إفراط إقبال الناس عليه وإعراضهم عنه، إلى أن هزمه عيسى بن موسى، وقتله في المعركة، فعاد المنصور إلى بناء مدينته، وقال: الآن عرفت رأسي أنه لي، ولم يخطب له بإمرة أمير المؤمنين إلا بعد مقتل [ص 5] أخيه، وكان خروجه وخروج أخيه في سنة خمس وأربعين ومائة. ومن كتاب تجارب الأمم أنه قاسى شدائد في اختفائه، حتى إنه أكل على موائد المنصور، ووجد في بيت مال البصرة ألفي ألف درهم، فتقوّى بها، وصارت له فارس والأهواز، وكان الملتقى بينه وبين
جيش المنصور على باخمرا «1» من بلاد الكوفة، فانهزم حميد بن قحطبة، وناشده عيسى بن موسى في الثبات، فلم يثبت، ولم يبق معه إلا ثلاثة، واتفق من الحديث الغريب أن المنهزمين من جيش المنصور رأوا قدامهم نهرا لم يقدروا على خوضه، فرجعوا فظن أصحاب إبراهيم أنهم قد ردوا عليهم، فانهزموا بعد أن حصلوا على الظفر، ومن شعره قوله في رقية بنت الديباج العكانية وكان قد تزوج بها، وكان كلفا بها:
[الطويل]
رقيّة همّ النفس لا ذقت فقدها
…
فها أنا ذا شوق لها وهي حاضر
وقالوا غدت شغلا له عن أموره
…
ولو أبصروها لم يردوا معاذر
وقوله وقد اعتلّ أخوه:
[الطويل]
شكوت فعمّ السّقم من كان مؤمنا
…
كما عمّ خلق الله نائلك الغمر
فيا ليتني كنت العليل ولم تكن
…
عليلا وكان السّقم لي ولك الأجر
وقوله في رثاء أخيه:
[البسيط]
أبا المنازل ما هلك الفوارس من
…
يفجع بمثلك في الدنيا فقد فجعا
الله يعلم أنّي لو خشيتهم
…
أوانس القلب من تلقائهم فزعا
لم يقتلوك ولم أسلم أخي لهم
…
حتى نعيش جميعا أو نموت معا
وقوله فيه:
[الطويل]
سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا
…
فإنّ بها ما يدرك الواتر الوترا
وإنّا أناس لا تفيض دموعنا
…
على هالك منّا وإن قصم الظّهرا
ولسنا كمن يبكي أخاه بعبرة
…
يعصّرها من جفن مقلته عصرا [ص 6]
ولكنني أشفي فؤادي بغارة
…
تلهب في قطري كتائبها جمرا
وقوله في خطبة خطبها يوم عيد: «اللهمّ إنّك اليوم ذاكر أبناء بآبائهم، فاذكرنا عندك بمحمد صلى الله عليه وسلم، يا حافظ الآباء في الأبناء احفظ ذرية نبيك» ، قال: فلم يقلها حتى اشتد بكاء الناس.
وقوله وقد قيل له حين أشرف على القتل: ألا تفر وأمامك فارس والأهواز، وهما تحت طاعتك؟